شنت صحيفة “الجمهورية” المصرية الحكومية هجوما حادا ضد النظام السوري على خلفية المظاهرات التي نظمت مؤخرا حول السفارة المصرية في دمشق ونددت بالرئيس المصري حسني مبارك وحملته مسؤلية الحصار الذي يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة.
وقال محمد علي إبراهيم رئيس تحرير الصحيفة في مقال له اليوم الخميس: ان الخلافات بين القاهرة ودمشق ليست وليدة اليوم ولكنها بدأت بعد حرب أكتوبر 1973 وقبل اتفاق السلام الذي أبرمته مصر مع إسرائيل.
واضاف: ان النتائج العسكرية تؤكد ان الانتصار كان من نصيب المصريين وذلك قبل أن تشرع في التفاوض مع إسرائيل، والفشل الذريع كان من نصيب السوريين الذين استعادوا الجولان كلها في أول يوم وفقدوها في اليوم الثاني وهو ما يسمي في العسكرية “الانهيار” وهو أسوأ من النكسة أو الهزيمة.
واعتبر ابراهيم أن شعور سوريا انها تعيش في عزلة هو أزمتها الحقيقية، فقد قررت بعد انتهاء حرب أكتوبر انه لا صلح ولا تفاوض مع إسرائيل حتي يتم تحرير الأرض، وتزعمت ما سمي بجبهة الصمود والتصدي وأعطت الانطباع انها درع العرب العسكرية ضد إسرائيل.
وقال: منذ 1973 لم تنطلق منها رصاصة واحدة في اتجاه تل أبيب، ودخلت لبنان منذ 1976 وحتي 2004 “28 عاما” من الاحتلال السوري الفعلي لبيروت ومع ذلك لم تطلق رصاصة واحدة علي خمس عمليات غزو إسرائيلي للبنان بدأت بعملية الليطاني عام 1978 ومرورا بمذابح صابرا وشاتيلا وعملية عناقيد الغضب ومذبحة قانا وحرب يوليو/ تموز 2006 وغيرها، مشيرا إلى أن سوريا لم تطلق رصاصة واحدة علي الطائرات الإسرائيلية التي قصفت موقعا هذا العام وزعمت تل أبيب انه لمفاعل نووي صغير.
وتابع ابراهيم هجومه قائلا: السوريون لم تتطابق أقوالهم مع أفعالهم أبداً.. لم يبرهنوا علي أنهم أشاوس وصناديد.. انهزموا في التفكير والمنطق قبل أن ينهزموا في العسكرية.. انهزموا في عدم تمكنهم من رؤية المستقبل ولا قراءة الواقع أو معرفة دروس الماضي.
وقال: الأشقاء في سوريا تخصصوا في إفساد مشاريع السلام الأخري.. فقد حاولوا – ومعهم صدام – إفساد اتفاق كامب ديفيد، ونجحوا في إفساد كل الاتفاقيات الفلسطينية مع إسرائيل من أوسلو وحتي “خريطة طريق”.. ومنعوا اللبنانيين من أي مفاوضات أو سلام.. وأصبحت سوريا “خميرة العكننة” و”مركز تعطيل المفاوضات” في المنطقة.. ومن أجل هذا تحالفت مع “حماس” ومولتها واستضافت رموزها في دمشق.. تماما كما ساعدت حزب الله في لبنان..
اضاف: المشكلة ان الرئيس السوري بشار الأسد أعلن وبشكل مفاجئ انه مستعد لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل.. استغل بشار فرصة زيارة الرئيس الكرواتي لدمشق ليعقد مؤتمرا صحفيا يمرر فيه رسالة واحدة.. دمشق مستعدة لمفاوضات مباشرة مع تل أبيب.. عادوا لنقطة الصفر التي بدأ منها الرئيس الراحل أنور السادات والذي اتهموه – ومازالوا – بالخيانة والعمالة.
العرض الذي تقدم به الرئيس السوري بشار الأسد أمام الصحفيين ببدء مفاوضات مباشرة معناه انه تلقي اشارة ما أو ان لديه عرضا من تل أبيب! هل يكون العرض من نتنياهو المتطرف أم من ليفني أم من باراك؟ هل تلقي وديعة كوديعة رابين التي رفضها والده عام 1994 في عهد الرئيس بيل كلينتون؟
وإذا كان الأسد الأب رفض أكثر العروض الإسرائيلية كرماً.. كامل الجولان وطبرية في مقابل سفارة عليها علم إسرائيل في دمشق! إذا كان حافظ الأسد قد رفض هذا أو حتي تردد. فما الذي لاح في الأفق لبشار؟!
