د.عادل عزام سقف الحيط
دكتوراة في القانون الدولي الإنساني / أمريكا
القانون الدولي الإنساني هو أحد فروع القانون الدولي العام، وهو مجموعة من القواعد الدولية، العرفية والمكتوبة، التي تهدف إلى حماية المحاربين والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، لاعتبارات إنسانية، وصيانة الأموال التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية.
فبسبب ما أصاب البشرية خلال الحروب الأهلية والدولية من أهوال ومآس، ومن ممارسات بالغة القسوة والبشاعة، لا تقتضيها الضرورة العسكرية، ولا تفرضها الرغبة في هزيمة العدو، وإنما تدفع إليها الرغبة في التشفي وإثارة الرعب ونشر الدمار المادي والمعنوى؛ وبشكل خاص العنف الوحشي الذي حايث الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ اتجه المفكرون والفقهاء والساسة والهيئات الدولية، إلى المطالبة بالعمل على الحد من آثار الحروب الشعواء، وعدم تجاوزها للضرورة العسكرية، وتهذيبها بحيث تتفق مع الهدف من الحرب والمبادئ الإنسانية. فسنّ المشرعون الكثير من القواعد العرفية والاتفاقيات المدونة لحماية ضحايا النزاعات المسلحة وصون كرامتهم.
وقد تأثر القانون الدولي الإنساني منذ نشأته بالصكوك الدولية الهامة في ميدان حقوق الإنسان؛ مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان؛ وذلك تأسيسا على أن الإنسان يحق له أن يتمتع بحقوقه اللصيقة بآدميته وكرامته البشرية، في زمن السلم والحرب، على قدم المساواة.
ولعل أهم الصكوك الأساسية للقانون الدولي الإنساني هي اتفاقيات لاهاي لعام 1907 واللوائح المرفقة لها، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولات المرفقة لها من عام 1977، واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن حظر أو تقييد بعض الأسلحة التقليدية. وعلى الرغم من كثرة العهود والمواثيق الدولية، الخاصة بقواعد القانون الدولي الإنساني، إلا أن الأمم المتحدة لم تتمكن حتى الآن من وضع آليات فاعلة لحمل كل الدول على تنفيذ تعهداتها بموجب تلك المواثيق، أسوة بالعقوبات التي تفرضها الدول على من ينتهك قانونها الوطني، كما أن الدول الاستعمارية الكبرى كثيراً ما عطلت أو أعاقت عمل أجهزة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، مستغلة مكانتها في مجلس الأمن ونفوذها العالمي. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قرارها رقم (34/103) في 14 كانون الأول/ديسمبر 1979 القاضي بعدم قبول سياسة الهيمنة في العلاقات الدولية، والتأكيد على مبدأ المساواة بين الدول السامية في تحمل مسؤولياتها والخضوع لسلطة القانون الدولي؛ لكن أجهزة الأمم المتحدة لا تزال ترزح تحت هيمنة الدول الكبرى وسيادة القوة، لا القانون.
ومنذ عهد عصبة الأمم، أسس المستكبرون، وواصلوا دعم، الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، وقام الأخير بإرساء نظامه العنصري التوسعي وتدعيمه بهالة من الحجج القانونية المغلوطة، وهو يصرّ على التنصل من الالتزام بمبادىء القانون الدولي الإنساني في كل حروبه الإجرامية. والهجوم الوحشي الأخير على غزة مثال واضح على ذلك؛ وبشكل خاص انتهاكات العدو الصهيوني لاتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949.
فاتفاقيتا جنيف الأولى والثانية نصّتا على توفير معاملة إنسانية للمقاتلين الجرحى والمرضى والمنكوبين في البحار والطواقم الطبية في الميدان. أما الاتفاقية الثالثة فنصّت على حماية أسرى الحرب، وقد جاء في الاتفاقيات الثلاث أن الفئات المستهدفة بالحماية لا تقتصر على أفراد القوات المسلحة النظامية وطواقم دعمها اللوجستي، وإنما تمتد إلى: “أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلي أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلا”، وقد ورد ذلك في المواد (13 و13 و4) من الاتفاقيات الثلاث على التوالي. غير أن العدو الصهيوني استهدف المقاومين الجرحى في سيارات الإسعاف والمشافي وقرب معبر رفح، واستهدف الطواقم الطبية والمسعِفين في الميدان. كما أنه يحاكم المقاومين الأسرى بتهم الإرهاب، ولا يعتبرهم أسرى حرب خلافاً للاتفاقية الثالثة.
