ربما يكون قادة أنظمتنا العربية قد سمعوا عن القول المأثور ( عذر أقبح من ذنب ) فكان أن أشار عليهم مستشاروهم أن يجربوا حظهم ( العاثر !!) في تبرير وتسويغ مذبحة العدو ومجزرته التي يقترفها بحق أبناء غزة محاكاة وتشبهاً بما فعله الشاعر أبو نؤاس حين طلب منه الخليفة هارون الرشيد يوماً بأن يطبق ذاك القول على أرض الواقع ، فتناسى قادتنا الأكارم أن ذاك الرهان قد كاد أن يطيح برأس الشاعر أبي نؤاس لولا لطف الله العزيز القدير وذاك الرهان الذي كان بينه وبين الخليفة هارون الرشيد!!!.
( عذر أقبح من ذنب )… ذاك مثل قد دخل التاريخ العربي والإسلامي لمرتين اثنتين ومن أوسع أبوابه ، المرة الأولى تمثل بحـَدَث ما كنا قد رأيناه ولا عشناه لكننا قد سمعنا عنه وقرأناه في كتبنا والذي كان قد جرى بين الخليفة الرشيد وشاعره أبي نؤاس فراح مثلاً يضرب بين الحين والحين دلالة على قبح ذنـْب قد أتبع بعذر وتبرير وتسويغ أقبح من الذنب نفسه، أما المرة الثانية فها نحن اليوم نعيش أحداثه وتداعياته حين حاول قادة أنظمتنا وأولو أمرنا أن يبرروا فعلتهم النكراء بتواطئهم مع العدو في تشديد الحصار الذي فرضه على أبناء جلدتهم في غزة أولاً … ومن ثم في تبرير وتسويغ عدم اتخاذ موقف سريع وحازم حيال المجزرة التي أقدم عليها ذاك العدو والتي سقط جراءها ( حتى ساعة كتابة مقالنا هذا ) مئات من الشهداء وما زاد بنيف عن ألفين من الجرحى ثانياً!!!.
( عذر ) كان قد ساقه أبو نؤاس للرشيد مبرراً ذنـْبَ فعلته ( القبيحة ) تلك والتي جاءت استجابة ونزولاً لرهان واتفاق عقد بينهما فكوفئ أبو نؤاس لسعة حيلته ومكره، فيما كانت ( أعذار ) قادتنا وأولي أمرنا قد اتسعت آفاقها وفاحت روائحها فأزكمت أنوفنا وجلبت لنا الويل والثبور والاشمئزاز والتي جاءت جميعها تبريراً لتواطؤ كان يهدف أساساً إلى استمرار مسلسل تركيع شعبنا في فلسطين واجتثاث الفعل المقاوم منه… فكان بما فعله قادة أنظمتنا أن زاد وصف لهم بالمثل الآخر القائل ( إن لم تستح فاصنع ما شئت)!!!.
و( أعذار ) قادة أمتنا وأولي أمرنا ما كانت إلا فعلاً شنيعاً وعاراً ساطعاً وتبريراً فاضحاً تمثل بفعلين اثنين ، أولهما حينما شاركوا العدو في رهانه لكسر شوكة أبناء شعبنا وتحجيم فعله المقاوم فأغمضوا لذلك أعينهم وسدوا آذانهم وأشاحوا بوجوههم بعيداً عما كان يجري لأبناء غزة من حصار تسبب في تجويعهم وندرة دوائهم من جانب، فيما كان بعض هؤلاء أكثر ( مَـلـَكـيـّة ً) من ( مَـلـَكـيـّة ) الكيان الصهيوني في تشديد الحصار على معبر لا يمت للعدو بصلة لا من قريب ولا من بعيد من جانب آخر!!، وثانيهما حينما تحركت عجلة العدو الحربية إلى محطة أخرى طابعها سفك الدم في غزة، مما اضطر أولو الأمر وقادة أنظمتنا السياسية للدخول في متاهة ( العذر الذي هو أقبح من ذنب ) فجاءت تبريراتهم وتسويغاتهم مضحكة سفيهة لا إقناع فيها في ظل حجم الدمار الذي أصاب القطاع والقتل الذي طال أبناءه!!!.
ما الفرق بين القصف الصهيوني لمدينة غزة وبين الصمت والتبرير العربي الرسمي !!!، لا فرق أراه إذا ما تذكرنا حديث الرسول الأعظم محمد ( ص ) حين عد السكوت عن الحق وعدم نصرته والتدليس على الظلم الذي يمارس بحقه بشيطان أخرس … والشيطان منبع للشر والكره وإيذاء البشر … وهو منبوذ من الله وملعون!!!.
