في تعليقها على الأحداث الجارية في غزة قالت صحيفة “نيويورك تايمز” : انه بينما كانت الدبابات والجنود الاسرائيليون يتوجهون صوب الحدود مع غزة أمس السبت في المرحلة التالية من محاولتها الضارية لإنهاء هجمات حماس الصاروخية فان ثمة سؤال يدور حول العملية : هل يمكن إيقاف الصواريخ حقا لأي مساحة من الوقت بينما لا تزال حماس في السلطة ؟.
وإذا كانت الإجابة بـ” لا” إذن فإن الهدف الحقيقي للعملية يكون هو محو حماس كلية مهما كان الثمن.
وبعد زيارتها لباريس الخميس الماضي كي تشرح للسلطات الفرنسية سبب اعتقادها بان الوقت لم يحن بعد لوقف إطلاق نار سريع قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ” ما من شك انه طالما أن حماس تسيطر على غزة فان هذا يمثل مشكلة بالنسبة لإسرائيل وللفلسطينيين وللمنطقة برمتها”.
بل وذهب نائب رئيس الوزراء حاييم رامون إلى مدي أبعد – على حد قول الصحيفة- وقال في مقابلة مساء الجمعة الماضي مع التليفزيون الإسرائيلي إن على إسرائيل ألا تنهي هذه العملية وحماس لا تزال تهيمن على مقاليد الأمور في غزة.
وقال رامون في قناة التليفزيون الأولى ” اعتقد أننا بحاجة إلى أن نصل إلى وضع لا نسمح فيه لحماس بأن تحكم . هذا هو الشئ الأكثر أهمية”.
واستطردت النيويورك تايمز تقول انه لا رئيس الوزراء ايهود اولمرت ولا وزير الدفاع ايهود باراك قد أدليا بتصريح مثل هذا . لكن مع ذلك يظل ثمة قلق متزايد ومشترك بين قادة إسرائيل بان أي سماح لحماس بالفكاك سيمثل مشكلة بالنسبة لأهداف إسرائيل الأوسع على المدى البعيد لان من شأنه دعم وإضفاء الشرعية على الجماعة التي تقول انه يجب تدمير إسرائيل.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن صحيفة هاآرتس يوم الجمعة الماضي قولها” إذا انتهت الحرب بالتعادل- كما هو متوقع- وأحجمت إسرائيل عن احتلال قطاع غزة، فان حماس ستكتسب الاعتراف الدبلوماسي.كما ستكتسب الشرعية أيا كان المسمى الذي سيطلق على هذه الشرعية “.
وفضلا عن ذلك فان أي اتفاق محتمل بهدنة ربما سيشمل زيادة في حركة المرور التجاري من إسرائيل ومصر إلى غزة وهو مطلب حماس المركزي : إنهاء المقاطعة الاقتصادية وإغلاق الحدود الذي تواجهه. ويقول قادة إسرائيل إن بناء اقتصاد غزة تحت قيادة حماس سيعني بناء حماس . بيد أن وقف حركة التجارة سيعني الاستمرار في ترك سكان غزة وعددهم 1.5 مليونا في حالة يأس.
لكن كلام صحيفة هاآرتس يعني ضمنا أن الطريق الوحيد لمنع حماس من نيل الشرعية هو قيام إسرائيل باحتلال غزة بشكل كامل بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف على سحب جنودها وإزالة مستوطناتها منها . وهذا احتمال ما من احد داخل إسرائيل أو خارجها يؤيده .
وقالت نيويورك تايمز انه فضلا عن ذلك فانه على الرغم من أن الحديث عن اقتلاع حماس من السلطة قد يبدو قاطعا فان من أحد تقريبا على دراية بالأحوال السياسية في غزة أو الأحوال السياسية الفلسطينية يعتبر هذا أمرا واقعيا.فقد فازت حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية التي جرت قبل أربع سنوات كما أن للجماعة ما يتراوح بين 15 ألفا إلى 20 ألف رجل تحت السلاح. وقد رسخت من أركان حكمها على مدى الشهور الـ 18 منذ قيامها بطرد منافسيها ذوى التوجهات الغربية أنصار حركة فتح التابعين للرئيس محمود عباس الموجود في رام الله بالضفة الغربية.
