د . محمد الإدريسي . عسير
بلغت عائلة آل سعود الجاثمة على صدر جزيرتنا العربية قمة الاستبداد والطغيان والفساد و النهب والإسراف والتبذير، ومع ذلك لا نجد لهيئة كبار علماء ((الجهل ))قولا ولا رأيا فيما حدث ويحدث، ومن يتتبع سيرة ومواقف تلك الهيئة المنسوبة للعلم ظلما وعدوانا يجد أنهم لا يتحدثون إلا في شؤون المراحيض وأمور الحيض والنفاس ، والعمل على تحريم كل شيء يتعلق بحقوق المرأة من العمل حتى الحصول على رخصة قيادة ، أما السياسة وشؤونها ومتعلقاتها فهي لآل سعود الحاكمين و المالكين لمقدرات البلاد والعباد وحدهم ولا يحق لأحد من تلك الهيئة الاقتراب من تلك الأمور إلا بما تسمح به أسرة القمع والكذب والتسلط ، وبالقدر الذي يخدم أهواءها وسياساتها ومصالحها الذاتية ، فان تحقق الغرض ، حرّم عليهم ما أبيح لهم بالأمس . وأيما عالم أو شيخ ، يخرج عن هذه القاعدة ، ويتطلع لأن يمارس دوره الحقيقي والطبيعي نحو دينه وأمته ووطنه وأهله ، سرعان ما يعاقب بالطرد من عمله ، وتسلب حقوقه ، ويتعرّض للاستثابة والسجن والاعتقال والتنكيل ، كمجرم أصابته لوثه من الشعور بالإنسانية وصحوة الضمير ، لابد أن يعلن البراء منهما ، ويدخل في الطاعة والولاء من جديد خانعا لآل سعود ، وما أكثر الشيوخ والعلماء في الجزيرة العربية الذين تعرضوا لهذه المعاملة الظالمة ، منهم من قضى ولا يزال جلّ حياته منفيا عن وطنه وأهله ، ومنهم من قضى نحبه مشرّدا مغرّبا عن أهله ووطنه دون جرم يدان به ، سوى أنه رفض السكوت على جرائم تلك الأسرة المستبدة الظالمة .
فإن قيل قد رميت ظلما هيئة كبار العلماء المتخصصة في تسفيه و تغليط علماء أفاضل ، أمثال المرحومان جاد الحق و عبد الحليم محمود شيخا الأزهر الشريف ، وغيرهم من القدماء والمعاصرين ، فما برهانك على ما ترميهم به ، نجيبهم بأن الجميع يعلم أنهم مجرد ديكور ، يحقق النظام الفاسد من خلالهم أغراضه ، فهل يتجرأ كبار العلماء على أن يتوجهوا بالسؤال للمفسدين من عائلة الفساد وأزلامهم عن مصدر هذه المليارات الطائلة التي تهدر على ملذات حيوانية ، وتبنى بها القصور في أوربا وغيرها، وتؤسس بأموالهم القنوات الفضائية المتخصصة في نشر الفساد والرذيلة ، وهل لهم أن يسألوا أين تذهب خيرات الأمّة ، وفى جيوب من توضع عائدات النفط ((خاصة من المنطقة الشرقية التي تستحوذ على أكبر قدر من الحقول النفطية )) وأهلها يشكون الفقر و الجوع والحرمان .
