حاورها: بسام الطعان
كاتبة وشاعرة تونسية من الجيل الجديد، صاحبة ديوان ” العام المطير” وإذا كان للشعر الجديد في تونس ثمة خريطة، فإن الشاعرة لطيفة الشابي التي تنتمي إلى عائلة الشاعر الفذ أبو القاسم الشابي، تشكل علامة فارقة ضمن هذه المشهد، لا أريد أن استرسل كثيرا خشية الانقياد وراء جماح عاطفتي تجاه الشاعرة ونصوصها، ولنتركها ليتعرف إليها القارئ الكريم عبر هذا الحوار:
كاتبة وشاعرة تونسية
ـ من تكون لطيفة الشابي ، ماذا تريد من الأدب و كيف تصف للقارئ العربي القاصة ، و الشاعرة التي بداخلها .
* لطيفة الشابي ، إحدى المغرمات بلغة الضاد ، من مواليد مدينةتوزر بالجنوب الغربي للبلاد التونسية حيث الواحات الغناء و الجداول المترقرقة و الطبيعة الخلابة التي أنجبت و لا تزال العديد من أعلام الأدب في تونس و العالم العربي .
كتبت أوّل ما كتبت للطيفة الشابي ، و لم أكن لأفرج على ما أخطه إلا لذاتي . كانت تلك بداياتي أيام الطفولة ، ثمّ اتجهت إلى نشر بعض المحاولات بالصحف اليومية التونسية ، و منها يمّمْتُ وجهي نحو الملتقيات الأدبية في مجالات : المقال الأدبي ، و القصة ، و الشعر ، و كل مشاركة جديدة كانت تفتح لي آفاقا أخرى ، تتّسع معها تجربتي و اطلاعي و مكتسباتي المعرفية و تبعث فيّ دوافع إضافية لمواصلة الطريق تلك كانت فترة نضارة الشباب و اشتداد العود .
و مع مرور الأيام كانت رغبتي في مزيد الانتشار على الساحة الأدبية تتأجج فأصدرت أوّل ديوان شعري العام المطير سنــ2007ــــة ، كما نشطت بصفة جلية عبر النشر الإلكتروني ، و الإشراف بالعديد من المنتديات الأدبية لشغفي بالأدب من ناحية ، و محاولة الانتشار عربيا من ناحية ثانية و لا أخفي أني جعلت من دار الأدباء الثقافية دار مقام و نعم الدار و نعم النزلاء. لي حاليا العديد من المخطوطات الجاهزة للنشر شعرا و قصّة أتمنى أن تتاح لها فرصة الإصدار قريبا .
فما أريده من الأدب عين ما يريده الأدب منّي : الانصهار في جسد واحد !!! أعلم أنّي انطلقت و لكنّي لا أعترف بمحطة الوصول ما دام في القلب نبض .
ـ هل القصة القصيرة في تونس تحظى بالاحتفاء ، و أين موقعها على خريطة القصة العربيّة ؟
* لا يكاد إقليم من الأقاليم أو مدينة من المدن تتخلّف عن احتضان ملتقيات تعتني بالقصة القصيرة و السلط تخصص لها الدعم المادي و الأدبي اللازم ، فمنها ما يتجه للطفل و منها ما يتجه للأدباء الناشئين و منها ما يخصص للأدباء العصاميين هذا علاوة على الأنشطة المماثلة التي تعم الأوساط التلمذية و الطلابية .
بقي أن أشير إلى أنّ العائق يظل في نظري محدودية الإقبال على المطالعة و ما يترتّب عنه من حصر الانتشار لدى فئات نخبوية علاوة على عجز أصحاب المنشورات على استرجاع مصاريف النشر لولا الدعم من وزارة الثقافة .
و شخصيا أعتبر القصة القصيرة في تونس رافدا من جملة الروافد بسائر الدول
العربية الشقيقة في المشرق و في المغرب و لعلها تجد نفس الإحاطة و تعاني من نفس أعراض العزوف الجماعي على المطالعة و بالتأكيد لذلك أسباب منطقية حيث لا زوال للأعراض بدون معالجة الأسباب .
