من المؤكد أن إدارة الوضوح في الأقوال والأفعال، وقدرة الكلمات على إيصال الحدث (فكرة، تحقيق، تقرير، خبر…إلخ)،يجعله تظهيراً للواقع في أي مجتمع من المجتمعات،وتصبح الظاهرة أو الفكرة وتفاصيلها جزءاً من حاضر المجتمع وتاريخه، لذا فإن أي غموض أو تحريف أو تشويه للظواهر أو الأفكار أو الوقائع عند التبليغ يعتبر تحريفاً وتشويهاً لواقع ذلك المجتمع وتاريخه ومساسا برؤاه ومعتقداته،وغالباً ما يكون تحريف فكرة أو تشويه صورة الآخر ناتجاً عن أحد السببين لا ثالث لهما:
01ـ إما الجهل بحقيقة الواقع في نظر الآخر.
02ـ أو تعمد التحريف والتشويه بنية مبيتة لها غايات ومرامي معادية.وهو ما يتجلى في رد الدكتور أدو نيس على بيان الشيخ شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر.ليس دفاع عن الدكتور شيبان ولست أهلا للقيام بتلك المهمة، لكن أقول على العموم المشكلة في الرد والخطر الأساسي من وجهة نظري فيما جاء في المقال، فهو مماهاة مفهوم الإسلام بمفهوم أفعال بشرية،ظرفية.حين يؤكد على ربط التمسك بالإسلام بتأخر المسلمين،افتراء.أو بالأحرى يكون قد شكل محكمة ونصب نفسه قاضيا.
إن التغير الذي طرأ على مجتمعنا في العقود الأخيرة ليس حاسما، ولم يرق إلى ثوابت ثقافتنا ولن يرقى، لذا فإن مماهاة القيم الدينية بعوارض، سياسية (أو حتى مراحل حضارية) خطأ فكري تاريخي فاضح ،وهو ما وقع فيه الدكتور أدو نيس، فالإسلام أخصب من أن يختزل إلى تصرفات بشرية،أو فيما عاشه شعب في فترة محدودة.
صحيح أن المشكلة تكمن في وجود حالة من العجز العربي الإسلامي، الناجم أصلاً عن غياب الإرادة الموحدة وفهم المستجدات ،لمواجهة ما يجري وهي حالة ظرفية ناتجة عن التفوق الغربي تكنولوجيا وعسكريا،وهو ما يدعو إلى معالجة القضية في سياقها الأساس ، لا بتقديم معلومات مغلوطة كتلك التي جاء بها الدكتور أدو نيس.حيث ترك صلب الموضوع وذهب يطعن في الإسلام ويقذف أهله في بلد المليون ونصف المليون شهيد ،في بلد الإسلام دين دولته.
لم يعتذر أدو نيس ويا ليته ما رد،فقد علم الخطأ بمثليه.يقول في مقال أطلعتنا عليه جريدة الشروق اليومي الجزائرية بتاريخ الأحد21ديسمر 2008م في عددها 2485
،و بتقديم “أدو نيس يرد على الشيخ شيبان”وعنوان بخط عريض:
(من القيد لا من الحريّة ، يجيء الخطر ). ” مما جاء في مستهل رد الدكتور أدو نيس:”رد الشيخ شيبان عن المحاضرة التي ألقيتها في المكتبة الوطنية وحول حديثي لجريدة الشروق حول ثلاث قضايا رئيسة لا تعنيني، وحدي، شخصيّاً، بقدر ما يجب أن تعني العلماء المسلمين أنفسهم، بخاصّة، والمسلمين جميعاً، بعامّة. ذلك أنها تتّصل بأصول الحوار، وموضوعية المعرفة” ويضيف فيما يضيف” هناك من ناحية ،عدوانٌ وتجريح، باسم النصّ الديني ذاته الذي يماهي فضيلة الشيخ بينه وبين رأيه الخاصّ، ودون أي مستنَد يتيح له مثل هذا الاتّهام .
مما جاء في رد الدكتور أدو نيس:”رد الشيخ شيبان عن المحاضرة التي ألقيتها في المكتبة الوطنية وحول حديثي لجريدة الشروق حول ثلاث قضايا رئيسة لا تعنيني، وحدي، شخصيّاً، بقدر ما يجب أن تعني العلماء المسلمين أنفسهم، بخاصّة، والمسلمين جميعاً، بعامّة. ذلك أنها تتّصل بأصول الحوار، وموضوعية المعرفة وعدل أهلها، والمماهاة بين النصّ الديني والرأي الشخصيّ.