كالعادة في كل خطب جلل يصيب الأمة مقتلاً وتأزماً وتشرذماً فإن الرد العربي الرسمي قد أتى باهتاً ضعيفاً لا يرتقي إلى المستوى الأدنى للحدث، فكلنا قد عاش الحدث بدقائقه حيث ابتدأت مجزرة غزة يوم السبت ثم أعلن أن موعد انعقاد مؤتمر القمة العربية سيكون بعد أسبوع من بدء المجازر الصهيونية بحق أبناء غزة على أن يسبق القمة وكالمعتاد اجتماع طارئ لوزراء خارجية العرب للتمهيد للقمة ، وهنا أتساءل … ولـِمَ هذا التعجل والتسرع في ردة فعلكم أيها القادة وأولو الأمر !؟، أيعقل أنكم قد وضعتم في جدول أعمالكم فترة فاصلة طويلة بين بدء العدوان واستمرار المذبحة وانعقاد القمة رغم استمرار آلة القتل الصهيونية الإعلان الإسرائيلي عن استمرارها، والحقَ أقول أنني كنت أتوقع ذاك منكم لأنني أعي تماماً أن وراء الأكمة ما وراءها!!!.
وجاءنا ( جهينة ) بالخبر اليقين حين ( زف ّ ) إلينا ت
أكيداً جديداً ( بأن العرب ما اتفقوا يوماً إلا على عدم الاتفاق ) ، زفّ إلينا أن ثمة هناك خلافات وتجاذبات سياسية بخصوص عقد القمة ومكان انعقادها ، ثم كان الاتفاق النهائي على عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية العرب في مقر الجامعة لمناقشة مقترحين أحدهما ورقة سورية قطرية تدعو لعقد قمة عربية ( طارئة !!! ) فيما كانت الورقة الثانية مقترحاً مصرياً يدعمه موقف سعودي بعدم عقد القمة والاكتفاء بالورقة المصرية التي تضمنت أربعة بنود هي: “العمل على إنهاء العدوان الإسرائيلي على القطاع، واستعادة التهدئة بين إسرائيل وفصائل المقاومة بغزة، وفتح المعابر بين غزة وإسرائيل، ووضع آلية دولية وعربية لمتابعة تنفيذ ما يتفق عليه”.
ورغم استمرار نزيف الدم الفلسطيني وتساقط الشهداء والجرحى بفعل القصف الجوي الصهيوني واستمرار الحصار على أبناء غزة إلا أن ذلك كله ما كان سبباً وجيهاً لقادة أنظمتنا العربية لإنهاء شقاقاتهم وخلافاتهم ، فاستمرت ( الأعذار ) في تبرير ( ذنب ) تقاعس واختلاف وجهات نظر قادة أنظمتنا تلك … فإذا بمصدر دبلوماسي كان قد أعلن بأن موضوع عقد قمة عربية قد أصبح في ( خبر كان ) بعد اتساع التجاذبات والخلافات والتي كانت سبباً لتحفظ عدد من قادة أنظمتنا العربية على مسألة عقد القمة وإعلانها ( بأعذار ) تبريرية تسويغية أذاعوها ونشروها عبر المحطات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة والتي تمثلت :
- بضرورة الإعداد الجيد لهذه القمة كي تأتي القرارات قوية تناسب الحدث!!.
- مخافة أن ينشغل قادة أنظمتنا في منازعات ونقاشات وتراشقات ومصادمات داخل القمة ذاتها في حالة انعقادها مما يعني ازدياد الشرخ والانقسام!!!.
- أن الجامعة العربية لم تصلها موافقات بعقد القمة إلا من 10 دول فيما يشترط النظام الأساسي لانعقاد القمة الطارئة موافقة ثلثي الدول الأعضاء أي 15 دولة!!!.
