الراشد والحميد : قليلاً من الحياء من فضلكما!
بقلم : زياد ابوشاويش
لم أكن أتابع سابقاً ما تكتبان إلا لماماً حيث كنت أعرف مسبقاً موقفكما السياسي وتوجهاتكما، ولأي غرض وجهة تكتبون، كما أنني كغيري من الكتاب العرب أعرف خلفية وهدف ما تبثه قناة “العربية” وأي ثقافة ورأي تعممه في منطقتنا ولأي مشروع تروج بما في ذلك انتقادات الناس للتعابير والمصطلحات التي تستخدمها القناة التي يشرف عليها عبد الرحمن الراشد.
أما السيد طارق الحميد فلا أعرف من هو ومن أي جنسية لأنني لم يسبق أن رأيت إسمه في أي محفل ثقافي وهو اليوم يتصدر الانتقادات ليس لجودة ما يكتب بل لرداءته، ليس اللغوية فقط بل في الجوهر والمضمون والمعنى. وقد اطلعت على مقالين للسيدين المذكورين بعنوان “غزة بين الجزار والتجار” للحميد، و”العرب “اللي اختشوا ماتوا” للراشد، وأعتقد عن يقين أن المثل الوارد في عنوان الراشد ينطبق عليه وعلى صنوه الحميد بالذات.
ليس شجاعاً ولا فريد عصره من يكتب كلاماً شاذاً للفت انتباه القراء (كما يفعل المبتدئون عادة في الصحف الالكترونية) خصوصاً حين يتناول شأناً كالعدوان الوحشي على قطاع غزة.
وليس شجاعاً ولا متزناً من يستغل ظرف المعاناة ليشمت بالناس أو ليصطف مع العدو ضد من يكره أو لا يتفق معه سياسياً أو حتى أيديولوجياً من بني قومه تحت دعاوى الحرص على الدم الفلسطيني، لأن من يريد ذلك عليه أن ينتبه لما يجيب به شعبنا في غزة على قسوة القصف ودمويته، حيث لم نسمع كلمة لوم واحدة منه للمقاومة على تصديها للعدوان أو التسبب في قتل أبنائه على حد زعم الحميد والراشد، كما أن الناس تعرف أن ملاحظات ما قبل الغزوة الصهيونية الراهنة لا تصلح للطرح والجدال الوطني والقومي أثناء العدوان والقتل والدمار.
كان على الأخوين المذكورين توخي الحذر والنزاهة الوطنية والأخلاقية حين يكتبون ويعلقون على ما يجري في قطاع غزة ذلك أن كل ذي عقل ووجدان يعلم أن ما يقع هو أمر مبيت ومدروس قبل الصواريخ وبعدها رغم ملاحظاتنا على قصة الصواريخ، كما أن الجميع بات يدرك حجم التآمر والمشاركة والمساعدة التي يقدمها أصدقاء أمريكا للعدوان على أمل إغلاق كل بوابات المقاومة لاعتراض المشروع الأمريكي في المنطقة والذي يؤسس له تحديد خيار وحيد أمام الأمة إسمه المفاوضات والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وإذا كنتما من المؤمنين بالرأي العام والديمقراطية حقيقة عليكما أن تسألا جماهير أمتكم وشعبكم عما نقول ونستنتج لتريا إن كان ما نقوله صحيحاً أم لا، وهذا دون تدخل إيران وتحريضها كما تزعمون لأن الأغلبية من الشعب العربي وطلائعه المثقفة لا يتقبلون التدخل الإيراني في شؤوننا الداخلية ولا يوافقون على دورها في العراق كما احتلالها للجزر الثلاث في الخليج العربي، وفي نفس الوقت لا يتفقون مع ما تطرحه دول الاعتدال أو ” اللي اختشوا” على حد تعبير الراشد في مقاله، أو يوافقون على كل العلاقة المشبوهة والتبعية من هؤلاء للولايات المتحدة الأمريكية.
يقول الكاتب طارق الحميد في مقاله الأخير : “ محزن ما يحدث من قتل وحشي في غزة. ومحزن أن غزة تغدر مرتين، الأولى بوحشية إسرائيلية، والثانية من دول تستغل القضية الفلسطينية وحماس لتحقيق مآرب لها في منطقتنا، ومن إعلام مضلل“.
