رغم الهم والغيظ والألم الذى يعتصر الصدور، ورغم الدم النازف من شرايين جسد الأمة فى العراق والصومال والسودان وأفغانستان، وفى سجون الأنظمة المتعفنة فى عالمنا العربى والإسلامى، رغم الانحدار المنتظم على كافة الأصعدة فى حياة أمتنا وشعوبنا، فإن الاعتداء البربرى على غزة الصامدة اليوم يأخذ معنى متميزا ومتفردا فى الضعة والسقوط لنظامنا الرسمى العربى والإسلامى وفى كل عالمنا بلا إستثناء.
لقد مثلت غزة نقطة فاصلة فى علاقة الشعوب بالأنظمة، منذ أعلن الشعب الفلسطينى البطل تمسكه بخيار المقاومة والتحرير بانتخاب (ممثلى حماس فى المجلس التشريعى) فى مواجهة خنوع الأنظمة وإستسلامها، وخيارها الاستسلامى الوحيد المتمثل فى مبادرة العار التى تبنتها فى (قاع) بيروت “للقادة العرب” الرسميون..
كان قرار الشعب الفلسطينى بتبنى خيار المقاومة، صافرة البداية لرقصة التعرى وسقوط الأقنعة للأنظمة العربية، وتسابق قادة رقصة العرى العربى فى إظهار عوراتهم لإغراء سادتهم الصهاينة والأمريكان للدخول إلى قصورهم ليمارسوا معهم طقوس الخيانة للشعوب والتاريخ والأوطان.
فلابس العقال قد بدأ التعرى بتسليح ميليشيات يدربها ساكن الشرم، وحاكم تل أبيب يمررها لإشعال حرب أهلية بين أبناء الشعب الفلسطينى تحت قيادة “مقبل أيادى” رايز وليفنى “المازنى” وتلاميذه قتلة المجاهدين فى سجون “السٌلطة الفلسطينية”، بينما تلعب القاهرة والدوحة لعبة التنويم المغناطيسى بالمباحثات والحوارات لكسب الوقت اللازم لتسكين القتلة فى مواقعهم.. وتفشل اللعبة ويُقبض على المرتزقة والسلاح وتفضح المؤامرة..
وتبدأ الأنظمة الشمطاء فى ممارسة لعبتها التقليدية.. المال.. فتمنح هنا وتمنع هناك فى مراودة رخيصة للشعب الغزاوى البطل.. فتمنع الرواتب ويفرض الحصار الذى ينفرج بمقدار كل فترة لإزاغة الأبصار والبصائر.. ولكن غزة الصابرة تقولها للجميع عالية مدوية “الحرة لا تأكل بثدييها”.
تتأزم الأوضاع على التابعين الخانعين.. فها هو السيد يخرج مدحورا معترفا بخطئه تزفه النعال من بغداد الصامدة، بعد أن فشلت محاولته لكسر ما اعتقد أنه أضعف حلقات المقاومة فى لبنان.. والوقت ضاغط والسيد المحلى فى تل أبيب يأمر بسرعة التحرك.. ويعيد “بقبلة الحياة” بين عباس وليفنى الأنفاس لمبادرة القاع البيروتية.. ويحاول عزل الجهاد الفلسطينى بعيدا عن شعوب الأمة بأوهام “الحل الشامل”.. على حساب حقوق الشعب الفلسطينى الثابتة فى أرضه ولاجئيه وسيادته وبالتنسيق مع المازنى والدحلان ومرتزقة الأوطان.. ولكن غزة ما تزال هناك لا تكسرها الضغوط ولا يفت فى عضدها الإغواء.
يجتمع الساقطون وقد نفذ الصبر منهم وأعيتهم الحيل.. إنه إذن الحصار القاتل والاغتيالات المتتالية والقتل العشوائى للمدنيين، لعلهم يكفرون بالمقاومة خطاً ثابتا ويفتحون بالخوف ما أغلقوه فى وجه المراودة والإغواء.. وترد صواريخ المقاومة على المغتصبين حتى يعلوا صراخهم “ويعرف هؤلاء الواهمين أنهم سيتألمون كما نتألم.. ولكننا نرجو من الله ما لا يرجون”.. وتأتى التهدئة بسعى من أصحاب “الفخامة والمعالى والسمو”، لحماية المغتصبين من نيران الثأر الغزاوية التى تنطلق حمما ردا على كل عدوان صهيونى.. ويبقى الحصار الذى وصل فيه أصحاب “الفخامة والمعالى والسمو” إلى حد إرتكاب جرائم ضد الإنسانية تحرك لها ضمير البرلمان الأوروبى الذى أرسل وفدا منعته السلطات المصرية بأوامر صهيونية من الدخول إلى القطاع عبر رفح.. بل وصل الأمر إلى حد القتل بالغازات السامة الممنوعة وفقا لأحكام القانون الدولى فى الحروب، وبإغراق الأنفاق، ضد الباحثين عن الخبز ولبن الرضيع وعلاج المريض عبرها.. ليموت المئات من أبنائنا فى غزة جوعا ومرضا.. وحتى وصل الأمر إلى منع الحجيج خشية أن يحملوا معهم فى طريق عودتهم ما يرفع كرب المريض، أو يقيم أود وليد جف صدر أمه جوعا وعطشا…
هل عرب أنتم … والله أنا فى شك من بغداد إلى مكة..
