د/ نصار عبدالله
مثل أغلب الرؤساء الأفارقة ظل الرئيس الغينى أحمد سيكوتورى يحكم بلاده طيلة حياته ، ولم يترك الحكم إلا محمولا على أجنحة ملائكة الرحمة … الرحمة للشعب الغينى بطبيعة الحال … لكن تلك الرحمة لم تطل، فبعد أسبوع واحد فقط من رحيل سيكوتورى عام 1984 تمكن الجنرال لانسانا كونتى من الإستيلاء على السلطة ، حيث ظل يحكم البلاد حكما عسكريا مباشرا حتى عام 1990 حين قرر أن يضفى على حكمه العسكرى غلالة من الشرعية الدستورية ، وهكذا صدر دستور غينيا الذى كان ينص على أن منصب رئيس الدولة يتم شغله عن طريق الإنتخاب الحر المباشر لفترة رئاسية مدتها ست سنوات ، ولا يجوز للرئيس أن يشعل موقعه لأكثر من فترتين رئاستين متتاليتين ، وبناء على ذلك الدستور ( الديموقراطى ) قام كونتى بترشيح نفسه وفاز بالطبع ، وعندما انتهت فترته الرئاسة الأولى قام بترشيح نفسه مرة أخرى وفاز أيضا بالطبع ، وعندما قاربت الفترة الرئاسية الثانية على الإنتهاء ، تقدم عدد من أعضاء الجمعية الوطتية ( البرلمان ) باقتراح لتعديل الدستور بحيث يجوز لرئيس الدولة أن يرشح نفسه لأكثر من فترتين رئاسيتين ، وتمت الموافقة على التعديل طبعا ، وبناء عليه قام كونتى بترشيح نفسه لفترة رئاسية ثالثة فاز فيها بأغلبية ساحقة ، رغم أن الأغلبية الساحقة من الشعب الغينى كانت قد ساءت أوضاعها المعيشية بشكل غير مسبوق ، فى الوقت الذى كانت فيه قليلة من المحيطين بكونتى يتعاظم ثراؤها بشكل فاحش من خلال احتكارها للمناجم ولسائر عمليات الإستيراد والتصدير ، بل إن بعض المحيطين بكونتى لم يكتفوا بنهب الموارد الطبيعية لغينيا وتهريب عائداتها إلى خارج البلاد ، حيث تجاوزوا ذلك إلى المتاجرة فى المخدرات تحت سمع وبصر وحماية القوات المسلحة وأجهزة الشرطة التى كان يعتمد عليها كونتى فى قمع معارضيه بوحشية بالغة ، وقبل رحيله بأيام أعلن كونتى أنه لا يعتزم أن يتخلى عن موقعه الرئاسى وأنه سوف يواصل أداء واجبه فى ( إسعاد ) الشعب الغينى حتى آخر نفس من أنفاسه… بعدها بأيام لفظ كونتى آخر أنفاسه بالفعل !!، ولم يتنفس الشعب الغينى الصعداء، فبمجرد رحيله تحركت مجموعة من العسكريين الغينيين لكى تستولى على السلطة ولكى تعلن الأحكام العرفية مدعية أنها تقوم بذلك ـ لا طمعا فى الحكم ـ وإنما لكى تحقق الأمن والإستقرار طيلة الفترة الإنتقالية التى تسبق إجراء الإنتخابات الرئاسية الجديدة ، ورغم أن دستور غينيا الصادر بمعرفة كونتى عام 1990ينص على أنه فى حالة خلو الموقع الرئاسى لأى سبب من الأسباب فإنه يتعين إجراء انتخابات رئاسية خلال ستين يوما من تاريخ خلو الموقع ، رغم ذلك فقد أعلن الإنقلابيون أن الإنتخابات الجديدة سوف تجرى فى نهاية عام 2009 أى بعد عام كامل من رحيل لانسانا كونتى وخلو موقعه ، أما السبب فى ذلك فهو يتمثل طبقا لأرجح السيناريوهات فى أن من سيستتب له الأمر من قادة الإنقلاب سوف يستغل تلك الفترة فى تثبيت دعائم مركزه وفى بناء بعض التحالفات مع بعض القوى السياسية الغينية المستعدة للتحالف لقاء أى هامش من المكاسب والغنائم ، وقبل انتهاء مدة العام المحدد سوف ترتفع بعض الصيحات من جانب تلك القوى الهامشية الإنتهازية التى لا يخلو منها أى مجتمع من المجتمعات ، سوف ترتفع مطالبة قائد الإنقلاب بترشيح نفسه بناء على رغبة الشعب، وسوف يستجيب للإرادة (الشعبية ) ، وبطبيعة الحال فإنه سوف يفوز فوزا ساحقا!! ، ولعل أطرف ما فى الأمر أن أبو بكر سومبارى رئيس الجمعية الوطنية ( البرلمان ) عندما حاول أن يذكر قادة الإنقلاب من أنه هو نفسه أى سومبارى صاحب الحق الدستورى فى إدارة شئون البلاد وإجراء الإنتخابات الإنتقالية خلال ستين يوما طبقا لما ينص عليه دستور 1990 الذى صاغه وعدله الرئيس الراحل كونتى ، عندما حاول ذلك أجابه الإنقلابيون بما معناه : ” كونتى فين يا بطة “