ـ كيف تقيمين علاقة القارئ التونسي بالشعر، وهل القارئ العربي ما زال يقرأ الشعر ويتذوقه، أم بينه وبين الشعر شيء من القطيعة؟
* بداية أود أن أذكّر بأنّ لهذا العصر خصائصه و سماته و يكفي أن أعرّج على البعض منها لنتبين بأنّ الظرف غير مناسب لشدّ القارئ إلى الكتاب. فهل مع تكنولوجيات الاتصال صوتا و صورة و فسخ الحدود النظرية بين الدول و تداخل الحضارات و الثقافات فيما بينها و انبهار الشباب العربي بالنمط الغربي المُتفسّخ مجال رحب لإرساء علاقة متينة بين القارئ و الشعر ؟
و مع ذلك لا يجب أن نستسلم لليأس بل علينا أن نتأقلم مع طبيعة العصر باستغلال تكنولوجيات الاتصال كمجال رحب للنشر الإلكتروني كما إنّي أثمّن الأمسيات الشعرية التي تلقى عناية فائقة بدول الخليج العربي علاوة على القنوات الفضائية الخاصة بالشعر و الشعراء و فتح المسابقات التي من شأنها أن تشحذ همم الشعراء و تشدّ المتتبعين دون إهمال الإصدارات المكتوبة التي تلقى بالتأكيد حظوتها لدى ا
لنخب المثقفة و المولعة بالأدب إضافة إلى الأوساط الطلابية
لنخب المثقفة و المولعة بالأدب إضافة إلى الأوساط الطلابية
ـ ما هي نظرتك للقصة القصيرة و ما هي مقوّماتها لتكون ناجحة بكل المقاييس؟ * باقتضاب كبير: القصة القصيرة جنس أدبي له مكانته على الساحة الأدبية العربية و العالمية تختلف عن سائر الأجناس السردية الأخرى بوحدة الانطباع الذي يقوم على أُحادية
الحدث والبناء الدرامي و الذي تدور أحداثه حول شخصية واحدة رئيسية قد تتفاعل
مع شخصيات ذات دور ثانوي أما لغة القصة القصيرة فتأخذ حيّزا وسطا ما بين الشعر و النثر فالإمتاع قديما و حديثا شرط جوهري ليكون للقصّ سلطان على المتلقي أو القارئ
ـ القصيدة من يكتبها ؟ هل هي التي تكتب ذاتها بذاتها و ليس الشاعر دور في التحكم بمجراها أو يكبح تدفقها اللاشعوري ، أم الكامن في أعماق الشاعر هو الدافع لكتابتها ، أم موهبة الشاعر و قدرته على التأليف البارع ؟
* القصيدة المتميّزة هي التي تولد من رحم هذه الاحتمالات مجتمعة فللعفوية نصيب و للموهبة دورها الفاعل و لسعة الإطلاع على الشعر قديمه و حديثه بجميع أنماطه إسهام متأكّد على أن لا تبلغ براعة التأليف حدّ الصناعة فتفقد بذلك روحها و عفويتها .
ـ كيف تتعاملين مع المكان في منجزك القصصي ، و هل المكان يعتبر ضروريا للقاص؟
* بالتأكيد المكان أحد مقومات القصة و اختياري له يكون حسب المضمون و الرسالة التي أريد تبليغها للمتلقي .
ـ هل توجد قطيعة ثقافية بين المغرب العربي و المشرق العربي ، و هل الكلمة تستطيع أن تعزّز التواصل بين أبناء الأمة العربية الواحدة ؟
* على العكس تماما لا أرى قطيعة ثقافية بين المغرب العربي و المشرق العربي فبقدر ما يعتز كل طرف بثقافته بقد ر ما يكنّ للطرف الآخر كل التقدير و رغبة الإطلاع و تبادل التجربة فالتباعد لا يزيد على كونه جغرافيا بدليل التقارب إلى حدّ التآلف بالمنتديات الأدبية الإلكترونية فالكلمة إذا مبعث ووسيلة مثلى لتعزيز التواصل بين أبناء الأمة العربية .
ـ بعض الأصوات تعتبر قصيدة النثر طاقة شعرية هائلة و مختلفة ، في حين ترفضها أصوات أخرى بحجة أنّها لا تنتمي إلى الشعر لغويا و فكريا و إيقاعيا و أنها تضع المتلقي في حيرة من أمره و تدفعه إلى مقاطعة الشعر عموما ما رأيك ؟
* إلى زمن غير بعيد كان مجرد التفكير في الخروج على النمط العمودي للقصيدة كفرا أدبيا وها أصبح الشعر الحر طاغيا إلى حد كبير فالعالم كائن حي متحرك ومتغير وليست به حقائق ثابتة والأدب ككل المجالات يؤثر ويتأثر لا فقط بالموروث بل وأيضا بآداب الأمم الأخرى وبنفس المنطق لا زال الشعر النثري يلاقي العداء من الكثيرين، لكني اجزم بأن القادم سيفرضه على الساحة الأدبية على نحو ما حدث مع الشعر الحر. هذا ولا يجب أن نحمل الشعر النثري مسؤولية نفور القارئ لأن للأمر أسباب أخرى أتينا على البعض منها.
