لا عودة للتهدئة .. نهجان في مواجهة العدوان
بقلم : زياد أبوشاويش
بات واضحاً أن العدوان الإسرائيلي الحالي ليس للرد على صواريخ المقاومة البسيطة، كما أنه لا يستهدف إضعاف حركة حماس فقط بل هو تحرك إسرائيلي واسع النطاق وضمن استراتيجية هجومية هدفها إكمال خطة دايتون في الضفة الغربية من أجل إحالة كل المسألة الفلسطينية باتجاه واحد هو المفاوضات وتصفية جيوب المقاومة كلياً أو بالحد الأدنى لجم أي اندفاع فلسطيني للمواجهة الميدانية عبر تعميم حالة من الإحباط أساسها الحجم الكبير من الدمار والعدد الأكبر من الشهداء والجرحى، في ظل تكتيك صهيوني اعتمد في الدرجة الأولى على دعم وضوء أخضر من الأمريكيين والأوروبيين وعلى تواطؤ عربي واضح، أو في أقل تقدير صمت وموافقة ضمنية على الهدف الإسرائيلي، وهو ما تكرر في حرب تموز يوليو من عام 2006 مع حزب الله ، لكنه هذه المرة غير معلن لغياب المبرر الكافي للتسويق في الشارع العربي.
ويدل على هذا التقدير حول التواطؤ أو الضوء الأخضر أو الموافقة الضمنية نهج التعاطي الذي يتبعه هؤلاء في علاج الأزمة الراهنة والتي خلقها العدوان الإسرائيلي المدمر وغير المسبوق على غزة وجملة التحركات العسكرية في الضفة الغربية.
بدايةً لابد أن يكون واضحاً أن عودة التهدئة أصبح أمراً بعيد المنال من الزاوية الواقعية لأن حجم الألم والدمار الذي أحدثه العدوان الحالي سيلجم أي صوت ينادي بالتهدئة أو وقف النار مع العدو الإسرائيلي لأن ما وقع وما فعلته اسرائيل هو أقصى ما يمكن أن تفعله في هذا الوقت القصير من عمر المعركة وبالتالي لم يعد هناك ما يخشى منه في استمرار الاشتباك أو إطلاق الصواريخ التي تتذرع بها اسرائيل لتغطية عدوانها الوحشي على الشعب الفلسطيني سوى أن تلجأ لاغتيال القادة السياسيين للفصائل الفلسطينية وفي مقدمتهم قادة حماس الأمر الذي وضعته هذه القيادات في اعتبارها قبل بدء المعركة وقامت بعمل الترتيبات الخاصة لمواجهته.
إذن البديل المفترض لعدم تجديد التهدئة هو استمرار العدوان والاشتباك مع أي تقدم بري إسرائيلي والتحرك الجماهيري وتوسيع دائرة المقاومة لتشمل عدة جبهات عسكرية وسياسية، أو بتخفيف الهجوم الصهيوني والإقرار بالهزيمة، بمعنى الفشل في تحقيق الهدف الإسرائيلي الذي أشرنا له آنفاً وهو ما سيجعل المعركة تستمر لفترة طويلة باعتبارها أحد مواضيع الدعاية للانتخابات الإسرائيلية الداخلية والذي سبق أن أشرنا له سابقاً في معرض الحديث عن التوظيف الإسرائيلي للدم الفلسطيني في معركة الانتخابات للكنيست القادمة.
وفي ظل المعطيات الراهنة وجملة ردود الفعل العربية والفلسطينية على التحرك الإسرائيلي ومركزه العدوان واسع النطاق على غزة فإننا نلاحظ وجود نهجين أو منطقين في التعاطي العربي مع هذا الأمر الأول هو ما تمثله مصر والسلطة الفلسطينية والسعودية وبعض الدول الأخرى والثاني هو ما تدعو إليه قوى المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة مسنودة ببعض الدول العربية كسوريا وليبيا والجزائر وجماهير الأمة العربية والإسلامية بأكملها.
وهناك منطق ثالث أو منهج ثالث يمكن وصفه بالمتطرف لا يرى المعطيات بشكل صحيح وينحو للانتحار تحت ذرائع ومبررات خاطئة ووهمية وهذا لن نناقشه باعتباره لا يمثل سوى الأقلية في الرأي العام العربي والفلسطيني.
