زياد اللهاليه
ما يحصل في قطاع غزة يتجاوز كل المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية وكل الشرائع السماوية ويتجاوز حدود العقل والمنطق ما يحصل من قتل الأبرياء والأطفال والشيوخ والنساء واستهداف البشر والحجر ولا حرمة للبيوت الآمنة والمساجد والمستشفيات والبنى التحتية وما يرتكب في قطاع غزة من مجازر هو تعبير حقيقي للوجه المسخ للاحتلال وللنظام العربي الرسمي ولولا هذا الصمت المخزي لما تجرأت إسرائيل على فعلتها
لم يشأ رئيس الوزراء الإسرائيلي اولمرت وطاقمه العسكري توديع العام 2008 واستقبال العام الجديد دون وضع بصمتهم بارتكاب أبشع المجازر قذارة في القرن الواحد والعشرين من حيث دمويتها واستهدافها مدنيين عزل لا يمتلكون من وسائل الدفاع عن النفس الا الإرادة والعزيمة على الصمود ويرضخون تحت احتلالها وإلقاء أكثر من 60 طن من المتفجرات المحظورة دوليا والتي تحول البشر إلى أشلاء مقطعة الأوصال والبنايات إلى ركام خلال الضربة الأولى , لقد تعود الشعب الفلسطيني على هذه المجازر وأصبحت من الروتينيات الطبيعية في حياته ان يستباح دمه وعرضه وأرضة ومقدساته على مسمع ومرأى العالم ولا يحرك ساكنا أكثر من بيانات الشجب والاستنكار
ان الحرب المعلنة على قطاع غزة هي تعبير حقيقي لثلاث نقاط او عناوين رئيسية وهي :.
· استحقاق انتخابي بين الجنرالات العسكرية والأحزاب السياسية فأكثرهم دموية وفاشية يستحوذ على أصوات الناخبين وهذه الطقوس الهلكوستية القائمة على الدم الفلسطيني المسال والمستباح والأشلاء المقطعة لتقدم قرابين على مذبح ومسلخ الانتخابات الإسرائيلية لكي يستحق مرتكبها الفوز الساحق وهذا ما ارتكبه شمعون بيرس عام 1996من مجزرة قانا وما ارتكبه إسحاق رابين من سياسة تكسير العظام في الانتفاضة الأولى وغيرهم ممن ارتكب مجازر يندي لها الجبين الإنساني
· الثار من الهزيمة الساحقة على لبنان تموز 2006 حيث منيت إسرائيل بهزيمة قاسية وتلطخت سمعة الجيش الذي لا يقهر في الوحل اللبناني وخرج من هناك يجر أذيال الخيبة والانكسار والذي أودا بمصير اكبر الجنرالات والقيادات العسكرية بمصيرهم السياسي والعسكري وأريد من هذه الحرب إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية ورئيس وزرائها اولمرت الذي أيضا تلطخت سمعته بالفساد والنكسات والهزائم , وأريد من غزة المفجوعة والمحاصرة والمثكولة والتي لا تمتلك من الدفاع عن نفسها شئ لتحقق لإسرائيل النصر المسلوب
· كسر إرادة الصمود والمقاومة فبعد عام ونصف من الصمود في وجه الحصار وزيادة شعبية حماس تحت الحصار وبناء المقاومة نفسها والتدريبات المكثفة على المقاومة الشعبية وحرب العصابات والخوف ان تتحول قطاع غزة إلى جنوب لبنان وحزب الله ثاني خطط لهذه الحرب ألاستئصاليه للمقاومة وتدميرها في مهدها كما يرى وزير حربها براك ,وتحسين شروط التهدئة عبر فرض تهدئة طويلة الامل مع استمرار الحصار ,اذا هي معركة كسر الإرادات وكسر ثقافة المقاومة والممانعة وما الحكم على أمين عام الجبهة الشعبية احمد سعدات ب 30 عام وعزيز ألدويك والبرغوثي الا حلقة من حلقات كسر الإرادات والمقاومة .