وكيف تحول من صقر إلي حمامة أو عصفور؟! وماذا سيقول لشعبه وللفصائل التي يدعمها وتتحدث باسمه؟! وللأقلام التي تمجد صموده وتصديه.
وختم ابراهيم مقاله بالقول: إن دمشق خائفة من المحكمة الدولية التي تحقق في جريمة اغتيال رفيق الحريري فهي سيف علي رقبتها.. وفيه هلاكها لو تعاونت أو امتنعت..
في الحالتين مقضي عليها فلو كانت الاولي ستظهر اسماء تلحق العار بالنظام ولو كانت الثانية ستلوح لها واشنطن بملف نووي “جاهز مسبقا” لتكون فترة أوباما وبالاً عليها وعلي الآخرين..
من هنا سلمت سوريا لإسرائيل.. قبلت ما كانت ترفضه من قبل.. المهم الآن السلام السوري الإسرائيلي ولتذهب القضية الفلسطينية وحزب الله للجحيم..
دمشق تعرف انها لو حققت السلام مع إسرائيل. فيمكن حل المشاكل الفلسطينية طبقا للرؤية السورية.. ليس مهما أن تكون الجولان بكاملها في حوزة دمشق. ولكن يمكن أن تكون هناك قوة دولية ومناطق عازلة واقتسام مياه طبرية. وللأسف ستكون مكافأة سوريا هي لبنان. فهي لا تهم الإسرائيليين ودمشق الأقدر علي الزام حزب الله بالانضباط.
سجال مصري سوري
كانت القاهرة ودمشق تبادلتا خلال الأيام الماضية انتقادات علنية على خلفية الحصار الإسرئيلي المفروض على قطاع غزة منذ عدة اسابيع، حيث احتجت مصر رسميا على تظاهرة جرت أمام سفارتها في العاصمة السورية وردت دمشق معربة عن ”الاستغراب والقلق” من حملة إعلامية مصرية ”تنضح بالعداء لسوريا”.
وقال السفير السوري في القاهرة يوسف احمد إن سوريا ”لديها مصادر قلق” كذلك وأنها تتعرض منذ نحو شهر ”لحملة إعلامية غير مسبوقة في الصحف المصرية لا نعرف لها سببا وتنضح بالعداء لسوريا”.
واستدعت وزارة الخارجية المصرية الثلاثاء الماضي السفير السوري في القاهرة ”للإعراب عن القلق” إزاء تظاهرات نظمت مؤخرا أمام السفارة المصرية في دمشق.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية عبد الرحمن صلاح إنه عبر في اللقاء مع السفير السوري عن ”قلق مصر من التظاهرات الغوغائية التي تم تنظيمها حول السفارة المصرية في دمشق”.
ونظم في 19 ديسمبر/ كانون الأول أمام السفارة المصرية في دمشق اعتصام للمطالبة بفتح معبر رفح المؤدي إلى قطاع غزة الذي تفرض إسرائيل حصارا عليه. وفرقت الشرطة المتظاهرين.
وقال السفير السوري في بيان انه ”عبر بدوره عن قلق سوريا واستغرابها الشديدين للحملة الإعلامية الجائرة التي تتعرض لها سوريا قيادة وشعبا من قبل وسائل الإعلام المصرية” الحكومية.
وأضاف انه اكد لوزير الخارجية المصري أثناء لقائهما يوم امس الاول ان ”المتظاهرين امام السفارة المصرية كانوا من الإخوة الفلسطينيين المقيمين في سوريا والذين ارادوا التعبير عن تعاطفهم وغضبهم إزاء الحصار المفروض على أشقائهم في غزة”.
وجاءت الحملة الإعلامية المصرية بعد استدعاء وزارة الخارجية السفير السوري في القاهرة يوسف الأحمد، و أبلغته احتجاجها على تظاهرة دمشق التي وصفتها بأنها ”غوغائية”.
وفي إطار الحملة الإعلامية نشرت صحيفة الأهرام مقالا أمس الأربعاء لرئيس تحريرها أسامة سرايا تحت عنوان ”تناقضات سورية”. وحمل المقال الذي احتل جانبا بارزا من الصفحة الأولى على سياسة دمشق وتحالفها مع طهران .
كما اعتبر أن كلا من سوريا وإيران يتحملان المسؤولية عن الحصار الإسرائيلي لغزة ”لتغذيتهما الانقسامات بين الفصائل الفلسطينية وبين الضفة والقطاع ”. وأكد ”المسؤولية السورية الإيرانية غير بعيدة عن حصار غزة وتجويع شعبها محققة بذلك هدفا إسرائيليا استراتيجيا”.
واتهم ”سرايا” التحالف السوري الإيراني بتشجيع حركة ”حماس” الفلسطينية في الاستمرار بنهج الانقسام ورفض العودة إلى الوحدة الوطنية.