تصريحات تسيبني ليفني في المؤتمر الصحفي الذي جمعها بوفد الترويكا الأوربية في اليوم العاشر من الاعتداء الغاشم على قطاع غزة الصابرة المحتسبة كانت مدعاة للسخرية والاستهزاء للعالم أجمع ، لاسيما تلك الأعذار التي ساقتها في تبرير إقدام كيانها المغتصب على اقتراف مجزرته في غزة، فهي تحدثت وكأنها متألمة للسلام الذي أجهض مع ما أسمتهم بـ ( الفلسطينيين المعتدلين ) منوهة في ذلك لتلك الجولات من مفاوضات لا عـَدّ لها أقل ما توصف بأنها كانت عبثية عقيمة جرت وفق أجندة صهيونية كان القصد منها كسب المزيد من الوقت من أجل تمرير أجندتهم ومخططاتهم، كما ولم تنس ( ليفني ) أن تذكر بأن من أسباب هذه المجزرة الوحشية يكمن في رفض حماس وأخواتها من فصائل المقاومة المناوئة لمتطلبات المجتمع الدولي وأنها كانت عقبة أمام الفلسطينيين المعتدلين في المضي بنهج التسوية!!!.
كان من الطبيعي جداً أن تذكر تسيبي ليفني في تصريحها بأن “إسرائيل” كانت تدافع عن نفسها أمام ما أسمته ( إرهاب ) حماس ، وأكثر ما يدعو للسخرية والاشمئزاز ما جاء على لسانها حين ادعت بأن كيانها الغاصب كان قد اتخذ الإجراءات اللازمة من أجل التخفيف من وطأة الوضع الإنساني ومن أنها تتجنب معاقبة السكان المدنيين من خلال عملياتهم العسكرية ، في حين تناست أن تذكر أمام وفد الترويكا الأوربية أن تريهم صور عوائل فلسطينية كانت قد أبيدت بكاملها تماماً!!!.
أي أعذار واهية تلك التي طرحتها تسيبي ليفني في مؤتمرها الصحفي إذا ما استرجعنا تلك المشاهد المروعة المتمثلة بحجم وفداحة التدمير الوحشي الذي رافق حملتهم في غزة ، فهل يعقل أن يكون رد فعل العدو تجاه ما يطلق عليه من صواريخ مقاومة ( محلية الصنع ) بهكذا جنون وحشي تمثل بهجوم ثلاثي ( جوي وبري وبحري ) والذي كان قد سبقه بأشهر عديدة حصار جائر كان قد شل الحياة في غزة!!؟، وهل يعقل أن يكون رد فعل الكيان الصهيوني تجاه صواريخ ( محلية الصنع ) هذا الحجم التدميري الوحشي الهائل الذي ما ترك لا بشراً ولا حجراً ولا ثمراً إلا وأحرقه وطاله وبحصيلة أولية تمثل بمئات الأطنان من المتفجرات عن طريق صواريخ طائرات العدو أو قذائف مدفعيته الثقيلة!!؟.
كان العدو الصهيوني حين ابتدأ مجزرته الأخيرة في غزة قد أعلن عبر وكالات الأنباء والفضائيات أنه قد جاء من أجل تغيير أوضاع غزة ، فراحت طائراته المقاتلة تلقي حممها النارية لتحصد أرواح أبناء غزة دونما تفرقة أو تمييز ، فالأهداف متساوية متشابهة لا فرق بينها ، الفتحاوي مستهدف … والحمساوي … وابن الجهاد … والشعبية … ألى آخر قائمة الفصائل والحركات الفلسطينية في غزة، العسكري مستهدف … والمدني … الرجل والمرأة … الرضيع والمسن … السليم والمعوق، بنايات صارت أثراً بعد عين … المدارس … المساجد … المستشفيات … المؤسسات التعليمية … أسوة بالمقار الأمنية!!.
كل شيء في غزة صار مباحاً اليوم تفترسه الآلة الوحشية الصهيونية ، فيما يتبجح ايهود أولمرت في مؤتمر صحفي جمعه بباراك وتسيبي ليفني فادعى بأنهم لا يستهدفون المدنيين … بالمطلق ، فمن إذن تساقط في غزة إذن طيلة الأيام العشرة أم أنه كان فلماً ممنتجاً قامت بتحضيره فصائل مقاومتنا من أجل التشهير بالعدو الصهيوني واستدرار عطف الرأي العام العالمي !!.
لم يتبق للعدو الصهيوني من ادعاء وتبرير أن قصفهم الوحشي ذاك ما كان موجهاً لأبناء غزة عموماً إلا أن يظهر متحدث بوزارة الحرب الصهيونية في مؤتمر صحفي شارحاً مبيناً كيف يتعامل صاروخهم ( الإنساني المشاعر ) بذكاء وحنكة بحيث أن له القدرة الذاتية ليميز من بين حشود أبناء غزة بين الفتحاوي والحمساوي ، ولن يجد حرجاً ذاك المتحدث أن يعلن بأن الصاروخ المطلق من طائرة صهيونية قد تم تزويده ببرنامج ( ذكاء صناعي متطور ) يمكنه أن يتميز الحمساوي تحديداً من أبناء غزة فيصيبه!!!، وقد يظهر ذاك المتحدث الرسمي في شاشات التلفزة ليعلن باستخفاف بأن صاروخهم الذكي ذاك مبرمج إلى حد أنه سيطلب من ( الفتحاوي ) إذا ما اعترض طريقه خطأ أن يحيد قليلاً عن دربه ليذهب باحثاً بين وجوه أبناء غزة لينفجر في جسد الحمسا
وي تحديداً!!؟.
