د. وسام جواد
شهدت أثينا,عاصمة الحضارات اليونانية العريقة, مظاهرات صاخبة وإحتجاجات غاضبة, لم تر لها مثيلا منذ أمدٍ بعيد, إحتجاجا على مقتل فتى في مقتبل العمر برصاص رجال الشرطة, لم يكن متعمدا. وقد استمرت الإحتجاجات لعدة أيام, متخطية حدود العاصمة والمدن اليونانية لتشمل بعض المدن الأوربية, تأييدا وتضامنا مع المتظاهرين والمحتجين .
حالة, تستحق التأمل والتفكير لهول الفوارق بين ردة فعل المجتمع اليوناني على قتل فتى برصاصة طائشة وبين ردود أفعال شعوبنا العربية على همجية وتخلف أنظمة قمعية وإستبدادية, لا تتوانى قواها الأمنية عن اللجوء الى القوة مع المتظاهرين,الذين لا يقف وراء خروجهم الى الشوارع سوى الإجحاف وعدم الإنصاف, والرغبة في التعبير عن التضامن مع أبناء الأمة في قضاياهم القومية المشتركة. وتكاد لا تخلو المظاهرات من إعتداءات وإعتقالات تعسفية, يُشفي خلالها الساديون غليلهم بضرب المتظاهرين وإهانة الناشطين وتعذيب المعتقلين . أما اذا تسبب إطلاق النار بسقوط ضحايا, أفالويل لمن يحتج أو يطالب بمحاسبة المسؤولين, ومعاقبة المذنبين .
يشاهد العالم يوميا, ويشهد على جرائم القتل المتعمد للأطفال والنساء والشيوخ والشباب في فلسطين المحتلة دون أن يتحسس ردود أفعال ملموسة في الشارع العربي على جرائم القتل والتجاوزات والإستفزازات المتواصلة, كتلك التي عرفتها اليونان. وقد يمر خبر إستشهاد الفلسطينيين على شريط أخبار المحطات الفضائية من غير قراءة مسموعة له أحيانا..! كما أصبحت نعوش الشهداء المحمولة على الأكتاف وفي ثلاجات الـ morgue وما يرافقها من مشاهد مؤلمة, من الأمور المألوفة.
لقد أرتكبت قوات العدو الصهيوني أمام أعين وصمت الأنظمة العربية, جريمتها الأخيرة التي راحت محطات التلفزيون العربية والأجنبية تبث مشاهدها المروعة من مدينة وضواحي غزة الصامدة, بعد تعرضها للقصف الهمجي بطائرات العدو الصهيوني وسقوط أعداد كبيرة من أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة .
وما كان لهذه الجريمة البشعة أن تحصل لولا :
خيانة وتخاذل بعض الأنظمة العربية,التي لا تقل في الهمجية والدموية عن النظام الصهيوني .
معرفة الأنظمة العربية,الصديقة الصدوقة لإسرائيل بنوايا قيادات العدو الصهيوني وعدم إبداء معارضتها لشن العدوان على قطاع غزة لضرب الفصائل الفلسطينية المقاومة, والرافضة للمساومة, وللتخلص من أحد أركان المقاومة العربية الباسلة في العراق ولبنان وفلسطين .
إختراق لا يقبل الجدل,سهل رصد وتحديد وقت ومكان تجمع رجال المقاومة الفلسطينية .
يخطأ من يتوقع إحتملات ردود أفعال مشرفة من قبل الأنظمة العربية,التي غطس معظم قادتها منذ زمن بعيد, في مستنقعات العمالة للإمبريالية الأمريكية. وقد تجتمع الجامعة العبرية في المضمون والعربية في الشكل من أجل إمتصاص نقمة الشعوب العربية وذر الرماد في عيون البسطاء . ومن غير المستبعد أن يصدر المجتمعون بيانا, يشجبون فيه الجريمة ( في حال حصولهم على موافقة البيت الأسود وترجمتها من اللغة الإنكليزية ) لكنه سيؤكد حتما, على ضرورة “المسيرة السلمية” وإقامة “السلام العادل” في المنطقة, القائم على إمتلاك إسرائيل للسلاح النووي والجرثومي والكيمياوي, وتفوقها الدائم على الدول العربية مجتمعة, بإعتبارها دولة “ديمقراطية” تواجه الدكتاتورية, و “حضارية” تواجه التخلف والإرهاب ..!
إنها لكارثة فظيعة ومأساة مريعة, حين ترخص قيمة الإنسان العربي الى الحد,الذي يجعل من إهانته وضربه وقتله حدثا,لا يختلف في وقعه عن ضرب وقتل أي كائن حي آخر. ومن المستحيل أن تتخلص شعوبنا العربية من إذلال وسوء معاملة أنظمتها لها ما لم تكن مستعدة لخوض معارك ملحمية في سوح الكرامة,لإسقاط الأنظمة الفاسدة وإرغام المتهاونة منها على التفاعل مع قضايانا الوطنية والقومية واتباع سياسة التعامل بالمثل مع أي طرف داخلي أو خارجي,لا يحترم ولا يقيم وزنا للإنسان العربي. وحينئذ, لن تمر جريمة قتل فرد دون حساب, ولا جريمة قتل شعب آمِن بلا عقاب .