تجديد المقاومة لا تجديد التهدئة؟!!
مصطفى إنشاصي
منذ أن فُجِعنا بإعلان العدو اليهودي حرب الإبادة الجماعية على غزة يوم 27/12/2008، لأن حجمها تلك الحرب لا يتناسب مع ردة فعل العدو على إطلاق كم صاروخ من غزة على الأراضي المحتلة عام 1948 بعد انتهاء مدة التهدئة، وهو يعلم أن تلك الصواريخ ليست مقاومة ولا عودة للمقاومة وتصحيح للخطأ الذي صادر حقوقنا وفرط بثوابتنا بتوقيع التهدئة، ولا هي حرب تحرير جديدة الهدف منها اقتلاع المحتل الغاصب من وطننا، ولكنها وسيلة لتحسين شروط التوقيع على تهدئة جديد، كما كانت الانتفاضة الثانية في نظر السلطة الفلسطينية وسيلة لتحسين شروط التفاوض! وذلك ما شجع ذلك العدو المتعطش للدماء الفلسطينية خاصة وهو على وجه انتخابات جديدة، والدم الفلسطيني عادة ما يكون هو الذي يرفع أو يخفض أسهم هذا المرشح اليهودي أو ذاك على هذا العدوان وغن كان في الأصل العدو لا يحتاج إلى مبررات لعدوانه. فضلاً على أن وزير العدوان اليهودي أيهود بارك يُعتبر منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي من أشد أنصار فكرة أن الوضع العربي الراهن هو أنسب الأوضاع لفرض شروط العدو لأي تسوية أو تصفية للقضية المركزية للأمة ـ فلسطين ـ وأن على الساسة اليهود استغلال ذلك الوضع في تحقيق أكبر قدر من الأهداف اليهودية في وطننا، وذلك ما كان سبباً في فشل مباحثات كامب ديفيد عام 2000، وإعلان باراك بعدها هو ووزير خارجيته شلومو بن عامي: أن المعركة على اغتصاب الأرض قد بدأت، وأنه على العدو اليهودي استغلال الوقت لاغتصاب أكبر مساحة ممكنة من الأرض قبل التوقيع على أي تسوية نهائية!.
منذ بدء تلك الحرب الاستئصالية التي أعلن أيهود باراك أنها “حرب بلا هوادة” لأهلنا في غزة وتدمير ما تبقى من بنى تحتية هزيلة في غزة، وأنا أحاول كتابة شيء ولكن تسارع الأحداث والاستماع إلى التعليقات والمقابلات والتغطية الإعلامية المستمرة تشغلني عن الكتابة، خاصة وأنني وضعت بعض العناصر لعدة مقالات لها علاقة بالحدث منذ الساعة الأولى، بعد أن استمعت لبعض التصريحات والخطابات السياسية العقيمة من أمناء عامين لفصائل المقاومة وناطقين رسميين، تلك الخطابات الخشبية كما يحلو لبعض مَنْ صدرت عنهم أن يصفوا بها تصريحات مخالفيهم، تلك الخطابات السياسية التي تؤكد عمق جهلهم بالواقع الفلسطيني والعربي والدولي وواقع العدو اليهودي وسياساته بالذات، ويجرون مقارنة عجفاء وعقيمة تؤكد مزيد من عقم فهمهم ودرايتهم بأدوات ووسائل الحرب والمقاومة السياسية والعسكرية، وجهل بالجغرافية السياسية والاجتماعية والطائفية والعلاقات الإقليمية، خاصة عندما يحاولون الربط أو إسقاط ما حدث في لبنان في معارك مختلفة على فلسطين دون إدراك أن هناك فارق بينهما! إلى درجة تضطر المذيع أو مقدم البرنامج تذكيرهم بأن لبنان ليست فلسطين، فتجدهم يستدركون أنفسهم ويهدئون من لهجة خطابهم الخشبي، وهم قد خففوا كثيراً من تلك اللهجة العنجهية التي كرهونا أنفسنا من كثرة تكرارها على رؤوسنا، عن قوتهم وقدرتهم على إلقاء العدو اليهودي في البحر، وتوعدهم وتهديدهم غير المتعقل له، وكأن ذلك سيرهب العدو ويردعه عن الإقدام على عدوان لم يتصور احد في الكون أن يكون بهذه البشاعة، بعد هذا العدوان الهمجي، وبدؤوا يدركون أنه هناك فارق كبير في القوة بين العدو الصهيوني والفصائل الهزيلة في غزة، التي فرطت في ثوابتنا ولم تعد مقاومة من أجل التحرير ولكن من أجل تجديد تهدئة مع فك الحصار.
