لن أتجرأ هذه المرة على التنديد بالعدو الصهيوني، الذي استباح أعراض الأمة العربية والإسلامية، وفتح ساحات جديدة لتذبيح أهالينا في غزة المحتلة، فهذا العدو لا ينفع معه لا التنديد ولا الشجب، وهو لا يفقه إلا لغة الحرب والقتال، ولن أسمح لنفسي أن أبكي على ما يتعرض له إخواننا المجاهدون الصامدون في قطاع غزة، بل سأسمح لنفسي أن أبكي حال الأمة العربية، التي أخزتها مواقف قادتها وحكامها،وأبكي في الوقت نفسه حال الأمة الإسلامية التي أجبرت على الاكتفاء بدور المتفرج على مشاهد التقتيل الهمجي الصهيوني في حق أطفالنا ونسائنا وشيوخنا في القطاع..
بصراحة لم يفاجئني ما هو حاصل في غزة، ولم تفاجئني مواقف العار لحكامنا العرب، فقد سبق لي أن نشرت يوم 30مارس 2008 مقالا تحت عنوان «لحظة… إنني أسمع ضجيج الحكام العرب» وهذا بمناسبة انعقاد القمة العربية بدمشق بسوريا، وهي القمة التي قاطعها آنذاك العديد من ملوك ورؤساء الدول العربية، فإذاك كنت أسمع الضجيج، وتيقنت أن هؤلاء القادة، قادة «عرب» هذا الزمان، إنما قاطعوا قمة دمشق، لتوهمهم أن ذلك سيكسبهم رضا الأمريكيين والصهاينة، على اعتبار أن سوريا مصنفة أمريكيا في دائرة الشرّ، ولم يؤلمني كما لم يؤلم الأحرار من العرب غياب هؤلاء القادة عن قمة دمشق، ولم نتأثر كثيرا بضجيجهم وتشويشهم على هذه القمة، كما أنه لم يؤثر فينا ضجيجهم إبان حرب تموز على لبنان، لأننا كنا متيقنين بأن المقاومة اللبنانية قادرة لوحدها على إلحاق شرّ هزيمة بالعدو الصهيوني، لكننا اليوم وللأسف الشديد وأمام هول المجزرة الإسرائيلية في غزة، وأمام تزايد الضجيج على شعب أعزل مسلوب من أبسط متطلبات العيش، ومحاصر من كل الجهات، لم نعد نحتمل سماع ضجيج الحكام العرب، فنحن متيقنين اليوم بان هذا الضجيج يراد منه التعتيم على ما يجري من تنسيق بين بعض القادة العرب والصهاينة، من اجل تأجيج العدوان على إخواننا وأشقائنا في غزة، وما دام أن الأمر وصل إلى هذا الحدّ فإنه يتوجب على جميع الأحرار في الوطن العربي أن يخرجوا من دائرة الصمت، لا للتنديد بالعدوان الصهيوني، وإنما للصراخ في وجوه هؤلاء القادة ومطالبتهم بإنهاء حالة الاستعمار التي فرضوها على الشعوب العربية، فعلى الأحرار أن يعملوا وبسرعة على تحرير الشعوب العربية من «قوّادي» الاستعمار الجديد، فتحرير الشعوب كاف لوحده لمجابهة أعتى قوى الشرّ بما فيها الصهاينة، فحرب لبنان أكدت لنا جميعا، أن إرادة الشعوب المقاومة لا يمكن أن تقهر، والأكيد والمؤكد أن شعبنا المقاوم في غزة قادر هو الآخر على إلحاق الهزيمة بالصهاينة، دونما حاجة لمساندة الجيوش العربية، التي شكلت ودربت لقمع شعوبها لا لحمايتها والدفاع عنها.
اليوم يحق لنا جميعا أن نصرخ وبقوة في وجه«القوّادين» العرب، ونقول لهم أوقفوا ضجيجكم على المقاومة في غزة، ودعوها تواجه ولوحدها هذا العدوان الصهيوني الجديد، فهي قادرة على صنع النصر، وقادرة على تعريتكم أمام شعوبكم التي خرجت في كل أنحاء الأمة العربية للتنديد بكم وبتواطئكم
مع العدو الصهيوني، وللاحتفال بالدماء الغزّاوية الطاهرة التي ستطهر أمتنا العربية، من أذناب الاستعمار الجديد الذين نُصّبوا عنوة حكاما علينا، وحكموا علينا، بالرضوخ إلى المذلة والمسكنة، والقبول باستباحة أعراضنا وأرواحنا، ومقدساتنا.
لهؤلاء الأذناب «القوّادين» أؤكد من جديد، بأن الشعوب التي أذلوها، ستذلُهم، وستعصف بعروشهم، ولإخواننا المجاهدين في غزة المقاومة أقول، عن بشائر النصر قد لاحت في الأفق، وإنكم أيها الأحرار، ستطهرون بدمائكم الزكية، ليس فلسطين فحسب بل كامل الأمة العربية والإسلامية.
جمال الدين حبيبي