وتقول الصحيفة أنه في حين أن عددا كبيرا من مواطني غزة يفضلون فتح فانه يعوزهم التنظيم كما تعوزهم القوة الكافية ليصبحوا الحكام الجدد حتى بمساعدة زملائهم السابقين في المنفي في رام الله الذين يقولون على أية حال أنهم لا يرغبون مطلقا في دخول غزة على متن دبابات إسرائيلية. وفي الواقع فانه كلما اشتد القصف الاسرائيلي لغزة وطال أمده كلما ازدادت فتح ضعفا على الأرجح لأنه سينظر إليها بوصفها متعاونة مع إسرائيل.
والنتيجة المرجحة لتدمير البنية الأساسية لحماس إذن هي الفوضى واللعنة ليس فقط على سكان غزة بل أيضا على أولئك الذين يطمحون للعي
ش في سلام وبلا خوف في جنوب إسرائيل.
ش في سلام وبلا خوف في جنوب إسرائيل.
وقالت الصحيفة إن إسرائيل في حملتها حتى الآن التي قتلت خلالها عشرات الأطفال وغيرهم ممن تصادف مرورهم في أماكن القصف فإنها لم تقصر أهدافها على الانقضاض على سيادة حماس أو الاكتفاء بالأهداف العسكرية التابعة لها. وهي تقول إن المساجد التي دمرتها هي مخازن للسلاح وان الجامعة الإسلامية التي ضربتها مرارا وتكرارا إنما تضم مصانع لصناعة المتفجرات. لكنها سوت أيضا عددا كبيرا من المباني الحكومية بالأرض دون أي زعم بأنها ذات طبيعة عسكرية.
وقال متحدث عسكري اسرائيلي ” إن المباني الحكومية هي أماكن للموارد المالية واللوجستية والبشرية التي تسهم في دعم الإرهاب. وغالبية الحكومة مشاركة في الدعم الفعال والتخطيط للإرهاب”.
ومضت الصحيفة إلى القول إن وضع الأمور إلى جوار بعضها البعض يوحي بأنه حتى إذا كانت إسرائيل تعتزم الإحجام عن الإطاحة بحماس بشكل كامل فان أساليب الهجوم التي اختارتها يمكن أن تقود إلى هذا السبيل على أية حال. أن اسرئيل ربما كانت بصدد مواجهة نوع من المهام المراوغة: فعلى أية حال إذا ما تعرض حجم ضخم من البنية الأساسية لحماس للدمار فان إمكانية حكم غزة وهي منطقة ذات كثافة سكانية عالية تعج باللاجئين تعرض اقتصادها للدمار بفعل مقاطعة قادتها إسرائيل سيكون من أشق ما يمكن.
وعلى الخلفية أيضا – بحسب الصحيفة – فان ثمة انتقاد دولى واسع لهذه الحرب في غزة ليس فقط بسبب المعاناة التي لا توصف والتي تنقلها شاشات التليفزيون لكن أيضا بسبب الشعور بان إسرائيل جربت مثل هذه الأساليب من قبل ولم تنجح مطلقا.
ويشير كثيرون على نحو الخصوص إلى حرب 2006 ضد حزب الله في لبنان حيث حاولت إسرائيل أيضا تدمير راجمات الصواريخ والبنية الأساسية للمنظمة المعادية لها فقط لكي ينتهي الأمر بقتل أعداد كبيرة من المدنيين وزيادة شعبية حزب الله الذي ربما صار أقوى مما كان قبل الحرب.
لكن المخططين العسكريين- بحسب الصحيفة- يقولون هنا إن المقارنة غير دقيقة وأنهم استوعبوا الدرس أيضا. فغزة أصغر وأرضها أكثر استواء من جنوب لبنان والاهم من ذلك أن لا حدود يمكن التسلل منها واليها مع بلد مثل سوريا حيث يمكن إعادة التزود بالسلاح بشكل مستمر . ويقولون إن تدمير أنفاق تهريب السلاح من سيناء المصرية أي غزة وإزالة مخازن الذخيرة ومواقع إطلاق الصواريخ أولا بأول إلى جانب مرافق البنية الأساسية الداعمة سينجح في خاتمة المطاف.
وتقول النيويورك تايمز أنهم يؤكدون أن الأمر قد يتطلب أسابيعا أو أشهر لكنه سينجح. . وإذا كان هذا صحيحا فانه تظل مع ذلك أسئلة : بأي تكلفة بشرية؟ ومن سيتولى المسئولية عندما ينتهي كل شئ؟.