أي حكمة في نشر غسيلنا “القذر” مرة أخرى ؟؟
بقلم : زياد ابوشاويش
بعد وقت قصير على انتصار حماس على الجميع في قطاع غزة قام ثلة من قادة حماس وفي مقدمهم الأخ الزهار بعقد مؤتمر صحفي لكشف ما زعموا أنه فضائح جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات العامة الفلسطينية باعتبارهما عملا خلال فترة طويلة في خدمة أمن العدو الصهيوني وتنفيذ أجندة لا تخدم المصلحة الوطنية، وقد تركزت دعاية حماس في هذا الصدد على أمرين يفتقدهما الجهازان حسب روايتها الأول العمل من أجل فلسطين والقضية، أي افتقاد الأهلية الوطنية وليس فقط الثورية باعتبار جهاز أمن الثورة يأخذ شرعيته من برنامج هذه الثورة. والثاني الأخلاق الفلسطينية الاجتماعية والشخصية التي تربى عليها جيل كامل بل شعب كامل خلال مئات السنين وهي الأخلاق التي تحفظ عورات الناس وتداريها. وقد أحسنت حماس صنعاً بعدم نشر أي وثيقة مما زعمت أنها تدين خصومها السياسيين أو صور مما تقول أنها تمس سمعة البعض من قادة مؤسساتنا وأجهزتنا وشخصيات عامة، هذه الصور التي استخدمت على حد إعلان حماس في إسقاط الناس أو ترويضهم باتجاه الخضوع السياسي أو التنظيمي أو حتى العمل مع هذه الأجهزة، وفي حينه تمنينا أن تغلق حماس هذا الملف إعلامياً وأن تضعه بتصرف لجنة وطنية للحكم عليه أو تعدم المخل بالأخلاق وبأمن المجتمع الفلسطيني فيه، وتستفيد من الباقي في دعم عمليات المقاومة في الداخل والخارج إن أمكن، ولها في كل هذه الاقتراحات فائدة وطنية وشكر الناس واحترامهم.
لكن الأمر لم يتوقف عن هذا الحد فقامت حماس كما أذاع أحمد منصور مذيع قناة الجزيرة بمنح المذكور فرصة الإطلال على كل الوثائق وتقليب كل المجلدات التي بلغت أربعين كما قال أحمد منصور نفسه في مقدمة اللقاء، ثم سمحت للسيد محمد نزال عضو مكتبها السياسي بلقاء متلفز مع نفس القناة للحديث حول تلك الوثائق التي تدين تلك الأجهزة على حد قول حماس ولشرح ما جاء في نماذج منتقاة منها، وفي العموم فقد كان اللقاء والشرح أقل مما تم طرحه في المؤتمر الصحفي الذي أشرنا إليه والذي يمكن لأي قاريء أن يراجعه من خلال البحث في الانترنت أو موقع قناة الجزيرة.
بعد هذه المعلومات التي يعرفها الآن من تابع وسمع اللقاء أو شاهد المؤتمر المشار إليه يتساءل كل فلسطيني يملك عقلاً ووجداناً عن مغزى اللقاء وماذا يقدم للقضية الوطنية؟ ولماذا الآن والانقسام تشتد وتيرته ولا يعلم سوى الله أين سنصل وكيف يمكن أن نساعد في لم الشمل واندمال الجرح الذي ما زال ينزف وتحته احتقانات تحتاج منا لأدوية لا زلنا نفتقدها سواء في غزة أو رام الله؟، وكما يأتي اللقاء عشية استعداد العدو الاسرائيلي لشن هجوم واسع على قطاع غزة نعلم سلفاً أننا سنقدم لصده وللدفاع عن أنفسنا عشرات الشهداء، ونحتاج لكل قطرة دم، ولكل يد فلسطينية للمساعدة على درء مخاطر هذا العدوان، فهل يساعد لقاء نزال في هذا أم يشكل بما قاله جرحاً جديداً ومزيد من الاحتقان والإحباط ؟ وهل كشف هؤلاء حتى لو صدقت رواية السيد نزال ووثائقه المفرحة تلك يعني أن الساحة الفلسطينية ستخلو من المرتزقة والمتعاونين مع الاحتلال ؟ وهل المصالحة بين فتح وحماس وما نرجوه من حوار شامل في حاجة لمثل هذا السبق الإعلامي كما أسماه السيد أحمد منصور مذيع الجزيرة اللامع والمعروف بولائه الشديد للإخوان المسلمين وحقده وتحامله على الرئيس المصري وزعيم الأمة وإبنها البار جمال عبدالناصر؟ .
لقد أخطأت حماس فيما أقدمت عليه مع قناة الجزيرة لأنها بما فعلته أكدت التوصيف الذي يتناول حسمها العسكري في غزة بأنه انقلاب فعلاً، ذلك أنها لو اعتبرت ما قامت به شرعياً وأن هذه الأجهزة يجب أن تدار من قبلها كما يفترض في حكومة منتخبة وشرعية لاحتفظت بهذه الوثائق لفائدتها ولقامت بتنظيف الأجهزة والأرشيف دون مهرجانات أو مؤتمرات.
ربما قصدت حركة حماس الإساءة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو لحركة فتح باعتبارها الحركة التي ينتسب لها كل المقصودين بالاتهام والتجاوز وهذا منطقي في ظل الخصومة والصراع لكنه ليس أخلاقي ولا وطني ولا يصب في المصلحة الفلسطينية تماماً كاعتقال مناضلين حمساويين في الضفة تحت ذريعة منع تكرار ما جرى في قطاع غزة.
لو كانت حماس حريصة على الوحدة الوطنية لشهرت ما تعرفه في وج
وه هؤلاء المنحرفين كما تصفهم وليس عبر الفضائيات، ولأقامت ضدهم قضايا في محاكم شرعية سواء في غزة أو في الضفة، أو أن تبين لفتح والسلطة الخلل الذي كان ينخر صفوفها حسب زعمها من منطلق الحرص الذي تدعيه على حركة فتح ومناضليها وقياداتها كما على دورها التاريخي والراهن في المشروع الوطني الفلسطيني.
إن نشر غسيلنا “القذر” على الملأ ومنح كل من هب ودب فرصة الإطلال على ملفات سرية تخص عشرات المناضلين هو أمر مرفوض حتى لو كان ربع هؤلاء جواسيس لإسرائيل، وكان عليها أن تبقي الأمر بين يديها تعالجه بالروح الثورية والأخوية والإسلامية التي تجهر بها صباح مساء.
لم يقل لها أحد أن تتخلى عن مكسبها أو غنيمتها الثمينة لكن هذا الأمر يجب أن يعامل بمنتهى الحساسية والدقة، بل والأخلاق الكريمة التي تذرع بها السيد نزال حتى لا ينشر الصور أو يذيع الأسماء. أتمنى أن تكف حركة حماس عن صب الزيت على نار الخلاف بينها وبين فتح لأن السيد سلام فياض رئيس الوزراء لم يكن في سدة الحكم ولا في موقعه الراهن ليمكن تفهم أن الهجوم الذي تشنه يستهدف الحكومة التي تقوم باعتقال محازبيها وكوادرها في الضفة.
هناك الكثير مما يمكن قوله في هذا العنوان لكنني أكتفي بهذا القدر آملاً أن تنتهي كل المبادرات الضارة بعملية الحوار وكل الخطوات والسلوكيات التي تصب الزيت على نار الفتنة والصراع وهو ما نطلبه بوضوح ليس من حركة حماس فقط بل وكذلك من السلطة وحركة فتح ومن كل المعنيين.
زياد ابوشاويش