لفت وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط الأنظار بشكل كبير عبر التصريحات التي أدلى بها عندما اجتاح أهل غزة بعشرات الآلاف معبر رفح ودخلوا الأراضي المصرية المجاورة في فبراير/شباط الماضي بعد أن ضاقوا ذرعا بالحصار الذي يفرضه عليهم الاحتلال الإسرائيلي.
فبعدما كانت وسائل الإعلام تتداول صور الغزيين في العريش مقبلين على شراء ما حرمهم منه الحصار، خرج أبو الغيط مهددا بقطع رجل كل من تدوس قدماه أرض مصر، في تصعيد واضح ضد حركة حماس المسيطرة على القطاع.
وقد زادت حدة تصريحات أبو الغيط ضد حماس وقياداتها في الأشهر القليلة الماضية مع تسارع التطورات في الساحة الفلسطينية وتداعياتها الإقليمية، وخاصة بعد فشل الحوار الوطني الفلسطيني الذي كان متوقعا انعقاده بالقاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقد ظل أحمد أبو الغيط متنقلا في دروب سلك الدبلوماسية المصرية زهاء أربعة عقود، مثل فيها القاهرة في عواصم ومحافل كبيرة دون أن يسطع في عالم الأخبار، إلى أن طفا اسمه فجأة إلى السطح مع تكليفه برئاسة دبلوماسية بلاده عام 2004، حيث أصبح واجهة للنظام المصري ومواقفه.
فمنذ أن خلف أحمد ماهر على رأس وزارة الخارجية، أصبح اسم أبو الغيط -الذي رأى النور عام 1942 في القاهرة- متداولا في سماء الأخبار، ليس بسبب مواقف مثيرة أو غير مألوفة، ولكن لأن طبيعة منصبه تفرض عليه أن يعكس صورة البلاد بظلالها وأضوائها ومناطقها الرمادية، في تمرين يشبه المشي على الحبال.
عندما تسلم أبو الغيط مهامه كانت مصر في مقدمة الدول العربية المعنية برياح دعوات الإصلاح والديمقراطية القادمة من الولايات المتحدة، والتي وجدت مناصرين لها في المنطقة.
يبدو أن تلك الدعوات أحرجت مصر فوجد أبو الغيط الذي جاء مصمما على إصلاح وزارة الخارجية، في الواجهة للدفاع عن موقف واضح عبر تصريحات مغرقة في العمومية حول الخصوصيات المحلية وضرورة توافق الإصلاح مع الحركة الداخلية لكل بلد.
وفي ملف الصراع العربي الإسرائيلي زادت تصريحات أبو الغيط تضاربا وإثارة، خاصة منذ فرضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سيطرتها على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، حيث ذهب إلى حد الدفاع عن إبقاء معبر رفح مغلقا بحجة “اعتبارات قانونية واتفاقات دولية”.
رحلة طويلة
ويبدو أن تلك التصريحات تعكس الروح البيروقراطية التي تشبع بها أبو الغيط منذ أن التحق بوزارة الخارجية في أوج الحقبة الناصرية عام 1965، رغم أن تحصيله الأكاديمي (بكالوريوس في التجارة من جامعة القاهرة) يؤهله لدخول عالم المال والأعمال لا السياسة والدبلوماسية.
منذ ذلك التاريخ بدأ أبو الغيط التدرج في رحلة وظيفية طويلة تنقل أثناءها بين سفارات بلاده في نيقوسيا وموسكو وروما ونيويورك، وبين الدواوين والسكرتاريات الخاصة بالوزارة ورئاسة الحكومة، قبل ينتهي به المطاف ممثلا لبلاده لدى الأمم المتحدة في 1999 ليظل في ذلك المنصب خمس سنوات.
وفي زهاء أربعة عقود في ردهات الدبلوماسية، لم يستطع أبو الغيط -الذي لم يعرف له ولاء حزبي أو انتماء فكري أو سياسي- أن يلفت النظر على غرار أسماء أخرى في التاريخ الحديث للدبلوماسية المصرية من قبيل مراد غالب ومحمود رياض وعمرو موسى.
ورغم أن مساره يوحي بأنه نموذج للدبلوماسي الكلاسيكي الميال لتوخي الحيطة والحذر ولانتقاء الكلمات بعناية زائدة، إلا أن أبو الغيط بدا في الآونة الأخيرة صاحب تصريحات تؤلب عليه وتثير وتكشف وتوضح بعيدا عن اللغة الدبلوماسية الغامضة والمغلفة.
وهكذا زاد تداول اسمه في الأخبار في الآونة الأخيرة بسبب تصريحاته الكثيرة والمتضاربة أحيانا بشأن بعض جوانب ملف الصراع العربي الإسرائيلي لكون بلاده طرفا في القضية بحكم الاعتبارات الجغرافية والتاريخية والسياسية.
المصدر: الجزيرة