ذ.محمد زمـــران
لأول مرة في حياتي المهنية أمسك القلم مركزا على الورقة .. أنتظر عقلي أن يرسل بمخزونه للقلم ليكتب، طال الوقت ولم يكتب شيئا .. الورقة لازالت بيضاء كما هي، هل انتهى الكلام ..؟ هل مشاكل الدنيا انتهت ..؟ هل جف القلم ..؟ أم أني تعبت من الكتابة ..؟ لا.. ولا، لاهذا ولاذاك، انه فقط الحدث .. الحدث الذي هو أكثر وأكبر من أن يستوعبه عقل أو يتحمله قلم .. حدث شيوع خبر المجزرة المروعة التي تعد أكبر مجزرة منذ 1948، والتي أقدم عليها الجيش الصهيوني الغاشم في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، خارقا بذلك القوانين والأعراف الإنسانية في وقت يتأهب فيه العالم للاحتفال بمقدم السنتين الجديدتين (الهجرية والميلادية ) وسرعان ما قفز إلى ذهني السؤال التالي: القضية الفلسطينية هل هي عربية أم إسلامية..؟ واهتديت في الأخير بأن هذه المسألة أسالت الكثير من المداد، وأثارت جدل عدد كبير من رجال الفكر والثقافة في الوطن العربي والإسلامي على حد السواء، حيث حاول كل من انبرى للمسألة الانتصار بطريقة أو أخرى لأحد الرأيين اللذين يحكمانها .. قال فريق بعروبة القضية، لأن الصهيونية تستهدف بناء إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات على انقاض العالم العربي، وهذا كلام ابن جوريون ((David Green 1886/1973 حينما أعلن عن قيام إسرائيل: ” ليست هذه نهاية كفاحنا، بل إننا اليوم قد بدأنا، وعلينا أن نمضي حتى نحقق قيام الدولة التي كافحنا من أجلها، من النيل إلى الفرات”، وقد سئل سنة 1957 عن عودة الفلسطنيين إلى أراضيهم، فقال: ” ان عقارب الساعة لن تعود إلى الخلف “، ومن أقوال هذا المجرم أيضا: ” بالدم والنار سقطت يهود وبالدم والنار ستقوم ثانية” ويظهر جليا أن ورثة عدو الإسلام اللذوذ سائرون على خطاه .. لهذا يجوز القول بأن العرب هم المستهدفون من المشروع الصهيوني، وبالتالي القضية قضيتهم ولا دخل لأحد غيرهم فيها، وذهب الفريق الثاني إلى أن الفلسطنيين ماأخرجوا من ديارهم إلا لأنهم مسلمون يؤمنون باللـه ربا وبالإسلام دينا، وكما هو معروف منذ الأزل ففلسطين ليست مجرد وطن عربي فحسب، بل هي أرض مقدسة باركها اللـه وربطها بالعقيدة الإسلامية، فيها المسجد الأقصى مسرى رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم، ومهبط الوحي وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ولذلك فهي لاتخص الفلسطنيين وحدهم ولاتخص العرب وحدهم، بل تخص المسلمين جميعا أينما كانوا، والعمل على تحريرها فريضة إسلامية في عنق كل مسلم، لكن الواقع يقول غير هذا، لأن المسلمين يتعاملون في كل هجمة شرسة على الأراضي الفلسطينية، ومايتخللها من دمار واسع وسقوط جثت الشهداء، قلت تتعامل مع كل هذا كمشاهد من مسلسل تلفزيوني، أو عرض مسرحي من الزمن القديم، رغم أنها (المشاهد) هي أسوأ ما تحتفظ به الذاكرة.
