محمد عايش
(صحفي فلسطيني)
لو أتيح لابليس أن يتلقى دروساً خاصة في الكفر والوسوسة من الرئيس المصري حسني مبارك لوجد فيه أستاذا لا يمكن تعويضه.. ولوجد لديه أفكاراً فريدة لا يستطيع هو –أي ابليس- أن يبتكرها بعقله المتواضع أمام فذاذة عقل مبارك..
فماذا فعل ابليس مصر بغزة؟ وما قصة فتح المعابر للجرحى؟
مبارك أرسل سيارات الاسعاف الى بوابة معبر رفح، وأعلن عبر وسائل الاعلام، وليس من خلال الاتصال بالقائمين على السلطة في غزة، أن المعبر مفتوح وأن السيارات بانتظار الجرحى لنقلهم الى مستشفى العريش، وفي الحقيقة فان مبارك كان ينوي استكمال المجزرة التي بدأتها طائرات الاحتلال والعدوان!
الرئيس المصري أراد أولاً أن يُحرج حركة حماس بفتح المعبر في وقت لا يمكن بالمطلق الاستفادة فيه من هذا الفتح.. ثم أراد استكمال فصول المذبحة وفقاً للخطة التي تم التوافق عليها في اللقاء المغلق الذي جمعه بالسفاحة الاسرائيلية تسيبي ليفني قبل بداية المجزرة بساعات في القاهرة.
فتح المعبر للجرحى لا معنى ولا قيمة له في الوقت الراهن، فمن المستحيل منطقياً أن يتم نقل أي جريح الى مستشفى العريش، اذ أن سيارات الاسعاف المصرية ظلت على الجانب المصري من المعبر، بمعنى أنها تبعد أكثر من 50 الى 60 كيلومتراً عن أماكن القصف الاسرائيلي في شمال القطاع ووسطه، وهذا يعني أن غالبية الجرحى سيفارقون الحياة قبل أن يصلوا الى المعبر، خاصة وأن السيارات الفلسطينية البدائية غير مجهزة أصلاً بسبب الحصار المصري الخانق منذ أكثر من سنة ونصف.. وهي أيضاً غير كافية من حيث العدد.
لو أراد النظام المصري الذي تواطؤ في المجزرة أن يغيث الجرحى فعلاً فليس مطلوباً أن تصطف سيارات الاسعاف على معبر رفح، ومن خلفها قوات الأمن المأمورة باحكام الحصار، وانما المطلوب أولاً أن تعبر هذه السيارات ويتم تسليمها فعلاً الى الفلسطينيين لينقلوا بها جرحاهم من الشمال الى الوسط، ومن الشوارع الى المستشفيات.
أما المطلوب ثانياً، وهو الأهم، فهو السماح للأطباء المصريين بالعبور ومعهم مساعداتهم الطبية والغذائية، لانقاذ من يمكن انقاذه من شعبنا الفلسطيني الذي يموت على أبواب المستشفيات التي لم تعد تتسع!
والمطلوب ثالثاً من مصر، أن تسمح بعبور المساعدات العربية، وخاصة القطرية، الى قطاع غزة.. فقط السماح بعبور المساعدات القطرية، ونحن على ثقة بأن أمير قطر وحده، وأؤكد وحده، مستعد لعلاج كل الجرحى، واطعام كل أبناء قطاع غزة من كبيرهم الى صغيرهم.. فقط اسمحوا للطائرات القطرية بالعبور.
اليوم.. لا يطلب الفلسطينيون من النظام المصري الذي يقوده مبارك أي مساعدات ولا اغاثات، فقط يطلبون فتح معبر رفح، لا يريدون سيارات اسعاف تقتل الجرحى بدل انقاذهم.. ولا يريدون مالاً ولا سلاحاً ولا دواءً ولا غذاء.. فقط افتحوا المعبر ودعونا نقاوم وسنصمد.
* المقال خاص بجريدة “وطن” الصادرة في الولايات المتحدة.