حين يكون الجرح عميقاً لا نشعر بالألم على الفور، ولكن ندرك بعد ذلك، مدى الفاجعة. الصواريخ التي تسقط فوق غزة ليست حلوى يوزعها بابا نويل بمناسبة رأس السنة الميلادية، بمناسبة ميلاد سيد السلام والمحبة .. لا أبداً، إنها رسائل موت موقوتة، تحصد أرواح الأبرياء وكلّ من تجرّأ على ممارسة الحياة. عنوة تأخذ غزة اليوم نصيبها من المجزرة. تدفع ثمن الأخطاء السياسية المتراكمة والمفهوم الخاطئ للحلّ السلمي. غزة تدفع ثمن الانقسام الخطير الذي أودى بالكرامة الفلسطينية إلى الحضيض.
الجرح يا غزة مؤلم، وتبقى الكتابة وسط هذا الجحيم المخيم فوق سماؤك اجترار للذات، وسلخ للروح فوق كتل من الشوك. كيف السبيل للارتقاء بطيفك نحو عوالم أكثر بهاءً؟ والأسئلة ما تزال تفرض نفسها وسط حمام من دماء الأبرياء فيما وراء تاريخ الإنسانية الحديث. كيف يا غزة أعيد إلى وجنتك خفر العذارى؟ كيف نحتفل بعيد رأس الموت المترفل بحبيبات الثلج البيضاء الناصعة؟
الجرح يا غزة لا يندمل، أعض أصابع يدي دون هوادة، وأبكي كما لم تفعل مريم يوما ما، وأبكي لأنه أصبح من السهل قلب صفحة الكاميرا، ووضع لفافات القطن في الآذان، يا وطني الذي شرّحه المبضع، وتركه معلقا ما بين الموت والحياة. وليمة شارك في إعدادها أشباه بشر، يحاولون إخفاء الشمس بغربال وضح النهار. وكأنهم يقدرون! للحظة، لوهلة، لجزء من الثانية، هكذا يسيرون في جنازة القتيل بعد أن أمعنوا طعنا بجسده. باسم الحياة أشعل شمعة، وحيداً كالعادة، أرفض لعنة الأمس والحاضر، وأحاول جاهداً القفز ما بعد حدود الغدّ، لعلّي أستشف ربيعاً مبيتا يا غزة. لعلّي أقدّم روحي من أجل خلاصك .. أنا وأنت يا وطني اليوم إلى المسلخ.