ـ هل يمكن للكتاب أن ينحسر على حساب المحطات الفضائية و شبكة الانترنت غير المنضبطة ؟
* الغث و السمين سيظلان جنبا إلى جنب إلى يوم الدين علينا فقط أن نوجه
كل هذه المسالك الوجهة الصحيحة لما فيه الارتقاء بالأدب و بالذوق الرفيع و قد تكون المنافسة الشريفة في صالح ضمان الجودة وسرعة الانتشار و الإطلاع على ثقافة الآخر شريطة أن نربي الأجيال على تقبّل الجيّد ونبذ الرديء.
كل هذه المسالك الوجهة الصحيحة لما فيه الارتقاء بالأدب و بالذوق الرفيع و قد تكون المنافسة الشريفة في صالح ضمان الجودة وسرعة الانتشار و الإطلاع على ثقافة الآخر شريطة أن نربي الأجيال على تقبّل الجيّد ونبذ الرديء.
ــ لماذا كتب الطبخ و تفسير الأحلام و رسائل العشاق و غيرها من الكتب الرّخيصة و المبتذلة هي الرائجة في السّوق العربية ؟
* إلى حدّ كبير هذا بالتأكيد صحيح و لكن ما هي الفئات التي تُقبِلُ على هذه الأصناف من الكتب ؟
و أنطلق من هذا التساؤل لأشير إلى تقصير واضح في إنارة العامة و توجيهها الوجهة الصحيحة و لعل للمثقف العربي دور فاعل في هذا المجال .
ـ كيف تنظرين إلى الناقد التونسي ، هل يقوم بدوره على أكمل وجه ؟
* من زاوية نظري يكاد العمل النقدي ينحصر في بوتقة المصنفات الأدبية التي تدرّس للطلاب و المعادلة بسيطة إلى أبعد الحدود : إذا كان الأثر الأدبي نفسه لا يلق الانتشار الواسع فهل سيلقاه النقد الذي يتعلق به، نعود لنؤكد على أن الحلقة الأهم تبقى القارئ.
ـ من برأيك الشاعر المبدع الذي يوفر لقرائه المتعة الجمالية و يترك فيهم أثرا عميقا ؟
* هو الذي يجمع ما بين رفعة المبنى و المضمون و الانصهار في المتلقي إلى حدّ التماثل في الشعور .
ـ ما هي العوامل التي تساهم في ضعف القصيدة العربية ؟
* القصيدة العربية ليست ضعيفة في المطلق نستطيع فقط أن نقول كان بالإمكان
أحسن مما كان لولا العزوف على القراءة و المطالعة و ليس هذا بالضرورة لضعف في المنتوج بل لأسباب خارجية سبق و أن أتينا على البعض منها .
ـ هل لتجاربك الشخصية انعكاس على تجاربك الأدبية و إلى أي حدّ ؟
* من البديهي أن يستلهم الإنسان عموما و الشاعر خصوصا من تجاربه الخاصة ليحدد مساراته في الحياة و إن كان الإنسان العادي يسير على هدي تجاربه في غفلة من الجميع فإن الشاعر يُطلع الآخرين على تجربته في الحياة فهو في الأول و الآخر ليس ملك نفسه .
ـ مساحة الحرية للمرأة المبدعة في تونس ما حجمها؟
* بصراحة تامة تعتبر المرآة التونسية المبدعة محضوضة من حيث الآفاق الرحبة التي تتيحها القوانين و تدعمها العادات و التقاليد التي تضع المرآة على مستوى الشراكة و المساواة مع الرجل وإن وجدت أمامها عراقيل فهي ذاتها التي يعترضها الرجل.
ـ ما موقفك من النقد ، هل كل ناقد له ذوق أدبي وصادق وحيادي؟
* في كلمتين : النقد لا يمكن أن يكون إلا بناءا أما الانتقاد فهو أقرب السبل إلى
الهدم و الصنفان موجودان على الساحة جنبا إلى جنب علما و أن المستوى الجيّد لا
بد أن يفرض نفسه ليظل الصنف الثاني على كمد .
ـ بعد ديوانك الشعري” العام المطير” ماذا أنجزت، وبماذا تشعرين حينما تقع بين يديك أول نسخة من كتاب أنجزته؟
*حاليا لي العديد من الأعمال الجاهزة للنشر سترى النور عندما تتاح لي الفرصة .
إذا كان للكتاب مكانة سامية لدى المتلقي فكيف الأمر بالنسبة للكاتب الذي وضع في أثره الأدبي شيئا من ذاته و من روحه ؟