ميسلون هادي
عرفت عيد الفصح لاول مرة عندما كنت في الصف الرابع العام وجاءتني زميلتي في الصف (وكان اسمها أيسر) ذات يوم ببيض مسلوق ملون أثار دهشة جميع الطالبات، وعندما سألناها ماهذا قالت انه بيض عيد الفصح المسيحي المعروف أيضا بعيد القيامة المجيد وهو من أهم الاعياد الدينية المسيحية وغالبا ما يكون بين اوائل شهر نيسان واوائل شهر أيار من كل عام وفيه يحتفل المسيحيون بقيام السيد المسيح ، ويسبق الاحتفال بعيد القيامة اسبوع الالام وبعض العبادات الخاصة كصيام الاربعين يوما من أربعاء الرماد وحتى يوم العيد، ويتم الامتناع عن اللحوم ومشتقاتها بما في ذلك الالبان والبيض. وفيما بعد عرفت ، ان البيض مع الارنب في بعض الدول الاوربية، يمثل رموزا تقليدية كجزء لايتجزأ من طقوس عيد الفصح ولهذا التقليد خلفية دينية حيث يمثل البيض رمزا للحياة والانبعاث بينما يرمز الارنب للاخصاب . وفي بعض البلدان كمصر يتحول هذا العيد الى احتفال عام ببدء فصل الربيع حيث يحتفل المصريون جميعهم في اليوم التالي لعيد الفصح بعيد شم النسيم. الذي يعود أصله الى الفراعنة ويعتبر عطلة رسمية في مصر.
ولطالما شاركنا كمسلمين جيراننا المسيحين احتفالاتهم وزرناهم للتهنئة في أعياهم كمايزورونا هم في أعيادنا ويشاركونا افراحنا، وبالاخص بالنسبة لبعض مناطق بغداد ، التي تشهد تعايشا بين الطائفتين، كالكرادة وزيونة والدورة والمنصور وبغداد الجديدة ، وأحيانا يتخذ هذا الاحتفال طابعا مكثفا وأكثر بهجة عنما يتزامن عيد رأس السنة أو عيد الكرسمس مع عيد الفطر أو الاضحي المباركين كما حصل في السنوات الاخيرة من العقد الاخير حيث تشهد الاسواق اقبالا غير مسبوق على التبضع وتزدان البيوت بملابس ومظاهر العيد الملونة ،ماعدا السنوات التي شهدت ظروف العنف بعد الحرب والتي رغم مشقتها على جميع العراقيين لكنها لم تمنع الناس من الاحتفال داخل بيوتهم ، كما لم تمنع الاجراءات الامنية المشددة في العام الماضي من ان تتخذ تلك المشاركة طابعا رسميا مكثفا واقبالا كبيرا على شراء اشجار عيد الميلاد وحضورالكثير من العوائل المسيحية لقداس منتصف الليل في العام الماضي، بعد امتناعهم عنه لسنوات الحرب، حيث تزامنت أعيادهم مع تنصيب الكاردنال عمانوئيل الثالث في حاضرة الفاتيكان كأول كاردينال لكنيسة الكلدان الكاثوليك في العراق وخارجه.
