العدوان الإسرائيلي على غزة سبب حرجا للرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، ووجه أول ضربة لسياسته الخارجية في الشرق الأوسط الرامية إلى إبرام “صفقة” سلام مبكرة، وهو ما جعل أوباما يفضل الصمت، ولم يخرج بأي تصريح أو موقف بشأن عملية “الرصاص المتدفق” التي تنفذها قوات الاحتلال بالقطاع، بحسب صحيفة ” تايمز” البريطانية.
جاء ذلك في الوقت الذي حذر خبير أمريكي في شئون الشرق الأوسط
من تعليق آمال كبيرة على إدارة أوباما في التوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وقالت الصحيفة البريطانية في عددها الصادر اليوم الإثنين: إن “أوباما لم يتخذ موقفا محددا حيال الغارات الإسرائيلية على غزة، رغم إدراكه التام هو وفريقه أن ذلك العدوان سدد ضربة قوية لآماله في التوصل إلى صفقة سلام بالشرق الأوسط في وقت مبكر من رئاسته”.
وأضافت الصحيفة: كل ما فعله السيد أوباما هو إجراء اتصال هاتفي بوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس استغرق ثماني دقائق، السبت الماضي، وتباحث مع مستشاريه خلال عطلته الحالية التي يقضيها في هاواي بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي في غزة.
وبرر ديفيد إكسلرود، وهو أحد المستشارين المقربين من أوباما، صمت الرئيس المنتخب، بأنه “خلال هذه الفترة الانتقالية ليس هناك سوى رئيس واحد، وإن الرئيس جورج بوش يتحدث باسم الولايات المتحدة حتى الـ20 من الشهر المقبل”.
غير أن هذا التبرير يتناقض مع القضايا العديدة وفي مقدمتها الأزمة المالية التي حرص أوباما خلال الفترة الانتقالية على أن يدلي برأيه فيها، كما تلفت الصحيفة.
ورغم هذا الموقف الصامت، صرح إكسلرود في تصريحات لشبكة “سي بي إس الأمريكية” الأحد 28-12-2008 قائلا: إن “أوباما عازم على العمل من أجل السلام في الشرق الأوسط، خاصة أن الوضع بات على ما يبدو أكثر تعقيدا في اليومين الماضيين”.
“أزمة غير متوقعة”
غير أن الصحيفة البريطانية رأت أن التصعيد الإسرائيلي وضع أوباما ووزيرة الخارجية في إدارته هيلاري كلينتون أمام أول أزمة غير متوقعة في سياسته الخارجية، والتي تأتي في توقيت بالغ الحرج، وسط ملفات شائكة تنتظره أبرزها “العراق، وأفغانستان، وباكستان، وإيران، وكوريا الشمالية، وروسيا”.
وأرجعت “تايمز” صمت أوباما إزاء العدوان الإسرائيلي إلى أن أي تصريح قد يؤخذ عليه، متساءلة: “كيف سيتعامل السيد أوباما مع الأزمة؟ وكيف يمكنه الدفاع عن حليفته إسرائيل في هذا الوضع تحديدا؟ وهل هو مستعد لتأزيم علاقاته بحلفائه الأوروبيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية؟!”.
وعلى الصعيد ذاته، أوضحت الصحيفة أن أوباما “سوف يجد دوره في هذه الأزمة معقدا، بسبب نفوذ اللوبي اليهودي المنحاز لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت قد يتعارض مع موقفها والموقف الأوروبي المتعاطف مع الأزمة الفلسطينية”.
وفي هذا الإطار لفتت الصحيفة إلى أن بريطانيا حددت موقفها أمس بدعوتها إلى “وقف فوري للعنف في غزة” مشيرة إلى أن رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون اتصل تليفونيا بنظيره الإسرائيلي إيهود أولمرت وطالبه باحترام حقوق الإنسان.
يأتي ذلك في الوقت الذي حملت فيه إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جورج بوش حماس مسئولية “عملية الرصاص المتدفق”.
وبدأ العدوان الإسرائيلي قبيل ظهر السبت بغارات عنيفة استهدفت المقار الأمنية والحكومية؛ مما أدى إلى تدميرها بالكامل، واستشهاد 318 ما بين مقاوم ومدني بينهم أطفال، وجرح 1400 آخرين حتى الآن، إضافة إلى استهداف عدد من المساجد والمنازل والمباني التعليمية.
لا آمال كبيرة
وفي سياق متصل، شددت الصحيفة البريطانية على أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة “لن يهدد فقط طموحات أوباما بشأن تسوية القضية الفلسطينية، ولكن أيضا أجندة السياسة الخارجية المتعلقة بالعالم العربي عموما، فأي موقف منحاز لإسرائيل سوف يضرب مصداقيته، أو أي بادرة لحسن النية تصدر عنه؟!”.
وبخلاف جورج بوش الذي تجمد اهتمام إدارته بالقضية الفلسطينية في فترات كثيرة، والرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي حاول الوصول إلى صفقة سلام أواخر فترة ولايته، تعهد أوباما ببذل جهود دفع عملية السلام منذ اليوم الأول لتوليه المنصب، وهو ما يضفي أعباء إضافية عليه.
وخلال حملته الانتخابية حرص أوباما على إبداء دعمه لإسرائيل؛ ففي يوليو الماضي زار مستوطنة سيدروت، التي تستهدفها باستمرار صواريخ المقاومة التي تنطلق من غزة، كما أعلن تأييده “ليهودية الدولة الإسرائيلية”، ورفض “حق العودة للاجئين الفلسطينيين”.
ذلك الدعم الواضح لسياسات إسرائيل جعل أرون ديفيد ميلر، وهو باحث في مركز “وودرو ويلسون الدولي” الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، ومستشار سابق لستة وزراء خارجية أمريكيين حول العلاقات العربية-الإسرائيلية، يحذر من تعليق آمال كبيرة على الإدارة الأمريكية المقبلة.
وقال لـ( سي إن إن): أظن أن لهجة السياسة الأمريكية ستتغير.. ستلحظون مجهودا جديا ستتخذه على عاتقها الإدارة الجديدة.
غير أنه أضاف في حديث مع الشبكة أنه ما لم يظهر الإسرائيليون استعدادا -وهو غائب حاليا- لاتخاذ القرار السياسي المطلوب لتجاوز الخلافات فإن الرئيس الجديد مهما كان شجاعا وفذا فلن يكون قادرا على تغيير الأوضاع، على حد تعبيره.