تتطرق الكاتب البريطانى روبرت فيسك فى مقاله اليوم الثلاثاء بجريدة الإندبندنت، إلى فكرة إرسال قوات لحفظ السلام إلى غزة. وسخر فيسك من هذا الطرح، مشيراً إلى أن إسرائيل لن تسمح بوجود قوات للأمم المتحدة.
واستهل الكاتب البريطانى مقاله بالقول: ماذا أسمع؟ هل أسمع نعيق حمار الأمم المتحدة فى غزة؟ ربما يقوم الرئيس الفرنسى، نيكولاى ساركوزى، خلال جولته فى الشرق الأوسط بذكر جهود الأمم المتحدة الحثيثة لإرسال حفظة السلام لتنفيذ “المهمة المستحيلة” هناك. وقد حاول الفلسطينيون مراراً وتكراراً تدويل صراعهم مع إسرائيل منذ أن دعا ياسر عرفات قوات الأمم المتحدة لحماية الفلسطينيين بعد فشل اتفاقية أوسلو.
ولكن لطالما رفضت إسرائيل تحقيق هذا المطلب للفلسطينيين. وعلى ما يبدو أن قوة المراقبة الدولية، والتى وضعها الاتحاد الأوروبى فى الخليل بعد أن قام باروخ جولستين بمذبحة المسجد الإبراهيمى والتى أسفرت عن مقتل العديد من الفلسطينيين، قد فقدت صوتها وتلاشت مع مرور الأيام، بل إن المستوطنين الإسرائيليين قاموا دائما باعتراض دورياتها هناك فى الخليل. وقد قامت لجنة إغاثة الأمم المتحدة ووكالات العمل لعقود طويلة من الزمن، بمد المخيمات الفلسطينية التى تقع فى أفقر أحياء فلسطين بالخيام والطعام ومنح الأطفال الفصول الدراسية. هل من الممكن أن يسفر فشل إسرائيل للمرة الثانية فى غزة عن تغيير أساليب “حفظ السلام” فى الشرق الأوسط؟ وهل سيشهد شبح ياسر عرفات فى النهاية “تدويل” الحرب بين إسرائيل وفلسطين؟
ومثلها مثل غيرها من القوات التابعة للأمم المتحدة فى المستقبل، كانت قوة الأمم المتحدة المؤقتة فى لبنان، التى وصلت إلى جنوب لبنان عام 1978 عقب عملية “الليطانى” العسكرية التى قامت بها إسرائيل وباءت بالفشل، وكانت تهدف إلى “تدمير” قوات المقاتلين الفلسطينيين شمال الحدود الإسرائيلية. وأصرت قوات حفظ السلام المفوضة آنذاك على انسحاب الإسرائيليين إلى الحدود الدولية، ولكنهم بالطبع رفضوا، ليتركوا فى نهاية المطاف الأمم المتحدة فى مواجهة احتلال القوات الإسرائيلية للجنوب، والوحدات الفلسطينية بقواعدها داخل قوة الأمم المتحدة فى الشمال.
وعندما قامت إسرائيل بمحاولة غزو أخرى فاشلة للبنان عام 1982 – مثلها مثل عمليتها “غير الواقعية” ضد حماس، كان من المفترض أيضا أن تقوم بـ”تدمير” عدوها الفلسطينى اللدود، وجدت الأمم المتحدة نفسها تعمل داخل منطقة الاحتلال الإسرائيلى فقط، بل وكانت تسمح لضباط الموساد الإسرائيلى بالمرور عبر نقاط التفتيش الخاصة بها لكى يتمكنوا من القبض على أو اغتيال أعضاء المليشيات اللبنانية المعارضة لاحتلال الجنوب.
ولكن عندما انسحبت إسرائيل من لبنان عام 2000، بعد مرور 22 عاما على وصولها للمنطقة، عملت قوات حفظ السلام، والتى ينتمى الآن معظم أعضائها إلى دول أفريقيا وآسيا الفقيرة، فى سابقة هى الأولى من نوعها، فى حالة من الاستقلال. وانتهت الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006 بزيادة عدد قوات الأمم المتحدة فى جنوب لبنان، ولكن هذه المرة تحت قيادة جنرالات حلف الناتو، الذين قاموا بمسح المنطقة وتأكدوا من خلوها تماما من أسلحة حزب الله، ولكن الحقيقة هى أن حزب الله تمكن من خداعهم إذ قام بإطلاق الصواريخ بعيدة المدى من شمال منطقة عمليات الأمم المتحدة.
ويجب أن أضيف هنا أن قوات الأمم المتحدة قد تعرضت بشكل دائم لإساءة إسرائيل، حيث اتهمتها “بموالاة فلسطين” (أيا كان هذا الوصف)، وكذلك أنها متحالفة مع “الإرهابيين” (ولكنها لم تشرح أبداً كيف)، وضعيفة، ومعادية لإسرائيل وبالتالى، وكما هو المعتاد، معادية للسامية. وليس فقط هذا، بل وصل بهم الأمر إلى اتهام قائد محلى من فيجى تابع لقوات الأمم المتحدة، بنشر مرض الإيدز. ويبقى هنا السؤال: “هل من الممكن بقاء قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام فى تلك المنطقة المنكوبة؟ فمنذ البداية، كانت هناك قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
ومازالت قوات الأمم المتحدة حتى يومنا هذا ومنذ أن وطأت أقدامها المنطقة عام 1948، غير مسلحة، مما يلقى الضوء على إطار عمل قوات حفظ السلام الجديدة فى فلسطين. أو بعبارة أكثر وضوحا، فريق المراقبة غير المسلح وليس قوة لحفظ السلام، والذى من الممكن أن يمثل صوته الضعيف صوتا آخر يدعو إلى وقف انتهاكات اتفاقية إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.
ولكن من المؤكد أن الفلسطينيين فى هذه الحالة، سيطالبون بوضع نفس المؤسسة على الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية، وهنالك تقع مشكلة دفينة لكل من إسرائيل والأمم المتحدة.
فأى “حدود” تلك التى من الممكن أن تراقبها الأمم المتحدة؟ حدود الأمم المتحدة لأربعينيات القرن الماضى، أم خطوط وقف إطلاق النار لما قبل عام 1967 – وحينها كانت القدس الشرقية تنتمى إلى العرب- أم حدود ما بعد 1967 -واستولت إسرائيل آنذاك على القدس “الملحقة”-، أم تلك الحدود المحاطة بجدار هائل يمتد الآن فى عمق الأراضى الفلسطينية بصورة غير شرعية من وجه نظر القانون الدولى؟ وهل ستقوم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة “بمراقبة” إقامة المستوطنات اليهودية بصورة غير شرعية أيضا على أرض عربية داخل الضفة الغربية؟
فغزة على ما يبدو خيار سهل، وتستطيع الأمم المتحدة نشر القوات الدولية حولها. ولكنها مسألة وقت فحسب قبل أن يتم استدعاؤها فى الضفة الغربية. وهذا يمثل حلماً للفلسطينيين، ولكنه سيكون كابوساً بالنسبة لأولئك الإسرائيليين الذين يأملون فى استئناف توسعهم فى الأراضى الفلسطينية.