ناشدوا الجماهير وهددوا الأنظمة؟!
مصطفى إنشاصي
أود بداية أن أوضح: إن حرب الإبادة التي يمارسها العدو اليهودي ليست ضد حركة حماس ولكن ضد الجماهير الفلسطينية، وحتى وإن كانت ضد حماس كما يزعم وذلك ما تكذبه أعداد الشهداء من المدنيين، فلا ينسى أن حماس مهما اختلفنا معها فإنها في البداية والنهاية هي جزء من الجماهير الفلسطينية، وعليه فالعدوان هو ضد الجماهير الفلسطينية وليس ضد حماس. نفس الأمر ينسحب على بعض الأنظمة العربية التي تختلف مع حماس وتعمل على استمرار حصارها فهي لا تحاصر حماس ولكنه تحاصر الجماهير الفلسطينية وخاصة في هذه الظروف بالتحديد.
ومما استرعى انتباهي في الساعة الأولى لتلك الحرب وله علاقة بفقدان قيادات الفصائل الفلسطينية للرؤية السياسية الصحيحة والفهم الصائب للواقع وعدم استحضارها لدروس التجربة الماضية؛ ما تسبب في إيصال الوضع الفلسطيني إلى طريق مسدود بل إلى قطيعة تنذر بتصفية القضية، هو كثرة مناشدة تلك القيادات للأنظمة العربية ودول العالم والأمم المتحدة للتحرك لوقف العدوان! واستجدائها لهم بضعف لا يليق بقائد ومسئول قبل أيام كان صوته يرعد بكل قوة وثقة وهو يهدد ويتوعد، واليوم يتوسل القادة العرب ويذكرهم أنهم مسئولون أمام الله تعالى عن مواقفهم وما يحدث لأهلنا في فلسطين وغزة خاصة، وهذه ليست المرة الأولى التي يذكرهم فيها بالله ومسئوليتهم ولم يتذكروا، ولو كانوا يردون التذكر لتذكروا منذ زمن فعمر نكبتنا ستون عاماً!. ذكرتني تلك المناشدات بمقالة كتبتها بتاريخ 7/12/ 2008 بعد توقف عن كتابة المقال السياسي لشهور ولم أكملها، لها علاقة بتلك المناشدات وبأخطاء التهدئة، أنقل منها ما له علاقة بالمناشدة:
بداية أود التأكيد على نقطة مهمة ذات دلالة عميقة لفهم حقيقة الأزمة في فلسطين؛ وهي: أنها جزء من أزمة النظام السياسي العربي التي تعيشها الأمة منذ تأسيس ذلك النظام في نواته الأولى من الأقطار الستة التي شكلت جامعة الدول العربية، التي أكدت على استقلال كل قطر عن الآخر، وحكمت علاقاتها ببعضها سياسة المحاور والتكتلات والتحالفات السياسية التي غلب عليها الولاء للخارج ضد المصالح القطرية والقومية، وقد كانت ومازالت تتجلى تناقضات النظام السياسي العربي وولائه للخارج في أبشع صورها في مواقفها من قضية الأمة المركزية ـ فلسطين ـ وإن أشد الانتكاسات التي أصابت القضية تلك التي كانت بسبب الخلافات العربيةـ العربية، وآخرها الخلاف بين السلطة وحركة حماس الذي يؤذن بتصفية القصية تماماً، وفي الوقت الذي تُذكي فيه تلك الأقطار الخلافات الفلسطينية نجدها تسارع الخطى نحو التطبيع مع العدو اليهودي في خط متوازٍ مع سرعة العدو اليهودي في تهويد القدس واغتصابه للأرض الفلسطينية! وعلى الرغم من ذلك نجد الطرفين الفلسطينيين المعنيين بالخلاف لا يتعلما ولم يجريا أي مراجعة لمواقفهما، ولا جردة حساب لما خسرته القضية والثمن الذي تدفعه الجماهير جراء تلك السياسة!.
ولم أكمل المقالة من شدة استيائي من الخبط السياسي العشوائي الذي تتخبط فيه تلك القيادات غير المسئولة، وقد كنت سأكتب أشياء قريبة مما يحدث الآن، وأن التهدئة ستُجدد ثانية ولكن بثمن، ولم أتخيل أن يكون بهذه الفداحة، إنه كارثة، وأكمل القول:
ذلك دليل أن تلك القيادات لم تستوعب دروس وتجارب ثورتنا الفلسطينية المعاصرة مع تلك الأنظمة، ولم تدرك خطأ موقفها وهي تعيد نفس تلك التجارب وتكرر نفس الأخطاء بعد أن أعمى أعينها التعصب الحزبي والطموحات القيادية والمكاسب الشخصية والتنظيمية عن رؤية الحقيقة واستيعاب دروس الماضي والحاضر للقضية مع تلك الأنظمة، لذلك لم يدركوا أن تلك الأنظمة كانت ومازالت هي العدو الأشد للقضية، وأن الضرر الأكبر الذي لحق بالقضية كان بسبب انعكاس اختلافاتها على القضية، من خلال استقطاب كل طرف لبعض الفصائل الفلسطينية وتبني تلك الفصائل لأجنداتها السياسية في صراعاتها الفلسطينية الداخلية! وما زالوا لا يريدون فهم أن تلك الخلافات هي جزء من المخطط اليهودي ـ الغربي لتصفية القضية، لأن العدو اليهودي هو أكثر المستفيدين من تلك الخلافات والتحالفات والاستقطابات العربية المتناقضة للفصائل الفلسطينية، لأنها تُشغل الفلسطينيين عن المواجهة للعدو المركزي، وتجعل تناقضاتها الرئيسة ليس معه ولكن مع نفسها! وذلك يوفر للعدو فرصة تحقيق أهدافه على الأرض، في تغيير وتهويد معالم الجغرافيا والتاريخ والحضارة الفلسطينية وفرض سياسة الأمر الواقع، كما هو حالنا اليوم ما بين مفاوض في رام الله ومهادن في غزة، وصراع يتفاقم ويفشل كل فرص نجاح المصالحة بينهما وإنهاء الانقسام.
