شرخ في جدار العقل العربي ..
الرابط : أراء حرة
بقلم : رشا زكي – نيويورك
يشغلنى هذا الداء كثيرا..أبحث عن أسباب تفشيه خاصة فى المجتمعات العربية ، والذى يظهر بصورة واضحة فى سلوك الإنسان العربى فى المهجر، ثم أخذت أبحث عن تعريف علماء النفس وعلماء الإجتماع له وعن سبل علاجه وقد أدهشتنى نتائج بحثى التى تؤكد أن الازدواجية أصبحت ظاهرة عامة تحتاج للتأمل ألف مرة .
الازدواجية حسب تعريفها فى علم النفس… هى إضطراب فى سلوك الشخص و هي حالة يكون للشخص فيها صورتان مختلفتان، الصورة التي يحيا بها والصورة الأخرى التي تناقضها، وهي بمعنى آخر: أن يأتي الشخص بعدة تصرفات تتناقض مع بعضها في الوقت نفسه، أو أن يكون الإنسان مزدوجا في تصرفاته أو أقواله أو أفعاله. الملاحظ دون تعميم أنه قد ساد التناقض في حياتنا نحن العرب بصفة عامة .
والأمثلة المؤكدة على تفشى تلك الإزدواجية فى حياتنا اليومية كثيرة قد لا تعد ولا تحصى ، ولكنى سوف أسرد لكم بعضا منها …..على سبيل المثال أنك قد ترافق أحد الأصدقاء الى مائدة الطعام فى أحد المطاعم ، وعندما يأتى النادل ليسأله عما يطلب تجده وبكل قوة يؤكد عليه ضرورة ألا يحتوى طعامه على أى من مكونات الخنزير، ولأنك تعرف صديقك جيدا ، فإنك تجد نفسك تتعجب من طلبه هذا ، لأنه منذ دقائق قليلة طلب الخمرشرابا له .
ليس ذلك فحسب …فالأغرب من ذلك أن نفس الصديق إذا غاب عنك وطلبته على المحمول ووجدته مغلقا فأنت تتيقن من أنه فى ذلك الوقت..يمضى وقتا سعيدا فى أتلانتك سيتى .
ألا تبدو الإزدواجية واضحة فى شخصية ذلك الصديق ؟
ومثال آخرأنك قد تقصد أحد التجارلشراء سلعة ما بنظام التقسيط والمعروف عن ذلك التاجر شدة تدينه ويناديه الجميع " بالحاج " ، فإنك ما إن ذهبت إليه تجد أمامك رجلا وقورا لحيته تكاد تصل إلى صدره ، يمسك بالسبحة فى يده اليمنى وقبل أن تلقى عليه السلام ، تجده يبادرك بالسلام قائلا : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تفضل يا أخى " . وضعك بذلك دون أن تشعرفى حالة من الطمأنينة والثقة فيه . ثم تأتى لحظة التعاقد على السلعة فتفاجأ أن سعر التعاقد أعلى من ا
لسعرالمكتوب علي السلعة ، وعندما تسأله : " لماذا يا حاج ؟ " ، يجيبك بكل بجاحة : " الفائدة يا أستاذ " ! مع أن الفائدة هى المسمى الجديد " للربا " فى العصر الحديث !
وفى بيوتنا تكثر وللأسف الأمثلة على التناقض فى حياتنا ، فكل أب وكل أم بالـتأكيد يعلمان أبنائهم عدم الكذب وضرورة الصدق ..إلى هنا شىء جميل ، ولكن تصورا لو أن أحد الآباء طلبه صديق على التليفون وكان الأب على خلاف مع ذلك الصديق وطلب من إبنه الذى قام بالرد على ذلك الصديق أن ينكر وجوده …تخيلوا ماذا سوف يحدث لهذا الطفل ؟! سوف تنتقل إيه جرثومة الإزدواجية بالتأكيد .
حتى الأفلام المصرية الكوميدية لم تترك ذلك الإضطراب السلوكى أو التناقض دون أن تتناوله فى أعمالها بشكل ساخر، فأتذكر أننى كنت أشاهد فيلما كوميديا قريبا يحكى عن مجموعة من اللصوص الذين يخططون لسرقة خزينة أحد البنوك ، وفيه يقول البطل لزملائه من أفراد العصابة وهم متوجهون نحو الخزينة : " توكلنا على الله ، ربنا يسهلنا المهمة " . تهكم وسخرية من لص يذكر الله أثناء سرقته .
