خارج النص ـ أحمـد زكارنـة
رسالة من مواطن فلسطيني إلى عمرو موسى وطنٌ من حفنة أكفان
معالي الدكتور / عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية حفظك الله ورعاك وسدد خطاك لما فيه مصلحة هذه الأمة..إن تبقى لها من مصالح لم تهضم بعد. في زمنِ التراجيديا السوداء، وعلى الهواء المباشر في أحدث حرب متلفزة، تتضاعف في غزة جاذبية الأرض لتبلغ درجاتها القصوى في الامتصاص.. وليبقى الموت سيد الزمان والمكان ينهش أرواحنا ويعلن أن الوقت جمرا، يجرحُ زرقة السماء.. وأجزم أنه يجرح قلبك كذلك. معالي الدكتور.. لن أخوض كثيرا فيما تدرك ويدركه الجميع من التباسات السياسية وتعقيداتها، وأنت أستاذ السياسة والدبلوماسية.. وإنما فقط أود طرح رؤية كنت قد طرحتها قبل ما يقارب العامين في ظروف مشابه لما نعيشه اليوم، لنعاود الطرح ونضعها بين أياديكم الطاهرة.. فأنا كغيري من أبناء الوطن العربي عامة والفلسطيني خاصة كنت أتابع كلمتكم التي ألقيت خلال افتتاح الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في اليوم الأخير من عام النكبة الفلسطينية الثانية 2008. ولقد أثلجت قلوبنا كلماتكم الطيبة والتي عبرت عما يجول في الصدور إلى حد بعيد.. وحقا آتيت حينما أشرت بالقول : إن القذائف تلتهم الحياة في غزة.. والمستوطنات تلتهم الأرض في الضفة.. والمفاوضات الفارغة التي شاهدناها كان مقصوداً بها أن تلتهم الوقت أيضاً.. ولكن لتسمح لي سيدي، ليس بالكلام وحده تحيا الشعوب. سيدي يذكر من نافلة القول.. إن بلية الشعوب في ِهبات الحكام.. خاصة حينما تدب الخلافات في العمق ليتشابكوا ويختلفوا ويتلاسنوا، ما أدى إلى ترك الساحة السياسية يملؤها الفراغ والآخرون حتى إن وقعت الواقعة، قالوا ما كنا لها مدركون. هذا الفراغ السياسي الحاضر دوماً في منطقة الشرق الأوسط، ليس وليد اللحظة، إنما هو إرث ثقيل توارثته أجيال القرن العشرين جيلا بعد جيل، خاصة على مستوى قضية العرب الأولى ” قضية فلسطين “، والتي تعود بقوة كلما جد جديد في صراعنا الأزلي مع الكيان اليهودي الغاصب لأرضنا ومقدراتنا، ناهيك عن غزارة الدم الفائض في جسد الإنسان العربي، ما يثبت أن الأحداث الدموية التي تشهدها المنطقة اليوم، هي إفراز طبيعي لفراغ سياسي أحدثه تغيب زعماء الأمة لقضاياها المركزية ولاسيما القضية الفلسطينية التي ُتِركتْ فريسة للأمريكان والغرب يتحكمون فيها كما يشاءون. وللخروج من هذا المأزق كنا ننتظر من النظام العربي أن يصحوا من غيبوبته القسرية لصالح مصالحه الوطنية، فيعمل على التوحد للنهوض من جديد وليستغل مقدراته للحفاظ على تبقى من كرامته، ولو عبر سياسة تجفيف المحيط بحيث لا تستطيع لا أمريكا ولا إسرائيل النيل منه.. ولكن هيهات أن يحدث ما ننتظر. ولكي نكون واقعين نذرف الدماء الزكية في صمت وسعادة، ونلملم بقايا أشلائنا من على طاولة اللئام.. فقط نشير إلى أن الرد العملي على أطروحة الشرق الأوسط الجديد، والتي للأسف بدأت تطبق اليوم في مناطق متفرقة بدأ بالعراق ولن تنتهي بفلسطين، نرى أن الحل يكمن في خيارين لا ثالث لهما. أما الأول فينقسم إلى خطوتين.. الأولى: فهي بيد النظام العربي الحاكم وجامعة الدول العربية، إذ بيده يكمن “إنْ توفرت الإرادة” إنتاج الفعل، ولاسيما أن الفرصة مواتية الآن لإسقاط الشرعية