علي الجفال*
اثر احتلال العراق من قبل القوات الصهيو-امريكية في نيسان 2003 كان المفترض بالقوى العربية الحية ان تعيد انتاج المصطحات والمفاهيم المتداولة في علاقات النظام العربي الرسمي وخاصة ما يتعلق منها بالتضامن وتنقية الاجواء والاتفاق على الحدود الدنيا من القواسم المشتركة .
فقد كان اهم ارهاصات الاحتلال ، الفرز الواضح بين الانظمة التي حافظت على ما تبقى من مساحة في خندق النضال ضد المشاريع الصهيو-امريكية وبالتالي حافظت على الحد الادنى من العلاقة مع الشارع العربي ، وبين الانظمة التي ارتمت بكامل ارادتها في خندق اعداء العروبة وتواطئت ضد هذا الشارع لصالح محور واشنطن – ابيب سواء بالعلن او بالصمت المذل .
وبعد الحرب التي شنتها اسرائيل على لبنان في تموز 2006 ، اصبح هذا الفرز اكثر وضوحا ، خاصة بعد ان اعلنت دول ما يسمى بالاعتدال العربي وقوفها الصريح الى جانب العدو الصهيوني ضد المقاومة اللبنانية التي تمكنت من انجازاول انتصار عربي صريح ليس على المستوى العسكري حسب ، وانما على المستوى النفسي ايضا ، حيث اسقطت اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لايقهر ، ورغم كل محاولات رهط المصطفين خلف بوش-اولمرت من الحكام العرب المتصهينين تكريس علاقة التبعية بين المقاومة اللبنانية الباسلة والمشروع الايراني ، الا ان النصر بقي عربيا ولبنانيا وكان وقوف الشارع العربي من المحيط الى الخليج خلف المقاومة دليلا واضحا على حياة الشعب العربي بمواجهة (الرمم) التي حاولت وتحاول ان تثبط عزيمته لمصلحة اعدائه واعداء الانسانية .
اما اليوم ، وبعد ان ارتكبت اسرائيل ابشع جرائمها بحق الشعب الفلسطيني في غزة بتواطيء ومشاركة اولئك الحكام المتصهينين ، فأن أي حديث عن موقف عربي موحد او عن التضامن العربي على المستوى الرسمي يصبح دغدغة للعواطف وحرف واضح لمسار نضال الشعب العربي مهما كانت النيات التي تقف خلف اعادة طرح هذه الشعارات التي فرغت من محتواها منذ زمن طويل ، فالموقف العربي الموحد والتضامن العربي حقيقتان قائمتان تحكمان العلاقة بين الشعب العربي اينما كان مع الانظمة العربية القومية والتقدمية ، اما الانظمة المتصهينة فقد قطعت شوطا طويلا في مسار عمالتها ولم تتمكن من العودة الى مسار العمل العربي المشترك لانها احرقت جميع مراكب عودتها متوهمة ان تماهيها مع المشروع الصهيو-امريكي هو الضمانة الوحيدة لبقائها متربعة على رقاب الشعب .
من هنا ، وبالتحديد من رحم انتصار المقاومة العراقية البطلة التي تكفلت ونجحت باحراق خرائط الشرق الاوسط الكبير او الجديد كما رسمت في دهاليز المحافظين الجدد ، ومن رحم انتصارالمقاومة اللبنانية الباسلة التي اذلت واركعت آلة القتل الصهيونية التي حظيت باكبر دعم دعم عسكري وسياسي ومالي من الولايات المتحدة ، ومن رحم الانتصار الذي توشك فصائل المقاومة الفلسطينية ان تنجزه على ارض غزة هاشم ، من هنا ، يجب ان يعاد رسم الخارطة العربية الجديدة مجردة من كل آثار الانكسار والهزائم والاحباط ، معززة باستحقاقات النصر ووحدة الدم والمصير اللذين اعادت اليهما محرقة غزة الروح بعد ان اوشك المتصهينون من الحكام العرب على طمسها بين تلافيف القطرية البغيضة والقبلية الجاهلية والرفاهية المزيفة التي يتم دفع فواتيرها من الدم العربي والنفط العربي على حساب الحاضر والمستقبل الذي يبدو وفق مخططات هؤلاء اكثر حلكة من ليل العصور الوسطى .
رسم الخارطة العربية الجديدة مهمة صعبة ولكنها ليست بالمستحيلة ، خطوتها الاولى تبدأ بدك اوكار الثعابين من الحكام العرب المتصهينين على ايدي الشعب العربي الذي مل عبوديتهم وتبعيتهم وذلهم وهوانهم ، حينها فقط يتحقق النصر الناجز وتبدأ الامة عصر بعثها من رماد الحرائق.
*رئيس تحرير جريدة المدار