أما اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب، فتعنى بإلزام الأطراف السامية بالحفاظ على حياة المدنيين غير المقاتلين وكرامتهم، وممتلكاتهم، أثناء النزاعات المسلحة في الدول والأقاليم المحتلة. غير أن المحكمة العليا الصهيونية كانت قد قررت أن اتفاقيه لاهاي واتفاقيات جنيف الثلاث الأولى تمثل جزءاً من القانون الدولي العرفي، وبالتالي فهي تلزم حكومة
العدو بالعمل بمقتضاها، في حين أعلنت المحكمة أنها ستتصرف، بحكم الواقع، وفقاً للأحكام الإنسانية بشأن اتفاقية جنييف الرابعة. وكان العدو قد اعترف باتفاقية جنيف الرابعة في الأمر العسكري رقم (3) الصادر في 7 حزيران/يونيو 1967، ثم عاد وألغى اعترافه بها، بحجة أن الاتفاقية غير منصوص عليها في قانونه الداخلي؛ غير أن القانون الدولي لا يجيز للدولة أن تحتج بقوانينها الداخلية كمبرر لرفض التزامها بنصوص القانون الدولي، وهذا ما أكده قرار الجمعية العامة رقم (56/83) في 12 كانون الأول/ديسمبر 2001 في المادتين (3 و32). والواقع أن اتفاقيتي لاهاي وجنيف ملزمتان لجميع الدول، سواء صادقت عليهما الدول أم امتنعت عن ذلك، لأنهما تجسدان القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني العرفي، في جميع جوانبهما ذات الصلة، وقد أيدت أحكام وقرارات العديد من المحاكم الجنائية واللجان الدولية هذا التوجه.
العدو بالعمل بمقتضاها، في حين أعلنت المحكمة أنها ستتصرف، بحكم الواقع، وفقاً للأحكام الإنسانية بشأن اتفاقية جنييف الرابعة. وكان العدو قد اعترف باتفاقية جنيف الرابعة في الأمر العسكري رقم (3) الصادر في 7 حزيران/يونيو 1967، ثم عاد وألغى اعترافه بها، بحجة أن الاتفاقية غير منصوص عليها في قانونه الداخلي؛ غير أن القانون الدولي لا يجيز للدولة أن تحتج بقوانينها الداخلية كمبرر لرفض التزامها بنصوص القانون الدولي، وهذا ما أكده قرار الجمعية العامة رقم (56/83) في 12 كانون الأول/ديسمبر 2001 في المادتين (3 و32). والواقع أن اتفاقيتي لاهاي وجنيف ملزمتان لجميع الدول، سواء صادقت عليهما الدول أم امتنعت عن ذلك، لأنهما تجسدان القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني العرفي، في جميع جوانبهما ذات الصلة، وقد أيدت أحكام وقرارات العديد من المحاكم الجنائية واللجان الدولية هذا التوجه.
وتسري اتفاقية جنيف الرابعة، كما نصت المادة الثانية منها، على: “جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة”. وقد حاولت حكومة العدو التنصل من كونها دولة محتلة لقطاع غزة، وبالتالي إنكار دورها كقوة احتلال مسؤولة إنسانياً وقانونياً وفق هذه الاتفاقية، وتذرعت بأن “انسحابها” من القطاع سنة 2005 يعني استقلال القطاع وبسط حكومة فلسطينية السيادة عليه. والحقيقة أن ما قامت به قوات العدو هو “إعادة انتشار” لا انسحاب، وأن قطاع غزة لا يزال محتلاً، بسبب سيطرة العدو غير المشروعة، على كافة معابره البرية، وأراض أخرى، وإقليميه البحري والجوي؛ ومن ثَم فانسحاب العدو المنفرد إلى مواقع جديدة، وكذلك عدم ممارسة العدو لوظائف الحكومة داخل القطاع، لا تعني إنهاء حالة الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية الغزيّة، ولا تؤدي إلى استقلال القطاع بالمعنى القانوني، وإنما تبقيه محتلاً جزئياً وخاضعاً لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة. وقد تنكر العدو سابقاً لقرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار رقم (242) لسنة 1967، الذي ينص على عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة، وعلى وجوب الانسحاب من الأراضي المحتلة في نزاع 1967، وهو ما جاء أيضاً في القرارين (338) لسنة 1973 و (1397) لسنة 2002 الصادرين عن نفس الجهاز. وهكذا حددت القرارات الحوزة الإقليمية التي يحق للشعب الفلسطيني أن يقرر فيها مصيره، وفق حق تقرير المصير المكفول بموجب المادة الأولى من العهدين الدوليين، بغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية (مع عدم تسليم الكاتب بذلك)؛ وتشير الخرائط إلى أن إقليم غزة سنة 1967 لا يطابق في مساحته الإقليم الذي أعيد الانتشار فيه سنة 2005.
