د. فايز أبو شمالة
قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية ما شاء لها، وأنى شاء لها، دمرت، وخربت، وقتلت، وأسالت الدماء، وأفزعت الأطفال، واستجلبت دموع الثاكل، وماذا بعد يا غزة؟ لماذا يطلبون رأسك، فأرضك مكشوفة للطائرات، ولقذائف الدبابات، وللصواريخ الإسرائيلية، ولا تمتلكين غير دماء أبنائك، وإرادة القتال بما تيسر، وتوفر من مواد قتالية، تواجهين قدرك، ولكنك لن تنكسرين، فقد استنفذت الدولة العبرية كل ما لديها من طاقة بطش، وقبضة وحشية، وأساليب تخويف، ولم يتبق لها شيء، لا موقع، ولا مقر كي تقصف في الأيام القادمة، لم يبق إلا المستشفيات، والمدارس، فقد أفلس بنك المواقع الفلسطينية، انتهى ما هو فوق الأرض من مبانٍ تقدم الخدمة الشرطية والحياتية للمواطنين، ونال مدير عام الشرطة الفلسطينية اللواء توفيق جبر، الشهادة، لقد نلتها يا توفيق الشهادة العليا التي لم ينلها أقرانك، وارتقيت مع المئات من شباب فلسطين، واقفاً، شامخاً، ليبقى السؤال: وماذا بعد يا غزة؟ ماذا يريدون منك؟
هل لك أشقاء عرب، أم تناسوك؟ هل أنت بعض سكان الكرة الأرضية يشعر بك “بان كي مون” ، أم أنك فائض شعب؟
إن ما قصدته الدولة العبرية من مجزرة غزة هو إحداث صدمة، ومفاجأة ينخلع لها الوجدان الفلسطيني، وتهز قناعة الشعب بالمقاومة، إنه القتل لأجل القتل، وقد تجاوز المألوف في الحروب الهمجية الأولى، واجتاز القتل المخطط له كل الخطوط الحمراء، وهذا ما يحتم عل أذرع المقاومة أن تبادر إلى رد الفعل الذي يعيد التوازن الفكري المختل للقيادة الإسرائيلية، والتي حسبت بالخطأ أن في مقدور المجازر أن تفصل رأس الشعب عن فلذات كبده من المقاومين، كما تحكي كومة الأشلاء البشرية في دار الشفاء في غزة، لقد خاب فأل بني إسرائيل؛ فالدم شعار وحدة الفلسطينيين، وإذا غطى غبار المعركة وجوه الرجال ذابت الأحقاد، والتقت القلوب، وتوحد الشعب خلف مصيره في معركة مصير القضية الفلسطينية، وهذا أول واجب على القيادة الفلسطينية في رام الله، وفي غزة، واجب اللقاء السريع، والرد بلقاء مفاجئ على جريمة مفاجئة، والتوحد على قلب رجل لمقارعة عدو واحد.
إن الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ينتظر مبادرة الرئيس الفلسطيني بالإعلان عن وقف كل أشكال التفاوض، واللقاء، والتنسيق مع العدو الإسرائيلي، رداً على مجزرة غزة، واحتراماً لدم الشعب النازف، وأن يبدأ التحرك باسم الشعب الفلسطيني على كل المستويات العربية والدولية لفضح المجزرة، وتحميل مسئولية، إن كل تباطؤ رسمي فلسطيني عن القيام بالواجب المقدس تجاه أبناء الشعب، يفتح ثغرة في الموقف الرسمي العربي الذي يتطلع إلى ردة فعل الرئيس الفلسطيني، ويتستر خلف مواقفه، وطبيعة ردة فعله التي يجب أن ترتقي إلى مستوى حرارة الدم الذي هز وجدان العالم، وحرك غريزة البقاء لدى شعوب الأرض.