هل يجرؤون أن يناقشوا حقوق المواطن وواجباته ، ماله وما عليه ، وفق ما تقتضيه تعاليم الدين الحنيف ، ثم يطالبون الأمراء والحكام الالتزام بهذه الحقوق والواجبات ، أم انه أيما فساد يأتي من جهة أسرة مجرد وجودها فوق الأرض فساد ، هو فوق المساءلة والمناقشة والحساب ، السؤال عنه بدعة ، وفتنة ، و خلق من أخلاق الخوارج ، فهل هناك برهان أقوى من هذه البراهين الذي تثبت أن هيئة كبار العلماء ومن دخل في سلكهم و طريقتهم ما هم إلا أداة من أدوات الطغيان ، و صوت من أصوات النفاق ، لذلك نجد أن القرآن الكريم قد بين سبيل المجرمين بالتفصيل لكي نحذره ونحذّر منه ((وكذلك نفصل الآيات و لتستبين سبيل المجرمين )) ، فمن لا يعرف سبيل المجرمين يخشى عليه أن يقع في شباكهم ، وهل هناك سبيل للإجرام أكثر وضوحا من سبيل آل سعود ، ولهذا لا يمكن وصف هيئة الجهلاء إلا بأنهم بطانة سوء ، يعينون من هو أسوء منهم على الإثم والعدوان ، ليظل جاثما بظله الثقيل على صدر الأمّة ، التي لن تعود لها الريادة والقيادة إلا بممارسة العلماء دورهم المناط بهم ، وتكون السياسة و شئون السلطة ورعاية البلاد والعباد جزء أساس من اهتماماتهم ودعوتهم ، ومن يدّعى الرغبة في الإصلاح ولا يستجيب لأهل الفكر والعلم لا يكون إلا أفّاقا ، فما بالك بمن يحظر عليهم ممارسة أيّ دور يتعلق بالقيادة وشؤون الحكم ويجرّمهم إن فعلوا ، فهؤلاء كذبوا ، وهم لا يريدون الإصلاح ، مهما زعموا بألسنتهم ، وما يريدونه حقا هو الإفساد في الأرض و استمرار حالة التردّي والتخلف والنهب والظلم ، ويعملون جهدهم حتى تخلو لهم الساحة من كل رقيب و حسيب ، وهذا الوضع يشجع طواغيت الحكم على التمادي في الظلم والطغيان والفساد ، والتآمر على الأمّة و مصالحها، لأنهم أمنوا صمت العارفين اتجاههم واتجاه كل ما يصدر عنهم من ظلم وفساد ، وتأكدوا من عدم التدخل في كل ما يمتّ لهم بصلة ، بل المساهمة في استغلال الناس وتغييب وعيهم ، حيث قد يرسخ في أذهانهم أنه لا يجوز شرعا أن يقتربوا من مساحة السياسة والحكم ، وأن دين الله لا يأذن لهم بذلك ، وأنهم يجب عليهم الصبر على الظلم والظالمين ، خاصة وهم يرون أدعياء العلم ساكتون عنهم ، بل آكلوهم و شاربوهم ، واقرّوهم على أعمالهم وسياساتهم ، وهم يدفعون الناس نحو مصير بائس في الحياة الدنيا ، وموعدهم جهنم في الآخرة بنصّ القرآن ، الذي يجرّم الصبر في مثل هذه الحالات ((إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا إليها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا))
.
.
والأنكى من ذلك أن يفقد شباب الإسلام الثّقة بالعلماء ، إذ كيف يستفتونهم ويرجعون إليهم ، وهم طرف مضاد لكل طموحاتهم ويمثلون دائما وجهة نظر الظالم في الحق والباطل ، و الحقّ دائما أحقّ أن يتّبع.
لذلك وعندما يتوجّه الشباب إلى من لا علم له ولا خبرة ولا دراية ، ويحصل ما لا يرضاه الله ، يكون هؤلاء الأدعياء أحد الأسباب الأساسية فيما يحدث من إزهاق للأرواح ، وترويع للأبرياء ، وإفساد للممتلكات ، لأن العلماء لم يؤدّوا الأمانة ، ورضوا أن يكونوا أبواقا وتبّعا للظالمين .
