الحلقة الأولى
هبّ البعض من المستضعفين والناقمين على ما يحدث في حق أهل غزة من إبادة وهولوكست صهيوني، إلى مناشدة “حزب الله” بالتدخل لإنقاذهم ورد الهجمات عليهم بالقوة العسكرية بعدما خذلتهم الجيوش العربية، التي تبنى عدتها وعددها وعتادها على حساب البؤساء لأجل قهر الجائعين والفقراء، وكان هؤلاء الذين إنتفضوا لهذا المسعى – طبعا – ممن لا يزالون يؤمنون أن حرب تموز 2006 هي من إنتصارات الأمة التي صنعها “حزب الله”، وأن رجل الدين الشيعي حسن نصرالله هو الزعيم الأوحد في عصر الهزائم والهوان والذل والخنوع والتبعية… حتى لا أعيد وأكرر ما كتبته من قبل عن هذا المزاد الذي تقيمه إيران بفارسيتها المجوسية الناقمة على كل ماهو عربي، ويرسي دعائمه ذراعها الآخر وصانع نفوذها سواء عن طريق السلاح أو البطولات المزعومة والمفبركة، أو حتى بالتهديدات التي لا تتعدّى تلك اللحظات العاطفية الهوجاء التي تبلغ فيها القلوب الحناجر.
لقد تساءل الكثيرون وبمختلف مواقعهم عما يمكن أن يقدمه “حزب الله” في هذا الظرف العصيب والإستثنائي، وآخرون ربما تخيّلوا أن حسن نصرالله سيزحف بجيشه وكتائبه على تل أبيب ويبيدها ويحرر بيت المقدس كما فعل الناصر صلاح الدين الأيوبي، وكما فعلها قبله الخليفة الراشد والفاروق عمر بن الخطاب (ر)، الذي يلعن صباح مساء في بلاد فارس التي كان فاتحها، وفي حسينيات أو حوزات الإسفاف الديني المتوزّع ما بين النجف وقم ولبنان… وبين هذا وذاك يوجد من حاول أن يلعب على كل الأوتار جاعلا من الوحدة الدينية بين كل الطوائف هي الحل الوحيد الذي سيردع الصهاينة ويبيدهم، وخاصة أننا صرنا نعيش على وقع تلك الأغنية التي تعزف لإقتراب زوال إسرائيل، وخاصة منذ “هزيمتها” النكراء على يدي “حزب الله”، وهو الإعتراف الذي أقرّه كل الصهاينة في تحقيقات محلية، وهو ما يؤكد نظرية بن غوريون الذي جعل نهاية “دولته” تكون مع أول هزيمة، وهكذا تحول ذلك الدموي إلى نبيّ في ظل السقوط الحر للقيم الحضارية العربية والإسلامية !!.
زوال إسرائيل في زمن التهافت
طالما سمعنا تهديدات بإبادة إسرائيل والتي غالبا ما تأتي من إيران أو من ذراعها في المنطقة العربية “حزب الله”، وطالما ردد هؤلاء شعارات لا يدفع ثمنها إلا الفلسطينيون لوحدهم، لأن كل ما يجري من طرف هؤلاء خصوصا هو مجرد مناورات عقدية ودعائية لفكر طائفي لفظه التاريخ واثبت المنطق اعوجاجه وافتراءه، ويراد منه تأمين المد الشيعي الفارسي فقط، ومن يزعم غير ذلك فهو واهم، والأيام كفيلة بتبيان هذه الحقائق الموجعة.
وفي السياق المتصل بالموضوع نورد بإختصار شديد بعض الفوائد الكبرى التي يجنيها الصهاينة من إنتشار مثل هذه التهديدات والفرضيات، التي منذ أن أطلقت ونحن لا نتلقى إلا الطعنات والإذلال، من بينها نجد:
– أن التلويح بالإبادة يجلب الدعم الكبير والمنقطع النظير للكيان الصهيوني، وقد قال جوناثان غولدبرغ رئيس تحرير صحيفة (ذي فوروارد) اليهودية: (وحدة الرأي العام اليهودي والأمريكي في دعمه إسرائيل ناجمة عن المحرقة وعن فكرة أن إسرائيل من دون دعم تواجه خطر الموت).