فأي ( تبريرات ) أكثر وجاهة قد سيقت هنا كي يتم إرجاء أو إلغاء انعقاد القمة العربية الطارئة!!!، يراد إعداد جيد كي تأتي القرارات قوية فاعلة مؤثرة ( كما جرت العادة دائماً من قبل !!) ، وأي إحساس وأي درجة من المسؤولية تلك التي تجعل قادة أنظمتنا يدخلون في منازعات ومشادات وتراشقات كلام داخل قاعة المؤتمر فيما العدو يكيل الضربات تلو الضربات بحق أبناء غزة!!؟، وما الذي دفع بمن رفض حضور عقد القمة لاتخاذ موقفه ذاك!!؟، وهل كانت القمم العربية السابقة بحجم نكبتنا وآلامنا حتى تحاكي القمة الطارئة سابقاتها!!؟، لا تفسير لما جرى عند ذي اللب والتدبير والتمحيص إلا أنها طبخة كانت قد أعدت مسبقاً من أجل تمييع القرار والموقف كي تتاح الفرصة للعدو الصهيوني بإتمام مهمته التي كان قد ابتدأها والتي تتلخص بتمرير مذبحة المقاومة في غزة!!!، ثم اجتمع وزراء خارجية العرب في القاهرة … فماذا كانت النتيجة!!؟… مزيد من المهاترات والخلافات بين فريقين أدت بالتالي إلى أن تطيح بالدعوة لعقد مؤتمر قمة عربية طارئة كان من المعول عليه الخروج بقرارات تتصدى لما يجري في غزة من مذابح!!، واستعيض عن ذلك كله بالتوجه نحو مجلس الأمن الدولي في محاولة منهم لإصدار قرار ( ملزم !!! ) يحمل الكيان الصهيوني على وقف اعتداءاته وقصفه أولاً و لرفع الحصار عن المعابر ثانياً فيما استمر معبر رفح مغلقاً إلا لأغراض نقل بعض الجرحى!!!، فجاء قرار مجلس الأمن مباركة لما تقوم به “إسرائيل” ، فكنا تماماً كمن ينطبق عليه المثل العراقي الشهير( ضاع الخيط والعصفور ) ، أي لا أمسكنا بالعصفور ولا بقي الخيط الذي كنا نمسكه به ، فلقد هرب العصفور بخيطه ، وهكذا كان المشهد ، فلا حضينا بإجماع عربي يوازي مجزرة غزة … ولا حضينا بمؤتمر قمة طارئ … ولا حصلنا على قرار دولي لوقف العدوان … فيما استمرت المجزرة في غزة تجري على قدم وساق … واستمر معبر رفح ( المصري الفلسطيني ) على وضعه من الإغلاق والإئتمار بروموت كونترول صهيوني إلا من فتح ( مؤقت وخجل ) من أجل ذر الرماد في العيون تمثل في إمرار ما يأتي من مساعدات دولية نزيرة قد تكفي ليوم أو بضعة يوم أو لنقل بعض الجرحى والمصابين !!!.
فيا قادة أنظمتنا العربية … ويا أول
ي أمرنا !!!!.
لا أدري إن كان في قاموسكم مفردة كالكرامة والشرف والعزة والإباء!!!.
ولا أدري إن كنتم قد سمعتم بامرأة ( عمورية ) العربية وهي نادت مستصرخة ( واااااااااا معتصماه ) فجند لها الجيوش وقادها بنفسه ودحر الروم واستعاد لها حريتها وكرامتها!!!.
سيلاحقكم مشهد دماء شعبنا وأنتم … في مكاتبكم … بين أهلكم وعوائلكم … في أسرة منامكم … وستلاحقكم لتشهد عليكم يوم الحساب بين يديّ الله!!!.
سيتابعكم مشهد بكاء أطفالنا اليتامى … الجرحى … المروَعين … أينما اتجهتم وأينما وليتم بوجوهكم … ليلاحقكم حتى يوم الحساب فيشهد عليكم بين يدي صاحب العرش المكين!!!.
ستتابعكم صراخات الثكالى من نسائنا … والأرامل … والمفجوعات بأشقائهن … لتزرع الجفلة والرعدة كلما حاولتم إغماض أجفانكم في قيلولة أو عند النوم ثم تلقي الرعب في نفوسكم عندما تشهد عليكم أيديكم وأرجلكم وألسنتكم بما فعلتم بهن!!!.
ستكون لهفة الآباء على رعب أطفالهم … وجوعهم وعطشهم … أجراس إزعاج لكم في كل خلوة لكم … مع أنفسكم أو مع من تحبونهم!!.
قدرنا ونصيبنا في أن تكونوا قادتنا، وما ذاك إلا ابتلاء ومحنة واختبار لنا من الله العزيز القدير!!!.
ولا راد لقضائه سبحانه وتعالى!!!.
اللهم فاجعل ابتلاءنا بقادتنا زيادة في ميزان حسناتنا.
اللهم آمين.
سماك برهان الدين العبوشي