لقد بات واضحاً أن المستهدف من كل تلك المجزرة هو الإصرار البطولي على استمرار نهج المقاومة ، لقد بات جلياً أن الهدف من تلك المجزرة هو كسر إرادة تحدي نهج التسوية الزائفة ومحاولة إركاع هامة الفلسطيني المقاوم كي يرتضي بما أعد له من مشهد ذل وخنوع ويفتقر لأبسط مقومات الكرامة والسيادة، لقد سقطت ورقة التوت التي تستر خلفها الكيان الصهيوني من أن الهدف من هذه المجزرة هو إخضاع من لم يخضع لإرادتها واشتراطاتها!!.
لقد حرك صمود أبناء غزة ماء البركة الراكدة الذي وقعت فيه القضية الفلسطينية والذي طالها طيلة الفترة التي تلت مؤتمر انابوليس فأثبتت هذه الملحمة الرائعة التي سطرها أبناء غزة بكافة فصائل مقاومتها الوطنية أن لا شرعية أبداً لخيار نهج أوسلو … فالشرعية كانت ومازالت هي للبندقية وللجهاد وللصبر والصمود، وذاك لعمري الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه السلطة الفلسطينية منذ انبثاقها من رحم أوسلو حين تشبثت بخيارها ( التاريخي والستراتيجي ) دون أن تضع لها خياراً آخر لتلوح به … ألا وهو خيار المقاومة الذي تتبناه حماس والجهاد وباقي الفصائل المناهضة لعملية التسوية … مما مزق المشهد الفلسطيني وبهذا الشكل المروع فراح كل يغني على ليلاه ووفق نهجه وما يؤمن به!!!.
وأقول لسلطة الرئيس أبي مازن …
- كنتم قد وعدتم بالدولة الفلسطينية إن القيتم السلاح واخترتم خيار التسوية السلمية فكان أن دخلتم في متاهة المفاوضات التي طال انتظارنا لها ، فما الذي تحقق من تلك المفاوضات ، لاشيء تلمسناه في الوقت الذي استمر الاستيطان وقضم الأراضي وتصاعدت عمليات تهويد مدينة القدس وتغيير معالمها وانتشار جدار الفصل والانقسام!!؟.
- وكنتم قد أنسقتم خلف أكاذيب أمريكا في مؤتمر انابوليس وأعطيتم العهد بأن في نهاية عام 2008 سترون ولادة الدولة الفلسطينية الموعودة … وها هو بوش يلحس عهده وما وعده حيث يلملم حاجياته ويرحل غير مأسوف عليه وقد انكشفت لكم تدليساته وممارسات دولته وتمسكها بممارسات الكيل بمكيالين والتي كانت آخرها قبل أيام حين أجهضت قرار إدانة الكيان الصهيوني لمجزرته الأخيرة في غزة!!!.
- وكنتم قد راهنتم على ( بعض ) أنظمة عربية وصفت بالمعتدلة فخذلت تلك الأنظمة أبناء شعبك في غزة أثناء المجزرة المقترفة بحقه فامتنعت عن عقد مؤتمر قمة طارئ وألقت بالكرة إلى مجلس الأمن ليقينها بانحيازه الكامل وارتهانه لإرادة أمريكا والصهيونية فكشفوا بذلك عن تواطئهم في إتمام ذبح فلسطين من خلال إجهاض ظاهرة المقاومة الشريفة!!!.
وأقول لك ولمن بمعيتك من مستشارين وخبراء وحكماء … إن كنت وإياهم تريدون خيار المفاوضات فما كان عليكم آنذاك إلا أن تتسلحوا بخيار بديل آخر يساندكم ويؤازركم ويمنحكم قوة أمام العدو كنتم بأمس الحاجة إليه … ذلكم هو خيار المقاومة الذي عطلتموه وحجمتموه وركنتم بندقيته على الرف في الضفة، فها قد أثبتت غزة بأبنائها وصمودهم وبرغم حصارهم وجوعهم وعطشهم بأنهم كانوا أقوى من كل ترسانة الكيان الصهيوني الوحشية ، فلقد جرب العدو بهم صواريخ طائراته لسبعة أيام بلياليها فما استطاع إسكات صواريخ المقاومة الفلسطينية محلية الصنع!!، ولقد جرب العدو الصهيوني الحرب النفسية بإلقائة مئات آلاف من مناشير تدعو أبناء غزة لمغادرة دورهم والتخلي عن المقاومة متناسياً أن أبناء المقاومة ما هم إلا أبناء غزة الغيارى وليسوا بدخلاء عليها ، فهل يتخلى الأب عن ابنه وهل تتخلى الأخت عن أخيها والمرأة عن زوجها وابنها وابن عمها!!؟.
لقد سجل أبناء غزة بصمودهم وثباتهم والتفافهم حول آخر معاقل للمقاومة الفلسطينية أروع ملاحم الصمود والجهاد والصبر والجلد والتحمل، سيذكر التاريخ لأبناء غزة بصمودهم البطولي أنهم قد سجلوا معجزة قل نظيرها حيث خاضوا أول حرب تمت في عصرنا الحديث حين كانوا محاصرين جائعين عطاشاً قد جردوا من مستلزمات المعيشة فكانوا أشبه بالمعتقلين خلف القضبان !!!.
كلمة أخيرة لرئيس السلطة الفلسطينية … لا عذر لديك بعد اليوم بعدما كشفته ملاحم غزة البطولية، وتذكر ما قاله اسحاق رابين يوماً بحق غزة وشعبها حين قال عن أبناء شعبك في غزة : وددت لو أصحو يوماً وأجد البحر قد إبتلع غزة ، فسارع ومن بمعيتك لتصحيح ما اقترفتم بحق أبناء غزة … فالزمن والتاريخ لن يرحم أحداً!!!.
سماك العبوشي