– يجعلها دوما تتقمّص دور الضحية والشعب المغلوب والمهدد بالزوال والإنقراض من على الأرض، ونورد ما قاله الجنرال بيليد من ضباط أركان إسرائيل: (لم يكن هناك إنسان يجرؤ أو يمكنه أن يضع وجود إسرائيل موضع بحث)، ولكنهم بالرغم من كل ذلك واصلوا – حسب بيليد طبعا- (تغذية الشعور بالنقص كما لو كنّا شعبا ضعيفا صغيرا يعيش في قلق دائم وخوف الإبادة من كل لحظة).
– يؤصل “اليهودية” أكثر في ما يطلق عليهم “يهود الشتات” خاصة، وهو من أولويات الحركة الصهيونية في الوقت الراهن، وقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليفي اشكول: (إننا نكافح في الوقت الحاضر من أجل حقوق يهودية ليهود المنفى، ولكن من أجل تأصيل اليهودية بينهم، أي تأكيد الشخصية اليهودية وقوة عبقريتها، إننا لا نسعى إلى إقامة مدارس لأطفال اليهود وإنما لتربية اليهود).
– التسويق لخيار إستراتيجي صهيو-أمريكي-رسمي عربي ويتعلق بالخيار الوحيد المطروح وهو صناعة دولتين في أرض فلسطين المحتلة، وطبعا هي إستراتيجية مرحلية إجرائية نحو بلوغ سقف دولة تلمودية تمتد من الفرات إلى النيل.
– تشجيع الهجرة نحو إسرائيل والتقليل من الهجرة المضادة التي صارت هاجسهم وخاصة في الآونة الأخيرة، في ظل إرتفاع الضغط وهاجس الفقر والموت والمصلحة التي تطبع أولئك الذين قدموا خاصة من الدول الأوروبية والأمريكية الأكثر ثراء.
– زرع العنف والإرهاب الصهيوني أكثر وأكثر في وسط اليهود خاصة العاملين في الجيش، وتنمية الروح العدائية تجاه العرب إلى أقصى معدلاتها، وقد قال وزير الدفاع الأسبق موشي ديان عام 1954: (علينا أن نكون مستعدّين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة).
وقال بن غوريون: (علينا أن نطرد العرب ونأخذ أماكنهم، وإذا كان علينا استخدام العنف لضمان حقنا فيجب أن نلجأ لتكون لنا قوة).
– تخدير الشعوب العربية والإسلامية بأحلام مزركشة تدفع للتخاذل، خاصة من أولئك الذين يروّجون للزوال العقدي القرآني، وهو الذي لا ننكره لأنه لا مستقبل لأي ظالم فوق الأرض، ولكن لكل زوال أو إنتصار أسبابه ومعداته وحيثياته ومعطياته وشروطه، ولا مجال للصدف والتصوف في مثل هذه الأمور المصيرية، لأن الإنتصار لا تعطيه لنا أحاديث المهزومين والأغبياء في غرف النوم وعلى نهود الغواني وكباريهات التخنث وأضرحة الخرافات، وهنا نؤكد على أن زوال إسرائيل صحيح من ناحية الموضوع وخاطئ وباطل من ناحية الشكل المسوق له.
– تثبيط همم المقاومين الصادقين كما فعل من قبل بالعقائد الصوفية في الجزائر وغيرها إبان الاحتلال، والتي جعلت من الغزاة ذلك القضاء الإلهي الذي لا يخرجه إلا القدر الرباني.
– تحريض العالم الغربي الذي يدعم إسرائيل على العمل الجدّي والمثابر لأجل سحق المقاومة الحقيقية وإبادتها، ومحاصرة أنصارها في كل أنحاء العالم سواء بواسطة قوانين الطوارئ أو تلك الاستثنائية التي يبررها ما يسمى بالإرهاب، وقد حصل ذلك كثيرا في حق الأفراد والجمعيات الخيرية ونشطاء حقوق الإنسان.