ولعمري ذلك هو الهدر .. وذلك هو الجدال الفكري العقيم .. جدال لايفرز إلا مهاترات كلامية تساهم في تجميد النضال وتولجه سجن العدمية واللافعل، إن المسألة – الإشكالية في عرف المثقفين ورجال الفكر- قائمة برمتها على أسس مغلوطة مؤطرة بنيات خبيثة ومبيتة تستهدف خلق الولاءات وتشتيت حركة الجهاد، وبالتالي ضرب القضية في العمق، وإلا فلماذا تجرأت وزيرة خارجية إسرائيل وهي فوق أرض الكنانة على الإعلان عن اجتياح شامل لغزة، دون أن تحمر وجنتاها من الخجل، أوتجد من يغير هذا المنكر ممن كانوا محلقين حولها، وكأنها ما كانت بزيارتها هذه تبحث إلا عن الضوء الأخضر لمباشرة العدوان على الفلسطنيين وخلال هذا الذي هو من الأشهر الحرم التي حرم اللـه فيها القتال، وعليه .. فالانشطار الفكري وتقسيم الولاء يوهن الجسم الصامد ويورث من ثم المزيد من الهزيمة، ووقائع التاريخ خير شاهد على ذلك .. مجازر جماعية وإبادة أبناء الشعب الفلسطيني أمام أعين الأمة العربية التي لم يعد بمقدور حكامها إلا إعادة تشغيل الأسطوانات المشروخة منذ أمد بعيد، المتمثلة في التنديد والإدانة والدعوة إلى التضامن المطلق – ولكن بعيدا عن أرض الوغى- وانعقاد القمم والمؤتمرات وغيرها من الاجتماعات التي لاتنفع ولاتضر مثلها مثل حليب الحمـا.. (حاشاكم) ولاغرابة أن يتقرر عقد قمة طارئة على هامش هذه المجزرة، ومتى ذلك ياترى ..؟! قيل واللـه أعلم يوم الجمعة المقبل، إذن واجهوا الموت أيها الفلسطنيون وانتظروا توصيات وقرارات القمة التي سوف تنعقد أو لا تنعقد ( انتما وزهركم ) وهذا هو الوضع الذي شجع الاسرائليين على التمادي في غيهم، بحيث أنهم يعرفون أكثر من غيرهم بأن العرب لاتجمعهم أية وحدة، وهم والاتفاق متخاصمون، ولو لم يكن الاسرائليون يعلمون هذه الصفة التي تجمع حكام العرب لما تجرؤوا على الإقدام على فعلتهم هذه.
إن الجهاد ياسادة على أرض فلسطين ينبغي أن يبقى مجردا من أي لباس إيديولوجي، ولنتذكر جميعا ماخسرناه من الاعتمادات على الاتحاد السوفياتي في إقامة الدولة الفلسطينية .. بحيث بين عشية وضحاها تفككت أوصال الجمهورية السوفياتية وتبخرت في الهواء الأحلام العربية .. إن العرب و المسلمين مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى
0;بالاتفاق حول هذه الحقيقة الواضحة: معركتنا مع اليهود معركة حضارية شاملة وليست معركة سياسية تحل بالمفاوضات، والخطب الفارغة والتحلق حول موائد الولائم والتوسع في الملذات والشهوات، من المآكل والمشارب، مع نسيان أن البطنة تذهب الفطنة، ولاينبغي المزيد من بعثرة الجهود بالاختلاف حول الاختيار بين النظرية الإسلامية والنظرية العربية القومية، فلا يهم أن يكون القط أسود أو أبيض، المهم أن يصطاد الفئران ..!
0;بالاتفاق حول هذه الحقيقة الواضحة: معركتنا مع اليهود معركة حضارية شاملة وليست معركة سياسية تحل بالمفاوضات، والخطب الفارغة والتحلق حول موائد الولائم والتوسع في الملذات والشهوات، من المآكل والمشارب، مع نسيان أن البطنة تذهب الفطنة، ولاينبغي المزيد من بعثرة الجهود بالاختلاف حول الاختيار بين النظرية الإسلامية والنظرية العربية القومية، فلا يهم أن يكون القط أسود أو أبيض، المهم أن يصطاد الفئران ..!
للإشارة فقد تناولت اليوم هذا الموضوع لأشارك من جهتي إخواني الكتاب في التعبير عن إدانتي للتصعيد الخطير، وبالمناسبة أضم صوتي إلى كل الغيورين الذين يدعون دول المجتمع للتصدي لإسرائيل من أجل ثنيها عن أعمالها الإجرامية التي تهدد الأمن والسلم على صعيد المنطقة، رغم أن هذا ( التصدي ) مرهون بتوفر الإرادة لضمان ذلك.