قالت صحيفة الجارديان فى افتتاحيتها اليوم الأحد، إنه عقب مرور ثمانية أيام على القصف الجوى الإسرائيلى لغزة، دخلت القوات العسكرية أرض القطاع. وتهدف إسرائيل بهذه العملية البرية توجيه ضربة قاضية للحركة الإسلامية حماس، ولكنها لا تعلم أنها لن تحقق شيئا على الصعيدين السياسى والعسكرى ، بل ستخرج خالية الوفاض من هذا العدوان الغاشم، الذى حصد حتى الآن أرواح أكثر من 450 فلسطينياً، وما يقرب من ستة إسرائيليين، ومن المرجح أن هذا العدد سيزداد فى غضون الأيام القليلة القادمة.
خلال الأيام الثمانية الماضية، دمرت الصواريخ الإسرائيلية الأنفاق التى يعتمد عليها مسلحى حماس، وكذلك دمرت بلا رحمة مراكز الشرطة والمنازل، والمساجد ومنشآت تابعة للحكومة. وأيضاً استهدفت إسرائيل زعماء حماس، وقامت بقتلهم هم وأسرهم فى عقر دارهم. لكن الأمر الذى تتغاضى عن معرفته إسرائيل وترفض الاعتراف به هو أنها تسببت فى خلق حالة من الرعب والفزع والبؤس لسكان القطاع، هذا القطاع الذى عانى قبل هذا الجحيم، شهورا طويلة من تداعيات الحصار الاقتصادى الذى فرضته إسرائيل. والآن بعد دخول القوات الإسرائيلية حدود غزة، من المتوقع أن تسوء الأوضاع وتتصاعد حالة الهلع والبؤس.
هذه الاعتداءات الوحشية ربما تجعل حماس تتوقف عن إطلاق صواريخها على عسقلان وسديروت. ولكن فى المقابل لن تقف حماس مكتوفة الأيدى، بل ستقوم بقتل وخطف الجنود الإسرائيليين، ليبقى فلسطينيو غزة أكبر الخاسرين، ولكن ما يدعو للمفارقة، هو أن إسرائيل أيضاً ربما تندم على اتخاذ هذه الخطوة بالاجتياح البرى لغزة.
فعلى الرغم من أن قدرات حماس الهجومية قد تعرضت لأضرار بالغة، إلا أنها أغلب الظن ستتمكن من إعادة بناء قوتها العسكرية بصورة سريعة، مثلما فعل حزب الله بعد حرب لبنان عام 2006. فالحقيقة هى أن اغتيالات إسرائيل المتتالية على مر السنين لزعماء حماس، وغاراتها التى لا تنتهى على مقرات أسلحتها، لم تمنع تزايد قوتها.
إسرائيل قدمت لحماس فرصة على طبق من ذهب، فمن المرجح أن تقوم حماس بخطف رهائن من الجيش الإسرائيلى لتستخدمهم فى المقاومة ضد إسرائيل. وستواجه إسرائيل خطرا حقيقيا إذا استمرت فى انتهاجها هذه الاستراتيجية، لأنها ستضر فى نهاية المطاف بمكانتها الدولية طويلة المدى. فمنذ تولى جوردن براون مقاليد منصبه كرئيسا للحكومة البريطانية، شهدت اللهجة البريطانية مع إسرائيل تحولا ملحوظا، ومع شروع إسرائيل فى الهجوم البرى، ستزداد حدة اللهجة مع إسرائيل وسيتشدد الرأى العام البريطانى.
أما عن الرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما، فمن المؤكد أنه ليس سعيدا ولا راضيا بمعالجة أزمة سياسة خارجية متفجرة فى أيامه الأولى من توليه الحكم، وذلك لأنه يجب عليه معالجة القضايا المحتدمة فى بلاده أولا.
ذهبت الصحيفة إلى أن الحل الأمثل هو انسحاب إسرائيل الفورى من غزة، وبذل الدول العربية مزيدا من الجهود الحثيثة لإقناع حماس بوقف إطلاق الصواريخ والالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار بين الطرفين. وبدلا من أن تهاجم إسرائيل وتعرض مواطنيها للخطر، يجب أن ترفع إسرائيل الحصار عن القطاع، فهذا الحصار لم ينتج عنه سوى تعزيز قوة الحركة الإسلامية.
ولكن بالنظر إلى أرض الواقع، نجد أن إسرائيل قد قامت بالفعل بإرسال القوات العسكرية وعادت إلى انتهاج إستراتيجيات الماضى التى باءت بالفشل لتفسح المجال لوقوع مأساة أكبر وأعمق من أى وقت مضى.