وهم إن كانوا أدركوا فارق القوة والإمكانيات والتسليح بينهم وبين المحتل اليهودي لوطننا، وأنه هناك فرق بين لبنان وفلسطين، إلا أنهم إلى الآن وغداً لن يستوعبوا: أن المقاومة تدرك دائماً فارق القوة بينها وبين المحتل ولا تغرها قوتها أو الانتصار في بعض المعارك أو نجاح أحد أو بعض أساليب حرب العصابات التي تستخدمها ضد عدوها، ولا تجمد على أسلوب واحد أو مجموعة أساليب قتالية كانت فاعلة في مرحلة ما ولم تعد فاعلة في مرحلة أخرى بعد تغير الواقع الجغرافي والعسكري والسياسي، ولكنها تسعى للبحث عن أساليب جديدة وتحسن دراسة وتحديد حسابات الربح والخسارة بينها وبين عدوها في صراعها ومراحل تحريرها، ولا تبقى حمقاء ومتخشبة عند مقولة: أنه طبيعي أن تتكبد الشعوب المحتلة في مراحل ثوراتها من أجل الاستقلال خسائر أكبر من العدو! ذلك صحيح ولكن لا يكون ذلك نتيجة خطأ الحسابات السياسية أو نتيجة استخدام أساليب قتالية كان يجب إن تتخلى عنها لعدم جدواها، أو بسبب عجزها عن تطوير نفسها وفكرها السياسي والعسكري من خلال سوء فهمها للواقع وقراءة متغيراته قراءة صحيحة، وكذلك إقامة تحالفات سياسية صحيحة تخدم القضية والمقاومة ولا تضرها، وتستفيد من دروس وتجارب التحالفات السابقة التي قامت بها أو قام بها من سبقها من ثوار وطنها أو العالم!.
ذلك الإدراك يفرض على قادتها وناطقيها الرسميين أن يكونوا مسئولين عن تصريحاتهم وتهديداتهم، ولا تخلط بين الحرب النفسية التي يجب أن تمارسها و تشنها ضد العدو من خلال خطابها السياسي لتضعف وتحطم معنويات جنوده ومواطنيه وبين قوتها الحقيقية. وأن الثورة والمقاومة تعوض ذلك الفارق في القوة من خلال وسائل عدة يجب عليها أن تلتزم بها وليس من خلال إطلاق العنان لتصريحات وتهديدات غير مسئولة ولا تستند لقوة سياسية أو عسكرية حقيقية، وتوازن قوة حقيقي بينها وبين قوة عدوها، وإلا سيكون مصيرها الفشل، ومن تلك لوسائل التي عليها أن تعوض بها فارق القوة:
إرادة الصمود والقتال عند جماهيرها المستندة إلى إيمانها بحقها في المقاومة ضد المحتل وتقرير مصيرها، وإدراك الجماهير أن العدو يريد أبادتها وكسر شوكتها وإرادة الصمود لديها ليصادر حقوقها الوطنية، لذلك عليها إن تتحلى بالصبر والثبات والإصرار على الحصول على حقوقها، ذلك يجعلها ر دائماً على استعداد للتضحية وتحمل جرائم العدو الوحشية ضدهم، وذلك ما يحتم على قيادة أي ثورة أن تعمل جهدها للحفاظ على وحدة الصف الداخلي، وعلى تلك الروح المعنوية العالية والاستعداد للاستشهاد عند الجماهير، ولا ترتكب أفعال تضعف منها أو تقضي عليها، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الحفاظ على الوحدة الوطنية، وإبعادها عن عبث الصراعات الإقليمية وتجاذباتها، ومن خلال تواضع قيادات الثورة لجماهيرها، ومشاركتها في المعاناة لا أن تعيش تلك القيادات في أبراج عاجية عقلياً ونفسياً وواقعياً تعزلها عن واقع ومعاناة الجماهير التي هي مَنْ يقدم الغالي والثمين وتجود بالمال والنفس من أجل تحقيق أمانيها الوطنية، فلا تعد تشعر بها أو بحاجاتها ومعاناتها وحجم تضحياتها.
كما أن المقاومة تدرك أنها تعوض فائق القوة بينها وبين عدوها من خلال اعتمادها على سياسة النفس الطويل في حرب تحريرها، والضربات الموجعة والمركزة ضد العدو جنوده ومواطنيه، تمارس سياسة استنزاف قوة العدو من خلال حرب استنزاف لا تتوقف لا بتهدئة ولا هدنة ولا بصراعات داخلية على مكاسب هزيلة مهما كانت قيمتها، ومن خلال استخدام أساليب وتكتيكات قتالية وحرب عصابات تساعدها على الالتحام مع العدو عن قرب وتوقع فيه أكير الخسائر، تلك الخسائر التي يجب انتقاء أهدافها بدقة حتى ترفع كلفة الاحتلال وتجعل تكاليف استمراره أكبر من انسحابه وخروجه من الوطن الذي يحتله.
…يُتبع