في واقع الحال لايشعر المسيحيون العرب بانتمائهم للثقافة الغربية رغم وحدة الدين ،أكثر من انتماءهم للثقافة العربية وذلك بسبب مشتركات كثيرة أهمها الارض والتاريخ والتعايش المشترك على مدى قرون طويلة فكانوا أبعد مايكون عن الفتن والصراعات وأقرب مايكون الى التفاخر ابنتمائهم الوطني وتمسكهم به، ولايخفى ان الكثير من ادباء ومترجمي العراق وبلاد الشام وباقي ارجاء الوطن العربي هم من المسيحين، بينهم من أهم المثقفين والمدافعين عن القضاياالعربية مثل ادوار سعيد وادوار الخراط وجورج طرابيشي ويوسف الصائغ وجبرا ابراهيم جبرا ويوسف شاهين وعبد المسيح ثروت وبهنام ابو الصوف ونجيب المانع ويوئيل يوسف عزيز ومئات غيرهم ناهيك عن الرائد العراقي عبد المسيح الوزير الذي كان له الفضل في تعريب المصطلحات العسكرية للجيش العراقي ابان العهد الملكي، كما لا يخفى على أحد ان ألاب انستاس الكرملي يعد واحدا من أهم المنافحين عن اللغة العربية والمساهمين الرواد في عمليات التعريب وكان يرى في الخروج عن العربية خطأ لايمكن التساهل فيه أوقبوله وقد كتب عن سيرته غير واحد من الباحثين منهم عبد الغني الدروبي وابراهيم السامرائي وباسم عبد الحميد حمودي اما موسوعة اليوكيبيديا فتصف مجلسه للغة العربية في بغداد بالقول انه كان محفلا من محافل العلم والادب وكان يسمى بمجلس يوم الجمعة في دير الاباء الكرمليين في محلة سوق الغزل ببغداد، وكان يتردد عليه اساطين اللغة العربية وعلمائها ومنهم الشيخ جلال الحنفي والدكتور مصطفى جواد الذي كان يكتب في مجلته “لغة العرب” وبعد وفاة الكرملي الحقت مكتبته المهمة بمكتبة الاثار العراقية ببغداد، كما رثاه الشاعر أحمد حامد الصراف بالقول:
وعشنا وعاشت في الدهور بلادنا
جوامعنا في جنبهن الكنائس
وسوف يعيش الشعب في وحدة له
عمائمنا في جنبهن القلانس
هذا هو ماكان عليه حال العراقيين دائما مسلمين ومسيحين ومندائيين من اتباع الانبياء والرسل و اصحاب الكتب السماوية ،أما ما يتعرض له المسيحيون الان في الموصل فهو حالة مستهجنة وغريبة عن المجتمع العراقي وليست هذه المشكلة المستجدة الا تبعة طبيعية من تبعات الاحتلال ، وجزء من مسلسل تدمير العراق وتفتيته والذي بدأ مع دخول القوات الغازية الى العراق ويستمر لحد الان على مرمى حجر من اسرائيل التي لوحدها المستفيدة من هذا العراق الممزق القائم على الحلول الترقيعية التي لاتنتهي مشاكلها ولاتزول في بلد متعدد الاعراق والاديان كالعراق فدوامة العنف التي بدأتها الدبابات الامريكية بحرق بغداد من الجو والبر لابد ان تولد مسلسلا لاينتهي من العنف والعنف المضاد ولا ادري لماذا يستغرب البعض كيف يتخذ الامريكان من مدينة بابل الاثرية معسكرا ويعتبرون ذلك خطأ قاتلا، ولا يربطون ذلك مع تدمير المتحف العراقي ونهب جدارية سبي بابل وحرب الطوائف الدائرة على أرض العراق
منذ خمسة أعوام .
وشهد شاهد من اهلها هو نعوم تشومسكي وهو العالم اللغوي الامريكي الغني عن التعريف ،والذي انتقل منذ السبعينات من عالم اللغة الى عالم السياسة واهتم بقضايا الشرق الاوسط، كونه منتم الى الجناح اليساري في الحركة الصهيونية . يقول نعوم تشومسكي في كتاب “السلطان الخطير” الذي يتناول السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط:
(كان بإمكانهم إرسال فريق من قسم الهندسة الكهربائية في معهد ماساتشوستس للتكنلوجيا لإصلاح النظام الكهربائي واستثمار أي مقدار من المال في إعادة الإعمار فلم يكن هناك دعم خارجي لأي تمرد ولكن في واقع الامر كان عليهم أن يخلقوا تمرداً حقيقياً بوحشيتهم وفجورهم ، لقد بدت لعبة سهلة الحسم وغنيمة هائلة .) فهل بعد ذلك من تعليق!