ومن الأمثلة القوية الدالة على التناقض والإزدواجية فى شخصية الرجل العربى فى المهجر ، أن الرجل العربى عندما تأتى المسألة لإختيارزوجة ، يختلف عنده تماما بل ويتناقض معيار إختيار الزوجة الأجنبية تماما عن إختيار الزوجة إذا كانت عربية . فهوعند إختيار الزوجة الأجنبية تجده يتغاضى تماما ويغمض عينيه عن ماضيها ، الذى لن يخلو بالتأكيد من العلاقات المحرمة. ….ولكن ( نفس الرجل ) عندما يختارلنفسه زوجة عربية، تجده يعذبها ويعذب نفسه بشكوك و ظنون واهية ، بالرغم أنها قد تكون فتاة محترمة مرت كأى فتاة طبيعية بتجارب عاطفية بريئة .
كيف ترتضى كرامة ورجولة هذا الرجل أن يقترن بإمرأة أجنبية يعلم جيدا و بدون أدنى شك أنها عاشت فى حالة من التفريط المستمر، وليس ذلك فحسب بل عندما يتزوجها تجده لطيفا معها ، يعاملها بإحترام تام بل و يعطيها ثقة بلا حدود ويأمنها على تربية أبنائه وبناته.
بالتأكيد أنكم جميعا قد مرت عليكم تلك الشخصية الإزدواجية المتناقضة التى تكيل بمكيالين .
حتى حكوماتنا العربية لم تسلم من هذا الفيروس…..فيروس الإزدواجية فهى تصدر تصريحات كثيرة جدا وفي نفس الوقت لا تنفذ منها شيئا.
لم ينته بحثى إلى هذا الحد …بل رحت أبحث فى ذاتى ، فبما أنى عضو فى المجتمع العربى الذى تفشى فيه داء الإزدواجية اللعين ، فربما كنت مصابة بهذا الفيروس دون أن أدرى ….وللأسف وجدت نفسى أنا أيضا مصابة به…فكيف لا أشرب الخمر لأنه حرام ، ومع ذلك لا أرتدى الحجاب !
كثيرة هى الأسئلة التى تدورفى ذهنى….
لماذا كل واحد يرى أخطاء الآخرين وينتقدها بكل شدة دون أن يرى أخطاءه هو شخصيا ؟…لماذا نرى بعض الأشخاص يبحثون دائما عن الزلة في حياة من حولهم من أجل أن يصنعوا منها فضيحة مدوية وهم يفعلون نفس الشيء أو أفظع منه بكثير؟…لماذا نجد الأب يقول لابنه لا تفعل كذا.. وفي نفس الوقت الأب يأتي بنفس الفعل ؟…لماذا نطالب الآخرين بتصرفات وأخلاق وسلوكيات نحن أبعد ما نكون عنها؟…لماذا نقول ما لا نفعل ؟
بإختصار شديد … لماذا عندما ننظر فى المرآة نرى أشخاصا آخرين ؟
والآن و بعد كثير من البحث و التقصى توصلت أن أسباب تفشى الإزدواجية والتناقض فى شخصية الإنسان العربى … هى أننا إناس تتحكم فينا أهواءنا ، فنختار السلوك الذى يتفق مع هوانا ونترك ما لا يتفق معه . يختبىء البعض وراء أقنعة مزيفة ليعطى إنطباعات جيدة غير حقيقية … تحدد العادات والتقاليد والمعتقدات أفعالنا وأقوالنا فنخفى عن المجتمع الفعل الذى لايقبله لنبدو فى صورة حسنة . فالشخص الذى يرفض أكل لحم الخنزيروفى نفس الوقت يشرب الخمرو يلعب القمار، إن مسألة حرمة أكل الخنزيرلم ترد فى ذهنه على الإطلاق، بل إن أكل الخنزيرلا يتفق مع هواه .
وأخيرا ألا تتفقوا معى على أن الأهواء هى بمثابة شرخ فى جدار العقل ؟!
وإلى لقاء قريب إن شاء الله