لنتأمل ما يحدث في غزة؛ فبعد أن منحه الانقسام بين رام الله وغزة الفرصة لتهويد القدس واستكمال بناء الجدار (الحدود السياسية المستقبلية للدولة الفلسطينية العتيدة) واغتصاب مزيد من الأرض يقوم بعدوانه الهمجي على غزة، وهو مطمئن إلى فعالية الانقسام العربي في إذكاء الانقسام الفلسطيني ومنع استعادة الوحدة الوطنية. وطبعاً الغرب خبير في فن تقسيمنا وتفريقنا! فإن كان في الماضي قسمنا إلى أنظمة رجعية وأنظمة تقدمية، وقسم الفصائل الفلسطينية تحالفاتها مع تلك الأنظمة على نفس التقسيم؛ فبعد أن أصبحت جميع الأنظمة العربية رجعية بنسب متفاوتة، على اعتبار أن الدوران في فلك السياسة الغربية والأمريكية هو معيار الرجعية، فإنه تم تقسيم الأنظمة والفصائل الفلسطينية إلى معتدلة ومتطرفة، وكذلك تحالفاتها!.
لو كانت تلك القيادات تمتلك الوعي والتجرد من الطموحات الشخصية والحزبية كانت أدركت أن كل تلك الأنظمة رجعية وليس معتدلة، وأنها لا فرق بينها ولا يوجد فيها ممانع ولا مقاوم! نعم؛ ألم تعلن الأنظمة العربية بالإجماع منذ سنوات طويلة أن خيارها الإستراتيجي هو (خيار السلام) وتؤكد عليه في قممها كل عام؟! كما أنها وافقت بالإجماع منذ عام 2002 في قمتها ببيروت على المبادرة العربية التي تفرط في كامل ترابنا الفلسطيني، وتتنازل عن حقنا في العودة إلى الديار التي شُرد منها أبائنا وأجدادنا، وتؤكد على تلك المبادرة كل عام؟! لو كانت تلك القيادات تمتلك الوعي والتجرد كانت أخرجت القضية من الصراعات العربية وتحالفاتها الإقليمية والدولية. وإن كانت قد غفلت أو عجزت سابقاً عن ذلك كان هذا العدوان أفضل فرصة لها لفعل ذلك، ومستندة بقوة إلى العدوان نفسه الذي إلى الآن لا أحد يعلم حقيقة أهدافه ومدته الزمنية، ولا نعلم إن كان من أجل تغيير الواقع الأمني في غزة ـ كما يزعم العدوـ وتوقيع اتفاق تهدئة بشروط مريحة، أو أنه محاولة جديدة لإعادة تشكيل خارطة وطننا وتغيير جغرافية حدود سايكس ـ بيكو التي سبق لكونداليزا رايس في عدوان تموز 2006 أن أعلنت أنها فشلت في أداء مهمتها. أي دمج كيان العدو اليهودي في وطننا وحفظ أمنه وأمن مواطنيه، ولكنها لم تعلن ذلك حتى لا تزيد من ردة الفعل الشعبية ضد العدوان؟!.
لو كانت تلك القيادات تمتلك الوعي والتجرد كانت أدركت أنه بدل توجهها واستجدائها الأنظمة التي وصلت منذ عقود نقطة اللا رجعة، كانت توجهت للجماهير العربية التي هي العمق الحقيقي لجماهيرنا في فلسطين، وهي السند والدعم الذي لا ينقطع ولا يتوقف ولا علاقة له بالتحالفات ولا بالتطرف والاعتدال، وهي التي تمتلك بحسها ووعيها الفطري الرؤية والبوصلة التي لا تستطيع الضغوط الغربية واليهودية مهما بلغت أن تحرفها عن اتجاهها الصحيح، فهي مع فلسطين في السراء والضراء، في جوعها وشبعها، سواء كانت أنظمتها معتدلة أو متطرفة، ديمقراطية أو ديكتاتورية، عميلة للغرب أو وطنية، نعم لو كانت تلك القيادات تمتلك الوعي والتجرد والرؤية الصحيحة وتعرف قيمة ودور الجماهير، ولو تعلمت واستوعبت دروس وتجارب الماضي والحاضر، كانت ناشدت الجماهير لا الأنظمة!. وفي الوقت نفسه كانت استخدمت لغة التهديد والوعيد ضد تلك الأنظمة، نعم لغة التهديد والوعيد لأن تلك الأنظمة التي رهنت نفسها والأمة لعدو الأمة المركزي خوفاً على عروشها وكراسيها لا تفهم إلا لغة الخوف وتهديد مصالحها، وسلاحها وقوتها الذي تهدد به أيضاً هو الجماهير العربية التي لا تفقد البوصلة، والمصالح اليهودية والغربية في وطننا التي ممكن ضربها بيد الجماهير العربية نفسها.
لكنها قيادة فاقدة لكل مقومات القيادة …!!.
…يُتبع