تعالت في الفترة الأخيرة عدة أصوات تتهم بن بلة وهواري بومدين، باغتيال العقيد شعباني، وحتى وان كنت أوافق هذه الأصوات في صدقيّة الاتهامات، إلا أنني أختلف معها في مقاربة ظاهرة الاغتيالات، فشخصيا لا أرى أن جرائم التصفية التي طالت رموزا ثورية كثيرة، سواء إبان الثورة التحريرية، أو بعد الاستقلال، كانت فردية، وبدوافع شخصية. بل بالعكس من ذلك كله، فقد كانت جرائم مخطط لها من قبل جماعة كبيرة، استولت على قيادة الثورة في الخارج، أي بوجدة المغربية، وغرديماوو التونسية، وتآمرت على قادة الثورة الحقيقيين في الداخل، وانطلقت في مسلسل التصفيات في سنة 1958، وكان من أوائل ضحايا جماعة وجدة، النقيب زهدور محمد المدعو عبد الخالق ، قائد المنطقة السادسة، بالولاية الخامسة، الذي استدعته قيادة الأركان بوجدة وأعدمته هناك، إضافة إلى الضابط بوزيدي مختار المدعو عقب الليل، الذي أعدم هو الآخر بوجدة، وحلفاوي محمد صالح المدعو بوسيف، المدعو لحبيب زون4، من عزابة ولاية سكيكدة، والذي رافق هواري بومدين في السفينة الأولى التي جلبت السلاح لثورة نوفمبر المباركة، وفضل الالتحاق بالثورة في الداخل، وانتهى إلى المصير نفسه بعد استدعائه إلى وجدة، شأنه شأن بلحسن محمد المدعو النقيب الزوبير من منطقة الدهموني بتيارت، المنطقة السابعة بالولاية الخامسة الذي فرّ من جماعة وجدة ولجأ إلى الرباط، وطلب حماية الملك محمد الخامس رحمه الله الذي اشترط على هواري بومدين عدم إعدامه بعد تسليمه له، إلا أن بومدين خلف وعده وألحقه بقائمة المعدومين ، فهؤلاء الشهداء الأبطال، ذكرتهم، لأنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، اتصل بي شخصيّا عشيّة الاحتفال بذكرى 01 نوفمبر سنة 1999 ليطلب مني موافاته بأسمائهم الحقيقية ليرد لهم الاعتبار، وكان أن أوفى بوعده، ربما ليريح ضميره لا غير، على اعتبار أنه كان من قادة هيأة الأركان التي أصدرت حكم الإعدام بحق هؤلاء الأبطال.
بالعودة إلى جريمة إعدام العقيد شعباني رحمه الله، تحضرني وبجلاء تفاصيل ذكريات المأساة الوطنية بعد الاستقلال، فغداة اعدام هذا الشهيد البطل، كنت في القطار الرابط بين مدينتي ليل وباريس بفرنسا، وصدفة قرأت بإحدى اليوميات الفرنسية، خبر إعدام شعباني بكاناستيل بوهران، ولم أتمالك نفسي خاصة وأنني كنت هاربا من ميليشيات الرئيس الأسبق أحمد بن بلة تحت قيادة السفاح حمداش، وقلت في قرارة نفسي، «إنّ الاستعمار الجديد قد نصب نفسه رسميّا في الجزائر»، واليوم ازددت قناعة بأنّ هؤلاء المستعمرين الجدد، ما كان لهم أن يتقووا ويسيطروا على الجزائر المستقلة، لو لم ينجحوا في تصفية القادة المخلصين، ودعم صفوفهم بالخونة، وعديمي الأخلاق، وأستحضر هنا الواقعة التي رواها لي والدي رحمه الله القائد الثوري سّي الميلود حبيبي رحمه الله، فقد قال لي بأنه
في سنة 1957 وفي المنطقة السابعة بالولاية الخامسة، وبالتدقيق في منطقة الملعب، اشتكى له أحد المواطنين المدعو سي قدور، وقال له بأن أحد ضباط الثورة بالمنطقة الذي كان يأويه ببيته، قد هتك عرض ابنته وحملت منه، فلم يكن من الوالد رحمه الله إلا أن حمل رشاشه وأطلق النار على هذا الضابط الذي أتحفظ على ذكر اسمه لأنه اليوم في عداد الموتى، وهذا بحضور قائد الناحية وضابط جيش التحرير السيد مصطفى فلوحي، ولحسن حظ هذا المجرم أنّه فلت، وهرب إلى وجدة، وقد كان السي الميلود حبيبي يتوهم أنّ قيادة الأركان بوجدة ستحاكمه، لكن ما حصل هو أنّ هذا الأخير تمّت ترقيته، وتعيينه قائدا لمنطقة الشمال بالأراضي المغربية،
بعد هذه الواقعة، انتقل الرائد سّي عبد القادر المالي إلى المنطقة السابعة بالولاية الخامسة، والتقى بوالدي السّي الميلود حبيبي، وسأله عن حال المجاهدين، فأجابه السّي الميلود بالعبارة التالية« يا بُنيّ المناطق الأخرى ترسل تقارير الكّفاح والمنطقة السابعة بالولاية الخامسة ترسل تقارير النّكاح» وأستسمح هنا القراء الكرام، لأنني أضررت إلى كشف هذه الحقائق، التي تمسّ بالمشاعر، لكن ليعلم الجميع أن هذه الحقيقة موجودة وبتفاصيلها في تقارير وزارة التسليح والعلاقات العامة«المالق» بقيادة القائد بوصوف، للإشارة إن زيارة بوتفليقة هذه كانت تهدف فقط للتمهيد لزيارة الهواري بومدين للمنطقة، في شهر جويلية 1957، بغرض أخذ صور مع قادة الثورة في الدّاخل ليس إلا…
جمال الدين حبيبي