د. فايز أبو شمالة
بعد إعلان المقاومة الفلسطينية عن انتهاء التهدئة، فإن القذائف التي تطلق على البلدات الإسرائيلية ليست إلا راية حمراء، تحركها المقاومة لاستفزاز الثور الإسرائيلي الذي يسد بقرنية مداخل ومخارج قطاع غزة، ويمنع تساقط الرحمة على سكانها من السماء، ومن البحر، وعبر الحدود المصرية، إن الهدف من تحريك الراية الحمراء لا يقف عند إثارة انتباه الثور، وإنما تهدف إلى إزعاجه بالوخز، وإرهاقه إن أمكن، وتشتيت انتباهه، وقلقلة راحته، وهذا ما تفعله المقاومة الفلسطينية التي أعادت ترتيب صفوفها فترة التهدئة، وطورت بعض قدراتها، وغدا لها قرار مسموع في المنطقة، ويعمل لها حساب، وتقول نعم، وتقول لا للتهدئة، وقادرة على تحمل المسئولية، وهذا في حد ذاته مدعاة فخر، واعتزاز للشعب الفلسطيني الذي فرض نفسه نداً من أصغر مساحة جغرافية على أقوى قوة في الشرق الأوسط.
لقد أعلنت المقاومة الفلسطينية عن انتهاء التهدئة مع الدولة العبرية، ولم تحرك وحدة الصواريخ بعيدة المدى، ولا قواتها المدرعة المقاتلة، ولا الدبابات والطائرات لضرب المواقع الإسرائيلية، لأن المقاومة الفلسطينية على أرض غزة لا تمتلك عملياً أكثر من أسلحة خفيفة، وما قامت بتطويره من عبوات ناسفة، وقذائف بدائية الصنع، وقذائف مهربة من تحت عين أجهزة المراقبة، والتفتيش، والتدقيق الإسرائيلي والأمريكي.
إن كل سلاح المقاومة الفلسطينية في المقاييس العسكرية الحديثة لا يشكل تهديداً، أو خطراً محدقاً بأمن الدولة العبرية، وإنما يشكل إعلان حياة شعب يرفض أن يموت على طاولة المفاوضات، ويرفض أن يتخلى عن حقوقه التاريخية في فلسطين، وسيظل يطنّ بقضاياه في أذن الفيل، ويشعل نار حقده في ذيل الذئب، معبأً بإرادة الانتصار، والرغبة الجدية في المواجهة، وأقصى أمانيه: الموت في سبيل الله، وهذا هو مصدر الإزعاج الحقيقي، ومكمن القوة التي لا تقهر، والتي لا يراها عاشق المفاوضات بمجهر، وإنما يخافها القادة العسكريون للدولة العبرية، ويحسب حسابها السياسيون، وهم يعاودون التفكير مرات، ومرات، قبل التقدم مئة متر باتجاه غزة، وهذا ما يجعل أهل غزة غير عابئين بالوعيد، وغير خائفين من التهديد، ويصرون على أن الموت في ساحة المواجهة أفضل ألف مرة من الموت بحثاً عن شوال طحين، أو طبخة عدس مجروش، أو جرة غاز، أو الوقوف ساعات في طابور رغيف الخبز، أو انتظار الحصة من الكهرباء، للمبيت في العتمة الظلماء.