تظهّر الانقسام العربي بوضوح أمس على خلفية الدعوة إلى قمّة عربية طارئة لبحث الوضع في قطاع غزة. فبدا أن هناك تجاذباً سوريا ــــ قطرياً من جهة، ومصرياً من جهة ثانية، في وقت بقيت فيه السعودية على الحياد، وإن أبدت استعدادها لعقد القمّة. أول ضحايا التجاذب كان اجتماع وزراء الخارجية العرب، إذ لم يصمد إعلان الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، عن عقد الاجتماع أمس أو اليوم، ساعات قبل أن يخرج ليعلن تأجيله إلى يوم الأربعاء المقبل.
وبررت الجامعة العربية تأجيل موعد الاجتماع الوزاري «بأن كثيراً من الوزراء العرب مشغولون باجتماعات منفصلة لمجموعتين إقليميتين عربيتين هما مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي»، بحسب تعبير مصادر دبلوماسية عربية. وشدد موسى على أنه ناقش مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ترتيبات اجتماع وزراء الخارجية، «وكذلك الإعداد لقمة عربية طارئة يمكن أن تُعقد نهاية هذا الأسبوع في ضوء الاتصالات والمناقشات الجارية».
غير أنّ وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، استبعد في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع عباس في القاهرة أمس، عقد مثل هذه القمة قائلاً «لا أتصور أن نتحرك من دون إعداد جيد لهذه القمة، فالأولوية هي لوقف إطلاق النار وربطه باتفاق تهدئة» بين «حماس» وإسرائيل، وفتح المعابر، وهو ما سيكون المهمة الأولى للوزراء العرب في اجتماعهم، على حد تعبيره.
وفيما رأى أبو الغيط أن اجتماع يوم الأربعاء سيكون «بالغ الأهمية»، توقّع أن «يكون هناك موقف عربي ينقل إلى حماس وإسرائيل، وكذلك إلى مجلس الأمن، ثم نتحرك لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع التصور العربي موضع التنفيذ»، مشدداً على أن «إيقاف العمليات العسكرية لن يتمّ إلا من خلال حزمة متفق عليها تكون التهدئة أساسها».
وختم أبو الغيط كلامه بالتذكير بأن الأهداف الثلاثة التي ستعمل مصر لتحقيقها في الاجتماع الوزاري، هي وقف العمليات العسكرية، واستعادة التهدئة، وإدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وكانت مصادر دبلوماسية عربية مسؤولة شاركت في اجتماع المندوبين الدائمين للدول العربية لدى الجامعة مساء أول من أمس في القاهرة قد قالت إنه «جرى الاتفاق على عقد قمة عربية طارئة في الدوحة الجمعة المقبل لبحث الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، ولكن مصر متحفظة على عقدها».
وبدا أنّ القطب الآخر في محور «المعتدلين العرب»، أي السعودية، لم ينسّق موقفه مع القاهرة في ما يتعلق بالقمّة. فبعدما استنكرت الرياض «الاستخدام الأعمى للقوة الإسرائيلية»، رحّبت بعقد قمة عربية لبحث «تداعيات العدوان» على القطاع. وجاء في بيان أصدره «مصدر سعودي مسؤول»، بثته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أن «المملكة ترحب بأي لقاء عربي سريع للنظر في ما يجب على العرب القيام به تجاه المجازر التي ترتكبها إسرائيل».
وفي معرض الموقف السعودي من مجازر آلة القتل الإسرائيلية، أشارت الوكالة إلى أن الملك السعودي عبد الله أجرى اتصالاً هاتفياً عاجلاً مع الرئيس الأميركي جورج بوش لحثّه على وقف المجزرة.
كما شدّد وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، على أنّ اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ «سينظر في دعوة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لعقد قمة عربية طارئة». وعلى حدّ تعبير الفيصل، فإنّ قمّة مجلس التعاون الخليجي في مسقط اليوم ستبحث تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي ما يتعلق بالقمة العربية التي تبقى مجرد احتمال، جزم الزعيم الليبي معمر القذافي، بأن بلاده لن تشارك فيها. حتى إن القذافي سخر من عقد القمة متسائلاً «كم اجتمعتم في قمة طارئة؟ هل أول مرة تعملون قمة طارئة؟ كم مرة عملتم قمة طارئة من أجل فلسطين، ماذا عملتم؟». وكان القذافي قد حثّ القادة العرب على سحب «المبادرة العربية» (للسلام) التي وصفها بأنها «مؤامرة عربية».
وكان لدمشق موقف جديد، أمس، كشف عنه «مسؤول حكومي رفيع المستوى» لوكالة «أسوشييتد برس»، ومفاده أن القيادة السورية قررت تعليق مفاوضاتها غير المباشرة التي تخوضها مع الدولة العبرية بوساطة تركية لأن «الاعتداءات الإسرائيلية أقفلت أبواب أية مفاوضات سلميّة في المنطقة».
ولم يصدر أي بيان رسمي سوري يؤكد أو ينفي الخبر المذكور. غير أن مصادر سورية مطلعة أكّدت لـ«الأخبار» أن «العدوان الإسرائيلي على غزة أوقف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوسيط التركي».