ونحن نوافق على قصة غدر غزة مع تساؤل أكثر مشروعية من تلك التي فرضها في المقال لتبرير العدوان والغدر الثنائي وهذا السؤال يقول ببساطة : من أين أتى الغدر ومن هم أصحابه؟
لن أجيب طارق الحميد بل عليه أن يسأل أي مواطن عربي أو حتى طفل عربي فربما يستوعب الأخ المذكور ما نتحدث عنه. لقد انتقدنا حماس سابقاً على استيلائها على غزة ولا نوافق على معظم تكتيكاتها فيما يخص معالجة الشأن والخلاف الفلسطيني الداخلي، لكن هذا شيء والهجوم اليوم عليها وهي في موقف الدفاع عن قضية المقاومة وعن نفسها شيء آخر، إلا إذا اعتقد الحميد وصاحبه الراشد أن حماس من كوكب آخر أو أنها لا تمثل نسبة كبيرة من شعبنا الفلسطيني أو تحظى بتأييد نسبة من الشارع العربي والإسلامي لا يحظى بها زعماء وحكومات الاعتدال التي تضربون أمثالكم بحكمتها وحرصها على المصلحة العربية العامة. وهل الغدر في دعم المقاومة بالسلاح والمال والإعلام كما يفعل أهل العزم أم إغلاق المعبر وتعطيل انعقاد القمة والتلطي خلف العجز الذي يستحون منه على حد تعبير الراشد؟.
أما الإعلام المضلل وكذلك المضلل (بكسر اللام الأولى) فهو بالضبط ما نجد نموذجه الأوفى والأكمل في مقال الكاتبين “العربيين” المذكورين وفي قناة “العربية” بإشراف الراشد.
أما الجملة الأخيرة في مقال الحميد والمنقولة عن السيد الفيصل وزير خارجية السعودية فقد كان الأفضل للحميد وللفيصل عدم ذكرها لأنها تدينهما وللإيضاح نوردها نصاً : إن المغامرات “ أصبحت نكبة على العالم العربي في الاستعجال في دخول معارك لم يستعد لها، وأوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه من رعب ومن الخسائر التي أضعفت دولنا“. فهل عدوان العدو على غزة كان بسبب المغامرات الفلسطينية ؟ وهل النكبة إلا علاقة الخضوع لأمريكا ومشاريعها في المنطقة مع أقلام مضللة (بكسر اللام) تغطي هذا الخضوع وتبرره من نوع الراشد والحميد. الحديث يطول في الرد على المقالين ولكن سأنهي بالراشد. يقول الكاتب عبد الرحمن الراشد نصاً “ هذا بالنسبة لأهل غزة، أما خارجها فينقسم العرب العراة إلى فريقين. عراة يخجلون من عجزهم يريدون وقف القتل لذا صاروا هدفا للشتم والتشهير. يعترفون بحقيقة عجزهم، لذا يستجدون حماس أن تقبل بالتهدئة لان القتل من جانب واحد.“. سنسلم مع الراشد بالقسمة التي افترضها بين العرب كما سنوافق على التشخيص رغم خلله الفاضح لنصل إلى جوهر ما وصفنا به أقلام التضليل فنسأل هل حقاً أن هذا العدوان الهمجي وكل هذه الغارات وما نتج عنها كانت تستهدف حماس؟ ولماذا يصر الراشد وقناته على ترديد ما تقوله الإذاعة الصهيونية من أن الحرب هي بين اسرائيل وحماس؟ هذا من جانب، ومن الجانب الآخر هل نحن من يرفض التهدئة ووقف العدوان؟ لأن ما يجري في الواقع ليس معركة نحتاج أن نوقفها بل هناك عدوان وحشي على شعبنا في غزة، كل شعبنا وليس حماس فقط، والمستهدف نحن جميعاً وليست حماس فقط. ثم أخيراً لماذا تستجدون حماس ولا تفعلون ذلك مع من قدمتم لهم عراقنا العربي على طبق من فضة ؟ أرجوكم قليل من الحياء وحقاًً ” اللي اختشوا ماتوا ” .
زياد ابوشاويش
3 / 1 / 2009