المنهج الأول عبر عنه السيد أبو الغيط وزير الخارجية المصري أثناء مؤتمره الصحفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالإشارة المحددة لأهداف التحرك المصري لمعالجة الأزمة والمتمثلة في ثلاث نقاط هي وقف النار من الجانبين والعودة للتهدئة كهدف في حد ذاته دون ربطه بأي أمر آخر كفتح المعابر وفك الحصار وشمول التهدئة الضفة الغربية أو حتى الإفراج عن الأسرى، والنقطة الثانية إيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة واستقبال الجرحى عبر معبر رفح، والثالثة وهي متضمنه في النقطة الأولى بوقف الهجوم الإسرائيلي أو ما أسماه بطريقة خجولة العدوان على غزة. ومن الواضح أن جوهر الموقف المصري هو التهدئة بدون أي شروط وهو ما يعني تطابقاً كلياً مع جوهر الموقف الإسرائيلي وتحقيقاً للهدف
الذي أشرنا له في مطلع حديثنا المتمثل في وقف كل مقاومة يمكن أن تعرقل نهج المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي واعتبارها ممراً إجبارياً وحيداً للحل في المنطقة، وهو ما جربه العرب والفلسطينيون على مدار سنوات طويلة بدون أي فائدة أو نتيجة، كما أنه يدل على عجز السلطة الفلسطينية و الأنظمة العربية عن إيجاد بديل حقيقي مقبول لمفاوضات عبثية تعتمد في جانبها الإسرائيلي على تفوق عسكري شامل، وانحياز أمريكي كامل أيضاً مع ارتهان هذا الفريق للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب متنوعة وعديدة من أبرزها غياب الديمقراطية وحرية النشاط السياسي في هذه الدول مع استخفاف فاضح بالرأي العام فيها ناهيك عن المساعدات المالية.
أما النهج أو المنطق الآخر فهو الذي يعتمد على الحقائق والواقع والامكانات المتوفرة بين أيدينا في ظل فهم عميق لميزان القوى مع العدو والمخزون الثوري لدى شعبنا وأمتنا، هذا الفهم الذي يقول بأن الوقت ليس هو الأنسب لمعركة كسر عظم مع عدو متفوق، لكنه ليس وقت الاستسلام ولا النكوص عن خوض معركة التصدي للعدوان وإدامة الاشتباك مع هذا العدو الذي لا يردعه سوى إحساسه بالألم والنار تحرق أصابعه، منهج التوازن بين القدرة على الاستمرار وتجنب نقاط قوة العدو مع التركيز على ضربه في نقاط ضعفه التي نعرفها جيداً وكمثال شديد الوضوح فإن ما تفعله عملية استشهادية واحدة في صفوف العدو على مختلف الأصعدة يساوي ألف صاروخ كالتي نطلقها على المستوطنات الإسرائيلية بل أكثر، وكما قلنا فإن معركتنا طويلة ومستمرة. إن رفض القبول بشروط التهدئة الجديدة تحت التهديد وإرهاب المجازر هو الموقف الصحيح وعلى من ينادي بوقف إطلاق النار أن يقدم البديل الحقيقي للشعب الفلسطيني بعد أن يعلن صراحة وبالممارسة إدانته للعدوان ولاستهداف المدنيين العزل وليس انتقاد صواريخ المقاومة التي يلجأ لها الشعب اضطراراً في قطاع غزة. البديل الذي يعني عودة الحقوق وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وليس المراوغة وطريق المحادثات العبثية، أو التهدئة بلا طائل.
إن أفضل ما أفرزته الاعتداءات غير المسبوقة على أهلنا في قطاع غزة تلك الروح الوحدوية والتضامن الحقيقي الذي تجلى بوضوح في كل الشعارات التي رفعت وقيلت على امتداد الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة وداخل الخط الأخضر، هذه الشعارات التي صبغت كل التحركات والنشاطات التضامنية مع غزة في الداخل والخارج. لقد حان وقت الوحدة والعودة لخيار الشعب الفلسطيني المتمثل في البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ووثيقة الأسرى والذي وافقت عليه كل فصائل وقوى شعبنا المختلفة بما فيها حماس وجوهره مقاومة الاحتلال واستمرار الاشتباك التاريخي حتى تحقيق أهدافنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة ورفض كل دعوات الخضوع والمهادنة تحت شعار وقف المجزرة ووقف العدوان ودرء الخطر عن شعبنا فالموت أكرم لشعبنا من الاستسلام في كل الأحوال.
زياد ابوشاويش