ولكن إسرائيل لن تقدم على هذا العمل دون توفر الغطاء الرسمي لعملياتها العسكرية ودون ان تحصل على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة ولكن الغرابة في الموضوع ان تعلن وزيرة الخارجية الإسرائيلية بدء العمليات العسكرية من عاصمة عربية وبعد خروجها من اجتماع مع القيادة المصرية وفي مؤتمر صحفي مع ابو الغيط بتهديد حماس والوعيد بتغيير الواقع واللعبة في قطاع غزة دون استنكار او اعترض الجانب المصري وهذا دليل على علم الجانب المصري ومباركته للعملية العسكرية وعلى تواطؤ النظام العربي الرسمي بصورة مباشرة او غير مباشرة وهذا ما أكده الناطق بسم الحكومة الإسرائيلية أوفير جندلمان ان الدول العربية تدرك ان حماس تجاوزت الخط الأحمر ووزيرة الخارجية قالت ان إسرائيل أبلغت دولا عربية بالعملية ، وما تأجيل انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب إلى يوم الأربعاء او انعقاد القمة العربية إلى يوم الجمعة الا ذريعة لإعطاء إسرائيل مهلة كافية للإنهاء واستكمال العملية العسكرية في قطاع غزة , ونحن بدورنا لا نعقد الآمال على النظام العربي الرسمي وهو يدرك ذلك جيدا أكثر من الإدانة والشجب والاستنكار لأنه لا يمتلك الإرادة وقراره السياسي ولكن نراهن على ارادة الشعوب العربية وعمقنا القومي والإسلامي وأحرار العالم في الوقوف إلى جانبنا عبر المظاهرات والاعتصامات امام الهيئات الدولية والسفارات الأوروبية والتنديد بجرائم الاحتلال وان يكون هذا التصعيد الشعبي تصاعدي وليس ليوم واحد
وهذا لا يعفي السلطة الفلسطينية وحركة حماس مسؤولية الانقسام السياسي كمبرر للاحتلال باستغلاله للاستفراد بكل طرف على حدة ووقف الحوار والمصالحة بدل من التسامي على الجراح ورأب الصدع وترتيب البيت الفلسطيني فنحن في مرحلة تحرر وبحاجة ماسة إلى الوحدة والتماسك ومواجهة الاحتلال موحدين متماسكين على قلب ويد رجل واحد بدل التشرذم والانقسام والعصبوية التنظيمية المقيتة ,ونحن هنا لسنا بصدد جلد الذات وتحميل المسؤوليات فالاحتلال هو المسئول الأول والأخير.
ما يرتكب في قطاع غزة هو كسر للإرادات ويمثل صراع قوى إقليمية ودولية تريد فعلا ان تغير اللعبة السياسية وتحقيق مكاسب سياسية واقليمية وامتلاك أوراق ضغط جديدة والقضية أصبحت تتجاوز قطاع غزة والقضية الفلسطينية , والخوف الآن أصبح على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني وان لا يتحول إلى رهينة بيد قوى خارجية
ان الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال هو تصعيد المقاومة بأشكالها المختلفة ووقف المفاوضات العبثية مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني والتنصل من الاتفاقيات التي وقعت مع الاحتلال والتي أنهتها الدبابات والطائرات الإسرائيلية منذ عام 2000 بعد فشل مباحثات كامب ديفيد مع الرئيس الراحل عرفات ومحاصرته في مقر اقامته وانتفاضة الأقصى, وبدء الحوار الفلسطيني فورا دون أي اشتراطات مسبقة وترتيب البيت الفلسطيني ومنظمة التحرير من الداخل على أسس وثوابت وطنية تشرع المقاومة وتتمسك بالثوابت الفلسطينية وتحرص كل الحرص على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني الذي دفعنا دماءا غالية من اجل الحفاظ عليه .
اعتقد ان الأيام القادمة حبلا بالمفاجئات وان العملية العسكرية لن تنتهي في يوم وليلة بل سيكون هناك اجتياح بري وتقسيم القطاع الى كنتونات ومربعات عسكرية لكي يتم التحكم فيها عسكريا وتدمير الأنفاق الشريان الذي يغذي القطاع في ظل الحصار