فهو يصف كلامي بأنه “أباطيل الشيطان” و “أراجيف وقحة”، ويطلق عليّ أحكاماً قاطعة فيقول إنني “إباحي” ، و “ملحد ” و “من الآمرين بالمنكر الناهين عن المعروف”. هذه الاتّهامات والأحكام أطلقها فضيلة الشيخ دون أن يعرفني ودون أن يطّلع على نصّ المحاضرة. وتلك مصيبةٌ في المعرفة.” ويستطرد الدكتورقائلا:
“ومن أصغى إلى محاضرتي، أو قرأها، يعرف تماماً كيف أوضحت بدئيا، أنّ كلامي لا يتناول الإسلام بوصفه وحياً أو نصّاً،وإنّما يتناول الممارسة التاريخية،باسمه”.
وإذا كان لابد من تذكير أدو نيس بالقول: أن في ملتنا واعتقادنا الابتعاد عن الظلم وارتكاب البهت وانتهاك ،إعراض من نخاصمهم بحق – حتى حين نكون على حق- وانتم ترتكبون كل هذا في حق من تخاصمونهم بالباطل وتصرون.فذلك ما يدعونا إلى العودة إلى بعض ما جاء فى الرد لا في المحاضرة فحسب مثل:( إنّ العبارات التي يستشهد بها فضيلة الشيخ في بيانه يستلّها معزولةً عن سياقها، من ندوة “الشروق. وقولكم:( أتساءل هل يحق لعالم أن يعتمد للحكم على شخص سلباً أو إيجاباً، نصّاً لم يُكتَب بلغته شخصيّاً، وإنما كتبه آخر غيره، مهما كان هذا الآخر أميناً؟) في إشارتك الى جهل الشيخ وعجز محرر الشروق التي استضافتك، أليس هذا تجني على من استضافك في عقر داره ؟؟ ، حكم على الشيخ بالجهل، وعلى الصحافي بالعجز أو اتهامه بالخيانة والتزييف.
أليس اعترافا منكم في ذات الرد حين تقول:( مثلاً على ذلك لا يمكن أن أقول إنّ “العودة إلى الإسلام تعني انقراضنا الحضاري)،و(وإنما قلت وأقول إنّ العودة إلى الإسلام كما يُفهَم اليوم ،ويُمارَس إرهاباً وعنفاً وانغلاقاً ورفضاً للآخر، وتكفيراً له، هي التي تؤدي إلى انقراضنا الحضاري). الست تماهي بين الإسلام ومن يمارس الخطايا وينتسب إلى الإسلام؟؟ أم تريد معنى للإسلام على قدر فهمك؟ ثم لم تتحول من شاعر الى منظر، لتطرح هذا الموضوع من الجزائر ومن أعلي صرح ثقافي- المكتبة الوطنية-؟.
لماذا تطرح هذا الموضوع بهذه الحدة وفي هذا الظرف بالذات؟ هلا عرفت أيها الدكتور أن
أتباعك في الجزائر هم من زعزع الجزائر وقت أزمتها،ورمى بها في إعصار الأزمات التي عاشتها خلال أكثر من عقدين من الزمن،حينما ركبوا أمواج تيار الإصلاحات السياسية ومنتصف الثمانينيات وطرحوا أفكارهم الرعاعية في سوق التهافت على التبعية لقشور الحضارة الغربية فكانت ردة فعل طرف لم يكن في حسبانهم؟.
ألم يات طرحكم بهدف تشويه واقع المجتمع وتاريخه والمساس برؤاه ومعتقداته ووحدته،؟.أهذه هي الحرية التي يريدها أدو نيس ؟.
إن الحرية كما نراها هي إمكانية الاختلاف مع الغير وإمكانية الاتفاق معه حول فكرة ما،حول موضوع ما، و الحوار وحده يبقى فرصة لمعرفة صورة ذلك في أعماق غيرنا، ولكل شخص الحق في قبول أو رفض ما يتلقى في حدود احترام المشاعر والمعتقدات،فالحرية تتوقف حيث تبدأ حرية الآخر.
لقدا استغربت ردة الفعل العنيفة من الدكتور، رغم أنّني افهم دوافعه، لكن يكفي قراءة محاضرة الدكتور،وبيان رده لتبيان جهله المطبق بواقع الثقافة الجزائرية ،والنية المبيّتة التي حملها للتطاول على المسلمين في هذا البلد والإساءة للدين الإسلامي الحنيف.
محمد بوكحيل