– البعد عن المساءلة الدولية والمتابعة بجرائم ضد الإنسانية، فتبرير الفعل المقترف أنه رد فعل من خائف مهدد وجوده من طرف دول مصنفة ضمن محاور أتقن المشرفون عليها في ترتيبها وفق معطيات وأولويات إستراتيجية وبعيدة المدى.
– خدمة مشروع الفرس والمد الشيعي في المنطقة العربية، عن طريق دغدغة المشاعر بالشعارات الفضفاضة، التي غالبا ما تستغل الاستهجان والنقمة والغضب على الوضع البائس محليا ودوليا.
حتى لا نزيد عما قلناه من قبل في برنامج الإتجاه المعاكس على قناة الجزيرة القطرية (13/05/2008)، فإن الصهاينة يروّجون للهزيمة أو النهاية المترصدة لهم لأجل التحفيز على البقاء والنصر وحماية كيانهم المندس بسرطانية في جسم الأمة، وأنهم لا يغفرون الخطأ ولو كان بسيطا في حق “وجودهم” الذي جاء على أكتاف “دولة” تلمودية مدعومة عالميا، أما العرب فيروجون للإنتصار من أجل البقاء في مؤخرة الأمم تقرع رؤوسهم فؤوس الهزائم والذل.
وقد لاحظنا أن هؤلاء الصهانية يروجون للهزيمة والنهاية في أبسط الأشياء، حتى أنني مرة قرأت مقالا في يديعوت أحرنوت (23/01/2008) جعل من الحصار على غزة هزيمة نكراء لهم، والإنتصار الآخر لحركة حماس، وفي السياق نفسه صحيفة هآرتس (25/01/2008) جعلت من فتح الحدود ما بين غزة ومصر هزيمة نكراء لإسرائيل، وإنتصار ومجد مضاف لحركة المقاومة الإسلامية، وطبعا كان ذلك مطلع العام الجاري (2008) وهو ما ظهرت نتائجه في نهايته بمحرقة لم يسبق لها مثيل وبمباركة أنظمة عربية وغربية بلا تردد ولا شفقة.
عندما يشبّه حسن نصرال
له أهل السنة بالصهاينة !!
له أهل السنة بالصهاينة !!
إن أسطوانة إبادة إسرائيل من الوجود نراها تتردد كثيرا على لسان إيران وحليفها في المنطقة “حزب الله” أو زعيمه ووكيل مرشد الثورة الخمينية خامنئي في لبنان حسن نصرالله، والذي طبعا لم يتعدّ الإثارة الإعلامية وإستثمار الوضع المهزوم الذي تتحمّل كل الأطراف مسؤوليته، ولكن في ظل ما يحدث من عمليات إبادة للشعب الفلسطيني في غزة، وطبعا يحدث ذلك على المباشر، وهي فرصة للجميع من أجل الاستثمار في دماء الأبرياء والمساكين من أطفال ونساء وشيوخ وعجائز، فالأنظمة تريد إستغلالها للتسويق لبضائعها المفلسة محليا ودوليا، والمعارضة تستغلها من أجل النيل من الحكام الذين لا يختلف أحد في خذلانهم وعمالتهم، وحتى التيارات الدينية تريد بدورها تبشير الناس بنبواتها وتنبؤاتها، بمعجزاتها وكراماتها، بطقوسها ومكنوناتها… ففي السعودية وما حالفها في العالم الإسلامي يتم التسويق إلى معطيات روحية في غالبها تخدم التوجهات الرسمية السعودية، أما الحركات الشيعية سواء في إيران أو في لبنان كشفت عن أنيابها من خلال وضع التقية جانبا للإستفادة العاجلة مما يحدث، وخاصة أننا نشهد مدا شيعيا كبيرا في العالم الإسلامي سواء في الشام أو الحجاز أو المغرب العربي، هذا الأخير الذي صار الهدف القوي للحركات التبشيرية الشيعية ومنذ حرب تموز 2006 التي تمّ فيها إتقان أداء دور المقاومة وفق برتوكولات الملالي، وخاصة أننا صرنا على أبواب عاشوراء التي هي مقدسة في الفكر الديني الشيعي إلى حد لا يمكن تخيله، فالدم الذي يراق في الحسينيات سيستغل بلا شك للترويج الواسع لفكرهم وعقائدهم التي يراد منها إبادة أهل السنة كما يجري في العراق، والذين يوصفون بالنواصب وهي درجة تكفير تفوق ما عليه حال الصهاينة والنصارى في التشريع الإمامي الجعفري وأشباهه، وفي هذا السياق صرح حارث الضاري في 12/07/2006 أنه: (في عهد الجعفري قتل 100 ألف عراقي من السنة)، ويقصد رئيس حكومة الإحتلال الأسبق إبراهيم الجعفري… فترى من يبيد من؟ !!
