عبد العزيز كحيل
البداية من القاهرة التي انتقلت من رمز لوحدة العرب وعزّتهم إلى خادم نشط للمشروع المعادي لكل ما هو عربي ومسلم، تخدمه بكل جدّ وترفض أي نقد وتصمّ أذنها عن كل استغاثة واستنجاد. فهي ليست عاصمة المصريين إنما هي مدينة التطبيع مع اليهود رغم أنف المصريين الأباة وعاصمة التآمر على غزّة وفلسطين، إذا رفع فراعنتها الجدد أصواتهم فبالتهديد ضدّ…الفلسطينيين بتكسير عضامهم، وإذا تحرّكوا شرقاً وغرباً فمن أجل تحرير “الشرق الأوسط الكبير” من الأصوات النّشاز مثل حماس وجماعة الإخوان ونحوهما واستعجال تحقّق النبوات الأمريكية بعهد الحرية والديمقراطية بالمقاسات المعروفة وقيام إسرائيل الكبرى الذي يجلب للمنطقة الاستقرار والازدهار. لذلك تبارك القاهرة الرسمية المجازر الصهيونية في غزّة وتحمل مسؤوليتها للضحية وتلتمس الأعذار للجلاد الدموي ولا تسمح حتّى بالمسيرات التضامنية. وقد تفضّلت أخيراً بفتح معبر رفح لكن للموتى، أما الأحياء فلينتظروا دورهم في غزّة المدمّرة وسيغادرونها إن وافاهم الحظّ في سيارات الإسعاف لتستجوبهم المخابرات ” الشقيقة “وتعذّبهم كما فعلت في الماضي.
وا أسفي على إخوتي في مصر، كم يعانون من هذا النظام المستبدّ الجائر المتآمر الّذي ارتمى كليةً في أحضان أعداء الأمة تسنده جحافل من المرتزقة في مجالات الإعلام والثقافة وتؤيده في باطله وتدعو له بطول العمر لأنه يغدق عليها من خزائن الدولة ويطلق لها العنان تفسد فكريا وأخلاقيا وتحارب خصومه وتستضعف شعبه وتسوق خياراته الانهزامية.
وبالمناسبة أين شيخ الأزهر؟ هل علم ما يحدث لغزّة أم أنه مازال في معزل عن أحداثها كما عهدناه؟ وهل علّق صورته مع المجرم بيريز على جدران غرفة نومه يتسلّى بها نكاية في منتقديه؟ هل سمعتم له صوتا في هذه الأيام الدامية العصيبة؟ هل أصابته القاهرة الرسمية بوبائها؟
انحرفت القاهرة فأصاب العرب والمسلمين ثلم كبير.
وانظروا إلى عمّان كيف تتّبع سياسة تواطئية انبطاحية وتحرس _مثل القاهرة_ حدود “الدولة العبرية” وتفتخر بصرامتها مع من يحاول الإساءة إلى الصّهاينة وتعتقل قادة حماس وتبعد آخرين عن أراضيها وتسجن نواب برلمانها إذا صدعوا بكلمة حق في وجه السلطان الجائر ولا تعير اهتماماً لموقف الشعب الأردني الرافض _في معظمه_ لسياستها، وأنّى لعمّان أن تستند إلى شعبها فإن اعتمادها على أمريكا واليهود ليضمنوا لها “الاستقرار ” مقابل تحويل الأردن إلى ماخور كبير يرتاده الصهاينة وأعداء الفضيلة، وليتظاهر بعد ذلك الإخوان المسلمون وليعتصموا كما شاؤوا فإن ديمقراطية عمّان تغضّ الطرف عن ذلك مادام لا يغير من الأمر شيئا.
أمّا الرياض فاسم على غير مسمى، فخدمتها للحرمين الشريفين لا تمنعها أن تكون قاعدة متقدّمة لخذلان العرب والمسلمين وتنفيذ المخطّط الأمريكي الصهيوني الذي تحاول حماس المارقة عرقلته مستقوية بالجماهير “المغفّلة” التي نسيت أنّ هناك من يفكّر نيابة عنها ويعرف ما يصلح لها، وإذا لزم الأمر فهناك “العلماء ” الّذين يدعون إلى طاعة الحاكم أكثر من دعوتهم إلى طاعة الله ورسوله، وقد تقدّموا الصفَّ الرسميَّ وأفتوا بعدم جواز المظاهرات والمسيرات وكل أنواع الاحتجاج السلمي لأن كل ذلك بدعة منكرة لم يعهدها السلف الصالح !!! لكن أخبار المجازر في غزّة حرّكت المفتي فأجاز للأئمّة أن يدعوا للفلسطينيين عقب الصّلوات بل أمرهم بذلك، فهذا واجب الأخوّة الإسلامية ! واستراح بعد ذلك سماحة المفتي، فهو بطبيعة الحال سعودي وليس فلسطينياً، ورضا صاحب الجلالة أولى من رضا “المنطرفين” في غزّة، وما أبعد مكّة والمدينة… من حيث الزمان.