إن من لديه معرفة فطرية بدين الإسلام ، ومن له مجرد ذوق انسانى سوي ، يعلم تمام العلم أن نظام أسرة آل سعود باطل ، أولا لأنه ملكي وراثي عضوض ، و هذا مخالف للكتاب والسنة ، ثم لأنه نسب الناس لغير آبائهم بنسبتهم قهرا لآل سعود ، وهم ليسوا منهم ، ثم لأنه اغتصب الملك بالسيف ، وأسّس نظامه على جماجم ودماء من كفّرهم من أهل لا اله إلا الله ، وأستباح أرضهم وعرضهم و ممتلكاتهم ، والأخطر والأهم انه نسب لممتلكات أسرته معدومة النسب ، أرض شرفها الله بأن تكون مهدا لخاتم أنبيائه ، وآخر رسالاته ، وموقعا مختارا لأول بيت وضع للناس ، وقبلة المسلمين في صلاتهم ، وبدلا من أن يكون مثابة للناس وأمنا ، يلجا إليه صاحب كل فكر ، وهو آمن على رأيه ونفسه و ماله ، إذ بطغمة الظلم والعدوان من أسرة الاستبداد تحيله إلى بؤرة فساد وإفساد ، تقمع فيها كل فكر ورأى ، وتروّج إلى جاهلية صريحة باسم الإسلام ، وتفرّخ جيوش الإرهاب الذي يروّع الآمنين في العالم أجمع من المسلمين وغيرهم ، لدرجة يمكن معها القول أن تخليص بيت الله ومرقد نبيه عليه الصلاة والسلام من براثن هذه الأسرة الظالم أهلها ، فرض عين ، يسأل عن التقاعس عن أدائه كل مسلم ، يؤمن بأنه مسئول ، وأنه دون شك ملاقى ربه ليسأله عمّا كان يفعل ، وكيف كان يحكم على الأمور ، أم تحسبون أن الله قد خلقكم عبثا .
إن نظام آل سعود باطل ، باطل ، باطل ، ومن لا يريد الاقتناع عليه أن يقرأ القرآن ويفهمه على ضوء سنّة من أوحى له النص وفهمه صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ، ليتأكد أن الحكم الإسلامي لا يكون إلا للأمة ، وأن الشّورى ملزمة كالزّكاة والصّلاة ، ويومها سيعرف الجميع أن بيت الله المعمور ، أسير مغتصب يجب تحريره ، وهذا ما سيحدث إن شاء الله ، آجلا أم عاجلا ، و السؤال بيد من ولمصلحة من ؟..
أما أن يتحرك المسلمون لتحرير مقدساتهم ، أو لا مناص من أن يتحرك غيرهم ، ويوظف أقدس بقعة على وجه الأرض لتحقيق مصالحه ، لأن الخلاص من هذا النظام الجاهلي البغيض ، أصبح مطلبا عالميا ، لن يسكت المجتمع الدّولي عن العمل على تفكيكه وإزالته ، بعد أن بات مجرد وجوده سبّة في تاريخ المسلمين والعرب و كل البشر ، وقد آن الأوان بعد أن وصلت الأمور لمنتهاها ، أن يتحرك العلماء الشرفاء في جزيرة العرب ، لتخليصها من سطوة هذه الأسرة الظالمة الجاهلة العابثة المفسدة ، وواجب علماء الإسلام في جميع أصقاع المعمورة ، أن يبادروا لنصرة أهلهم المغلوبين على أمرهم في ربوع الحرمين الشريفين ، وأقل واجب عليهم أن يقوموا به ليس أقل من إفهام الناس من حولهم انحراف المذهب الوهّابي ، الذي وصف نفسه بالكفر ، لأنه هو الذي كفّر غيره ممن اقرّ لله بالوحدانيّة ولمحمد صلى عليه وسلم بالرسالة ، وان لا يقبلوا فتاواهم ، ولا يقرءوا كتبهم ، التي غيرت الكلام عن مواضعه ، وخرّبت عقول المسلمين ، وحوّلت الدّين العظيم من دين تسامح و سلام إلى إرهاب وضلال ، فمتى يتحرك علماء الإسلام للقيام بواجبهم نحو دينهم وقبلتهم و كتابهم وسنة نبيّهم وعلى رأسهم السادة علماء التصوف وكبار السادة الأشراف ، وفقهاء جميع المذاهب ، والمراجع ، ومن لا يفعل ، عليه أن يتوقف عن الادعاء بأنه يحبّ الله ورسوله وآله أكثر من نفسه و أهله ، لأن واقع حاله سيكذبه ، ويؤكد أنه لا يحب إلا مصالحه ، و يؤثر أموال آل سعود الملطّخة بدماء أهلنا في الحجاز وعسير و نجران والقطيف وحتى نجد وباديتها ، على دينه ومروءته، أما الإسلام و نبيّه و قبلته فلا علاقة له بهم ، ولن نصدّقه بعد اليوم حتى يصدع بدعوة الحق كما أمرنا صاحب الأمر والنهى العلى القدير.
د . محمد الإدريسي . عسير