ووفق بقاء الاحتلال، كان يتعين على المحتل ضمان تدفق الإمدادات الغذائية والدوائية والطبية والخدمية لسكان القطاع، كما جاء في المادتين (55 و 56) من اتفاقية جنيف الرابعة. إلا أن المحتل، وبخلاف ما ذكر، فرض حصاراً اقتصادياً ظالماً على غزة لعامين، براً وبحراً وجواً، وشمل الحظر منع، وتقنين، عبور المواد الغذائية والماء والدواء والوقود والكهرباء وكل مقومات الحياة، حتى الورق وحبر الكتابة. والأصل أن الحصار الاقتصادي عقوبة استثنائية مقيدة بشروط، فإذا جار الحصار على توفير الحاجات الحياتية الأساسية، عد جريمة في فقه القانون الدولي الإنساني العرفي والمدون. وقد جاء في المادة (14) من البرتوكول الإضافي الثاني، الملحق باتفاقيات جنيف، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية لسنة 1977 ما يلي: “يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ومن ثم يحظر، توصلاً لذلك، مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غني عنها لبقاء السكان المدنيين علي قيد الحياة ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري”. ومثلها المادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول، وفعلياً لا يمكن تقليص تزويد القطاع بالكهرباء دون المسّ بعمل المشافي ومضخات المياه، ناهيك عن تقليص إمدادات الغذاء والدواء وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية.
أما حيال معبر رفح، فإن المبدئين الرئيسيين اللذين يحكمان الاحتلال الحربي، وفقاً للوائح لاهاي، هما: أن يجسد الاحتلال حالة مؤقتة؛ وأن لا يمنح الاحتلال الدولة المحتلة “سيادة” على الإقليم المحتل تمكنها من تغيير في مركز الإقليم (القانون والسلطة) (Oppenheim, International Law, 6th ed, 1944, pp 432-4.) ؛ ومن ثم فتوقيع العدو لأي اتفاقيات أو تفاهمات مع الحكومة المصرية بشأن الرقابة المشتركة على معبر رفح، يعتبر فعلاً سيادياً على جزء من أرض الإقليم المحتل، الذي انسحب منه العدو، فيقع بالمعنى القانوني باطلاً، ويجب وقف العمل بمقتضاه، وبمقتضى أي إجراءات تشريعية أو إدارية ترتبط به. والاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية بشأن المعبر قد انتهى العمل بمقتضاها، ولم تجدد، كما أن السلطة لم يعد لها تمثيل في غزة، فلا يحتج بها أيضاً.
وفي ظهر يوم السبت الموافق 27 كانون الأول/ديسمبر2008 شنت قوات الاحتلال عدوانها على غزة، حيث قصفت طائرات العدو القطاع بمائة طن من المتفجرات، في اليوم الأول فقط، وتصاعدت وتيرة العدوان تدريجيا، كما اتسع نطاقها في الأيام التالية مستهدفة المباني ا
لسكنية والمشافي ودور العلم والمساجد ومؤسسات الدولة الأمنية والإدارية والتشريعية، إلى جانب الأهداف العسكرية، مما يشير إلى نية العدو بتدمير غزة قبل غزوها برياً، وانتهاجه لسياسة الأرض المحروقة. حصار غزة وتجويع سكانها، وضربها بهمجية، هو إنزال عقاب جماعي بحق سكان غزة، وهو بذلك انتهاك لنص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة: “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب. السلب محظور، وتحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم”. وكذلك المادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف. كما أن الحصار والاعتداءات الصهيونية العسكرية تمثل جرائم وردت في المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court (صيغ في 17 تموز/يوليو 1998) ، وهي علي سبيل الحصر؛ جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان.