وفي الرباط بحثنا عن رئيس لجنة القدس لكن “أمير المؤمنين” لا يمكن أن يغامر بصداقته العتيدة المتوارثة مع كبار قادة اليهود، فهم _كما يصرّح هو وهم_ أصدقاؤه الأعزّاء، ثم إن غزّة بعيدة عنه وإمارتها “الظلامية” تزعجه، واكتفت الرباط بالبيانات الخجولة وفضّلت الاختفاء بحفلات الزّواج المثلي التي تجاسرت على “التقاليد البالية” بإقامتها رغم الأصوليين الملتزمين أي رغم الشعب المغربي كلّه كما أنها منشغلة بالمهرجان العالمي لتذوق الخمور الذي تحتضنه لإثبات تنورها وتحررها !!!ألا ما أبعد زمن المرابطين والموحّدين وبطولاتهم في الذود عن الدين والعرض والجوار، عندما ذهبوا سقطت الأندلس وهاهي فلسطين تلحق بها… والرباط لم يعد بها رباط.
وماذا أقول عن الدّوحة وجاراتها؟ لا لا… إنّها أرسلت مساعدات طبية إلى غزّة وتترجّى إسرائيل أن تسمح بإدخالها ،فالقواعد الأمريكية الموجودة هناك لا تسمح بأكثر من هذا…وليصرخ العلامة القرضاوي ما شاء
وماذا أقول عن الجزائر التي كانت “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” فإذا بها لا تسمح بالمظاهرات في شوارعها، ومن أراد أن يصرح بملء فيه فعليه بقاعة صغيرة مغلقة.
وكأني أرى تونس “الخضراء” تفرك يديها فرحاً وتشكر إسرائيل على القضاء على هذه البؤرة الفاسدة التي تعطي للعرب والمسلمين أفكاراً ظلامية رجعية (مثل الالتزام بأحكام الدين) وسلوكات مخزية (مثل الحجاب _ذلك الزي الطائفي الممقوت_ واللحية والعمل السياسي) ولتحيا السياحة والأخوة مع اليهود المتحضّرين المسالمين، ولِمَ لا تشكر تونس الرسمية إسرائيل وهي تخوض حرباً بالنيابة عنها حتّى لا يتجرّأ تونسي على الاقتداء بالنّموذج السيئ الّذي تمثّله حماس.
وماذا عن طرابلس والخرطوم وصنعاء؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ! أمّا نواقشط فستطيع إنشاء قصائد حماسية في نصرة غزّة لكن العسكر يحرس سفارة الصّهاينة كما يحرس العلاقات المتميزة مع اليهود الأصدقاء ولا يقبا بقطعها لأن بقاءها ” يخدم القضية الفلسطينية “
ودمشق؟ إنها تبدو صامدة لاعتبارات تكتيكية معروفة، لكنّنا لا ننسى أنّه من المفروض أن تحكم بالإعدام على خالد مشعل ومحمد نزال وموسى أبو مرزوق وغيرهم فهم من الإخوان المسلمين الّذين يتعرّضون لتلك العقوبة لمجرّد انتسابهم للجماعة ولو لم يقترفوا أي جرم… لكن الحمد لله الّذي ينصر هذا الدّين بالرجل الفاجر.
ولن أغلق على بغداد… أليست هي الولاية الأمريكية رقم 51؟ لكن قد تصبح النموذج الأمثل للعرب للتحرر من العواصم التي يعشش فيها الاستبداد والخيانة
ونختم بالعاصمة الأكثر غرابة…رام الله…إنها ببساطة لا تريد التميز عن شقيقاتها العربية الرسمية فهي أكثرها ترحيبا بالهجوم على غزة وحماس لتبقى الجامعة العربية متجانسة تعيش في سلام على بركات أمريكا والصهاينة…ولتذهب الشعوب إلى الجحيم…فتبا لهذه العواصم فهي سبب بلايانا
عبد العزيز كحيل