عما يسمى بهيئة الأمم ” الأمريكية ” عفوا المتحدة، الوجه الأخر لعصبة الأمم، والإشارة هنا تأتي للنظر مليا في أسباب فشل الأخيرة. إن بمقدور النظام العربي الحاكم وبفعل قرار من جامعة الدول العربية، أن يعلن تعليق التعامل مع هذه المؤسسة الأممية التي باتت لا تأتي بأي قرار ذي علاقة بالقوانين الإنسانية ، وإغلاق جميع فروعها في الوطن العربي، ولنأخذ درسا في هذا الصدد من الفعل الأمريكي نفسه حينما طرح فكرة عصبة الأمم ولم ينضم إليها، بل انكفأ على ذاته واهتم بتنمية بنيته الاجتماعية والسياسية، علما بأنه كان يتخذ من دول أمريكا اللاتينية ” حديقة خلفية ” كما كان َيْطِلُق عليها، للسيطرة على قرارات هذه العصبة حتى تاريخ استبدالها بالهيئة الأممية الحالية.. ولو أقدم العرب على ذلك سيتلقون دعما كبيرا من بعض دول القارة اللاتينية” وبعض الدول الاشتراكية هذا إن لم يلحق بالركب عديد الدول في جميع أنحاء العالم.. والمتابع للمشهد الدولي بروية، يستطيع أن يقرأ التطورات جيدا، ليلحظ إشارات التململ من هذه المؤسسة الأممية والتي تتطاير من هنا وهناك. ثانيا: بإمكان النظام العربي الحاكم اليوم وبرغم ظروفه الاقتصادية الصعبة بحكم سياسة العولمة، والفوارق الشاسعة على المستوى العسكري، ما يحول دون دخوله في معركة مصيرية مع الكيان الإسرائيلي المُغتِصب للأراضي العربية، بإمكانه وعوضا عن استجداء المواقف السياسية من الغرب وعلى رأسه أمريكا، أن يأخذ زمام المبادرة لدفع الغرب كاملا ليأتي إليه صاغرا، يمكنه أن يعلن كخطوة أولى تعليق العمل بالاتفاقيات السياسية والاقتصادية الموقعة بين بعض الأقطار العربية ودولة إسرائيل والأخيرة لها تفرعاتها التي لا تخفى عنكم ، خاصة وأن أحد بنود هذه الاتفاقيات يرتكز على توفر الأمن القومي لكل قطر على حده، ليصل الفعل تدريجيا إلى سحب جميع السفراء والقناصل والممثلين التجاريين العرب من الدولة العبرية وأيضا بفعل قرار من جامعة الدول العربية، وصولا إلى إبلاغ نظرائهم في العواصم العربية أنهم أشخاص غير مرغوب بهم في البلاد. أما
الخيار الأخر فيكمن بيد الجماهير العربية مدعومة بالقوى والأحزاب الوطنية المحرك الفعلي للشعوب، خاصة وأن الجماهير باتت تضجر من سياسة الخنوع والقنوط في وجه الاستعلاء الإسرائيلي على العرب، وهي قادرة اليوم أكثر من أي وقت مضى على قلب كافة المعادلات المطروحة للمنطقة عبر اتباع سياسة المقاطعة أولا، ومن ثم الضغط على أنظمة الحكم في الوطن العربي بطرق سلمية لإنتاج ما اشرنا إليه أعلاه كحد أدنى من الفعل. إن الشرق الأوسط الجديد، مراد له أن يكون طائفياً.. فإن لم نقرأ ذلك جيداً للخروج من المأزق، عبر العودة إلى بعث روح القومية العربية من جديد لانتشال الأمة الواقعة ما بين شرقين وتيارين أحلاهما مر، فإننا سنبقى في إعادة إنتاج التاريخ الذي أشار إليه ذات يوم ماركس بالقول: إن التاريخ لا يعيد نفسه، فإذا أعاد نفسه فانه يكون في المرة الأولى مأساة وفي الثانية مهزلة. أناشدكم اليوم سيدي.. لا باسم حب الحياة، ونحن نحب الحياة.. ولا باسم رائحة الدم والبارود، والرائحة مؤكدا وصلتكم لتزكم الأنوف.. وإنما أناشدكم باسم وطن عربي من حفنة أكفان، بات على حافة الزمان والمكان ينتظر أن تلفظه مصفاة التاريخ. بقلم: أحمـد زكارنـة كاتب وصحفي فلسطيني