لسكنية والمشافي ودور العلم والمساجد ومؤسسات الدولة الأمنية والإدارية والتشريعية، إلى جانب الأهداف العسكرية، مما يشير إلى نية العدو بتدمير غزة قبل غزوها برياً، وانتهاجه لسياسة الأرض المحروقة. حصار غزة وتجويع سكانها، وضربها بهمجية، هو إنزال عقاب جماعي بحق سكان غزة، وهو بذلك انتهاك لنص المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة: “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب. السلب محظور، وتحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم”. وكذلك المادة (75) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف. كما أن الحصار والاعتداءات الصهيونية العسكرية تمثل جرائم وردت في المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court (صيغ في 17 تموز/يوليو 1998) ، وهي علي سبيل الحصر؛ جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان.
فجريمة الإبادة الجماعية Genocide جريمة دولية وردت في البند الأول من المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والمادة السادسة من ذات القانون، وهي جريمة ترتكب “بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كلياً أو جزئياً” ومن صورها “إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئيا” المادة (ج/6)، وهو ما رمى إليه حصار السنتين، حيث استشهد العشرات نتيجة نقص الدواء وضعف الإمكانات العلاجية وإغلاق المعابر، وهو ربما أشد وطئة، لأسباب جيوديموغرافية، من الحصار الجائر الذي فرض على العراق إثنتي عشرة سنة. ويعد أيضا جريمة إبادة جماعية “قتل أفراد الجماعة” (ج/6)، وهو ما تقوم به آلية العدو العسكرية في هجماتها الجوية والبحرية والبرية.
أما الجرائم ضد الإنسانية Crimes Against Humanity (ب/5) و (7)، فترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين؛ وتشمل أعمال القتل والإبادة وإبعاد السكان أو نقلهم قسراً والسجن والتعذيب والاغتصاب والاضطهاد العرقي والإخفاء القسري للأشخاص والفصل العنصري، وأية أفعال لاإنسانية مشابهة ذات طابع مماثل تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في إلحاق أذى خطير بالصحة العقلية أو الجسدية. وسجل قوات الاحتلال حافل بانتهاكات مماثلة في فلسطين ولبنان، وهو يكرر جرائمه ضد الإنسانية في كل حروبه الهمجية، وتشير التكهنات إلى نية العدو في ارتكابها في الأراضي التي يحتلها برياً في القطاع.
أما جرائم الحرب War Crimes فيقصد بها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، إلى جانب الجرائم الواردة في المادتين (ج/5) و (8) ومن ذلك القتل والتعذيب وإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات، واستخدام الأسلحة والقذائف (مثل القنابل الفوسفورية وقنابل النابالم والقنابل الانشطارية والقنابل العنقودية والقنابل الفراغية، وهي محرمة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980) والسموم المحظورة، وإجراء التجارب البيولوجية، وتوجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والخيرية والمشافي وأماكن تجمع الجرحى، وتعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة من الهجوم، أي خرق قاعدة “التناسب” the rule of proportionality.
وفي استهدافه المفرط للمدنيين، يتذرع العدو الصهيوني بأن مبدأ “التمييز” distinction بين المحارب والمدني، وبين الممتلكات العسكرية والمدنية، يعتمد على ركني “القصد” و”النتائج المتوقعة” “intent” and “expected result“، وأن إيقاع ضحايا بين المدنيين وتدمير ممتلكاتهم يكون مقبولاً إذا ما توافر الركنان. لكنه يعود ويعترف باستهداف بيوت المدنيين عمداً، لأن معيل الأسرة التي تقطن البيت قائد حمساوي؛ إذاً اتجه (قصد) العدو إلى قتل مدنيين لاحتمال وجود المحاربين في البيت وقت قصفه؛ ومثال على ذلك قصف العدو لبيت القائد القسامي نزار ريان، وقتله لخمسة عشر مدنياً من ذويه وجيرانه. فالعدو (توقع نتيجة) إيقاع خسائر جسيمة بين المدنيين كونه يعلم حجم أسرة الشهيد واكتظاظ الحي السكني الذي استهدفه، لكن ذلك لم يثنه عن جريمته؛ ومثل ذلك أيضاً استهداف العدو للمدنيين في المساجد والأحياء السكنية والأسواق. إذاً القصد الجرمي مبيّت، والنتائج المتوقعة هي إلحاق خسائر فادحة بالغزيين المدنيين لحملهم على الاستسلام، أو خيانة المقاومة، إلى جانب تحقيق مكاسب استعمارية على الأرض.