الوقت يضغط على أعصاب الحلف الصهيونى الأمريكى.. وغزة صابرة محتسبة.. متمسكة بثوابتها فى الدين والوطن من البحر إلى النهر والأهل الغائبين اللاجئين.. وجيوش النمر الورقى الأمريكى تنسحب شرقا، ولابد من الحسم قبل فوات الأوان..
هنا تتحرك قوات العدو الصهيونى بعلم وتنسيق مع عواصم “العرب” و”دولهم الكبرى” وطبعا شريك السلام الصهيونى أمريكا، حسب تصريح وزيرة خارجية الكيان الصهيونى التى اعلنت انها ابلغت الولايات المتحدة ودولا عربية بالعدوان على غزة قبل وقوعه، وبعد سنوات الجوع والحصار العربى والصهيونى، ينطلق صباح اليوم اكثر من 100 صاروخ على المؤسسات ومكاتب الوزارات ومقر الرئاسة في غزة وخانيونس، بينما تستعد القوات البرية الصهيونية لغزو القطاع.
أليس هذا هو نفس السيناريو الخائب فى العراق.. حصار، تجويع، تحطيم للبنية التحتية، قصف غزير لتحطيم المؤسسات.. ثم اجتياح؟!! ألا تتعلمون؟!! قد ينهى هذا دولكم التى صنعتم.. لكنه أبدا لا يفت فى عضد شعوب مؤمنة.
لقد حاول الحلف الأمريكى الصهيونى وحلفائه فى المنطقة كسر حالة المقاومة فى أقوى حلقاتها فى العراق.. وفشل.. ثم توهم أن أضعف حلقاتها فى لبنان وحاول هناك.. وفشل.. وها هو يكرر المحاولة فى غزة، ولكن هذه المحاولة تأخذ معنى مخالفا لما قبلها فهى تحدث وفق تنسيق عالمى شاركت فيه روسيا التى زارها أبو مازن ودفع عربون المحبة فى الشيشان المحتلة، وهى أيضا فى توقيت يحاول فيه الحلف الشيطانى التغطية على هزائمه وتراجع مخططاته فى العراق ولبنان، والأهم أنها تأتى لتعبر عما يؤكد تصالحات الحلفاء الغرماء فى الغرب فى عالم ما بعد القطب الواحد.. بحيث يمكن إتخاذها مثلا ودليلا على تصرفات الأعداء تجاه محاولات الانعتاق فى المرحلة القادمة… ولذا..
فإن انتفاضة شعبية عربية وإسلامية تشمل كل شعوب الأمة.. هى، وهى فقط، الرد المناسب لمواجهة هذه المرحلة من التحديات المصيرية للأمة.. إنتفاضة شاملة لا تنتظر من عرايا النظم العربية والإسلامية شيئا، بل تبدأ بالتصدى للتخاذل الرسمى فى شؤون الأمة.. إنتفاضة تنطلق من كل عواصم الأمة إلى عنوان واحد هو فلسطين المحتلة، ولتعد قضية الصراع الإسلامى العربى/ الصهيونى الغربى إلى مكانها الصحيح فى مركز اهتمام كل القوى الفاعلة فى جسد الأمة، فالمقصود بالهجمة ليس غزة ولا حماس ولا فلسطين.. بل الهدف الخبيث هو إرادة المقاومة فى الأمة، وضرب مشروعها فيما يعتقدون أنه أضعف حلقات مقاومتها، بعد أن قام غلمانهم بإعداد الساحة لهم بالحصار والتجويع.
فإما إنتصار إرادة الشعوب فى الحياة.. وإما الوقوف على حواف أسرة الخيانة العربية والإسلامية لخدمة زناة الأرض وهم يغتصبون عروس العروبة والإسلام.. فى بيت المقدس تحت سمعنا وأبصارنا..
والله متم نوره ولو كره الكافرون..