لقد طلع علينا حسن نصرالله في بداية المحرقة بخطاب عقدي بحت، حيث وصف ما يحدث في غزة أنها كربلاء جديدة، وأن حماس حسينية والشهداء هم مثلهم مثل شهداء الحسين بن علي بن أبي طالب (ر)، وهبّ يشيد بأمه الرؤوم التي في مخيلته دوما وأبدا هي رمز الكرامة وطبعا الأمر يتعلق بإيران الفارسية، ليضيف حسن نصرالله في الدرس الحسيني البليغ الذي ألقاه من شاشة عملاقة على مريديه وموجه للعالم السني خاصة، أن المهدي المنتظر والغائب في السراديب الذي يوصف بحجة الإسلام في عقائدهم، سيركع النّواصب وسيجعل راية الحسين تشق طريقها من غزة إلى القاهرة، ولم يفوت الفرصة لإعادة مشاهد حرب تموز 2006 للواجهة والتي هي بمثابة النصر الأعظم الذي سيليه فتح القدس وتحرير الأمة، حسبما ظلوا يرددون دوما في مختلف محاضراتهم وخرجاتهم الإعلامية المختلفة، وحتى طقوسهم المناسباتية التي تتجلّى مرة في عاشوراء وأخرى في مشاهد تبادل الأسرى.
إن الشيء الذي لا يمكن تجاهله في هذا الموضع لمدى خطورته، أن حسن نصرالله شبّه شهداء غزة بشهداء الحسين (ر) في كربلاء، والمسلّم به في العقائد الشيعية أن أهل الكوفة السنّيين هم من قتلوا الحسين وأصحابه، ولا يوجد بها أي شيعي لأن زياد بن أبيه لما ولاه معاوية بن أبي سفيان طاردهم وتعقّبهم لأنه يعرفهم حسب رواياتهم طبعا، وهذا يعني أنهم لا يختلفون أبدا عن الصهاينة الذين يحرقون الشعب الفلسطيني، وبناء على معادلة “حزب الله” هذه فكلّ عربي سنّي مهما بلغت درجته هو صهيوني، فإن كان عالما فهو حاخام وإن كان غير ذلك فلا يختلف عن جنود جيش إسرائيل، أليست هذه دعوة واضحة من حسن نصرالله لإبادة أهل السنة في العراق والأهواز ولبنان ومصر وفلسطين وفي كل بقعة من العالم، أليست المساواة بهذه المقاربة التاريخية التدليسية لها حسابات سياسية متخفية ومشفرة لا يتنبه لها أولئك الذين تتحكم فيهم عواطفهم وتسوقهم الشعارات؟ أليست مساومة للمستضعفين في غزة بخيار التشيّع من أجل عتق رقابهم من نيران المجازر القائمة والأخرى القادمة؟!!
يتبع
—
انور مالك – فرنسا
—————————————
الموقع الإلكتروني