ووفق المادة (2/5) من النظام، تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان Crime of Aggression، فالأصل أن تحافظ الدول على السلم والأمن الدوليين، وقد تناولت اتفاقية لاهاي الثانية لسنة 1907 مبدأ عدم جواز اللجوء إلى الحرب في فض النزاعات، إلا دفاعاً عن النفس، وضمن نطاق ضيق لا تعسف فيه. وقد بين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3314) لسنة 1974 سبع صور للعدوان،
على سبيل المثال لا الحصر، وقرر في المادة الخامسة منه عدم جواز التذرع بالعوامل السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو غيرها لتبرير شن العدوان. وقد ميزت المادتان (6 و7) من القرار بين العدوان وبين الدفاع عن النفس المرتبط بالحق في تقرير المصير، الذي أيدته المواثيق الدولية وقرارات الجمعية العامة، ومنها القرار (1514) في 14 ديسمبر 1960 المتعلق بحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها بالكفاح المسلح.
على سبيل المثال لا الحصر، وقرر في المادة الخامسة منه عدم جواز التذرع بالعوامل السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو غيرها لتبرير شن العدوان. وقد ميزت المادتان (6 و7) من القرار بين العدوان وبين الدفاع عن النفس المرتبط بالحق في تقرير المصير، الذي أيدته المواثيق الدولية وقرارات الجمعية العامة، ومنها القرار (1514) في 14 ديسمبر 1960 المتعلق بحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها بالكفاح المسلح.
ولكل ما سبق، وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، كان يجب على حكومة العدو أن تتخذ التدابير اللازمة لمنع أي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني تنجم عن أعمالها القتالية في غزة، وإدارتها للحرب والتخطيط لها. كما يقع على عاتقها أيضاً التقيد باتفاقية جنيف الرابعة، والبحث عن الأشخاص المشتبه في ارتكابهم للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، أو إصدارهم الأوامر بارتكابها، وإحالتهم إلى المحاكم الجنائية المحلية المختصة، والدولية حال الادعاء عليهم، وعليها تحمل المسؤولية المدنية في تعويض الضحايا. والجدير بالذكر أن المادة (13) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تمنح مجلس الأمن الدولي سلطة إحالة حالات جرمية إلى المحكمة، حتى لو اتصلت هذه الحالات بدول ليست طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة؛ ومن ثم فجرائم الكيان الصهيوني ذات العلاقة تقع ضمن اختصاص المحكمة؛ وبموجب هذه المادة تمكن مدعي عام المحكمة من الادعاء بحق الزعيم السوداني عمر البشير في قضية قبائل دارفور الانفصالية.
كما يفترض أن يكون مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ممثلاً للمجتمع الدولي، ووفق المادة (15/1) من نظام المحكمة، يمكنه أن يباشر التحقيقات (من تلقاء نفسه) على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة. وعلى الرغم من أن الاختصاص الأصيل، والأهم، للأمم المتحدة هو حفظ السلم والأمن الدوليين، بالاستعانة بالأجهزة التنفيذية في منظمة الأمم المتحدة، وفقاً لنص المادة (7/1) من الميثاق، لتطبيق القانون الدولي العام والإنساني، إلا أن مجلس الأمن رفض اليوم 4 كانون الثاني/يناير 2009 إدانة الغزو البري أو الدعوة إلى وقفه، بسب الفيتو الأمريكي. وحتى لو أدان المجلس أو الجمعية العامة عدوان العدو، فالعدو لا يحفل بذلك؛ وسابقاً لم يحفل بقرار الجمعية العامة رقم (داط-10/13) الصادر عام 2003، بناءً على فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية، والقاضي بوقف بناء، وهدم، جدار الفصل العنصري. فالقانون شرعة الأقوياء، والأقوياء وحدهم يسنّون القانون، مشفوعاً بالثغرات المناسبة أحياناً، ويطبقونه لتحقيق مصالحهم دائماً، ويخرقونه إذا تعلق الأمر بلجم خططهم الشريرة. ويبدو أن التغيير السياسي هو مفتاح تفعيل القانون الدولي الإنساني، فانتصارات المقاومة على الأرض، وتهاوي الحكومات القمعية، غير الشرعية، التي تمد الكيانات الغاصبة بأسباب وجودها، ستخلق واقعاً دولياً جديداً، يعيد العدل إلى نصابه، ويخرج القوانين من ركام الكتب والمدونات القديمة القابعة في أقبية الجامعات، إلى أروقة المحاكم، ويغير القوانين وأنظمة ومسميات الجمعيات والمنظمات واللجان الدولية، ويحفظ الحقوق، ويطيح بكل ظلم تأسس على باطل، ويكافح الجريمة ويحفظ الأمن والسلم للمجتمع الدولي.