لماذا الإجماع العربي على تصرف منتظر الزيدي ؟
وكيف نحوله إلى فعل جماعي ؟
بقلم : زياد ابوشاويش
أستطيع القول دون خشية من زلل أو مبالغة بأن ما أقدم عليه الصحفي العربي الشاب تجاه رأس الإدارة الأمريكية قد حظي بتأييد الغالبية الساحقة من أبناء الأمة العربية، وأنه لا سابق لمثل هذا الإجماع على فعل مقاوم هو بحق من طراز فريد، ويعبر عن حقيقة هذا الإجماع كرهاً ورفضاً للسياسة الأمريكية، وتشفياً في رئيس دولة أحمق سخر إمكانات بلده الهائلة في العدوان على الوطن العربي كما باقي بلدان العالم، وهدد السلام العالمي تحت ذرائع كاذبة ومزيفة كالحرب على “الإرهاب”، والحرب الاستباقية وغيرها من الأغلفة والسواتر التي تخفي داخلها ووراءها عقلية مريضة وهوس بالسيطرة، وأحلام امبراطورية غير مشروعة، وهو ينهي رئاسته المدمرة بالمزيد من الغطرسة والعدوان ما جعل توجيه الأحذية إليه أمام كل الدنيا عملاً مناسباً للغاية للرد عليه وملائماً للتعبير عن مكنونات العالم كله تجاه رجل يغادر وقد ترك وراءه كماً كبيراً من الخراب والأزمات المستعصية ليس أخطرها الأزمة الاقتصادية المستفحلة والممسكة بخناق بلده والعالم.
لقد استمعت في الأيام القليلة الماضية وقرأت لعدد كبير من المعلقين والكتاب العرب والأجانب يتناولون ما جرى في بغداد أثناء مؤتمر بوش والمالكي بعد توقيع اتفاق الانتداب المسمى اتفاقاً أمنياً بين العراق وأمريكا، وفي الجانب العربي من هذه التعليقات والكتابات التي صدرت عن فئات مختلفة من حيث المهنة والعمر والبلد الذي ينتمي له المعلق والكاتب وجدت أن الإجماع كاملاً على تأييد إهانة بوش بالحذاء إلا من قلة ممن لا وزن لهم تذرعوا بالخوف من ردة الفعل الأمريكية أوبالأصول المتعارفة للتعبير من صحفي أو بأن الفعل كان عاطفياً وكذا التأييد له، أما باقي التعليقات فقد حملت قدراً كبيراً من المنطق الهاديء والعقلاني في تأييد الهجوم بالأحذية على الرئيس بوش بسبب ظلمه لأخوتهم في أكثر من بلد عربي وخصوصاً العراق ولحماقته وغطرسته التي لا يستطيع إخفاءها سواء في كلماته أو تعابير وجهه المستفزة أو باعتبارها وسيلة تعبير مشروعة. وقد حملت ذات التعليقات المؤيدة قدراً أكبر من العواطف الجياشة حباً وعطفاً على صانع الحدث منتظر الزيدي، وغضباً وكرهاً تجاه الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة بالكامل لاسرائيل ولعدوانها المستمر علينا وتشفياً وفرحاً للإهانة التي وجهت لرأس إدارة المحافظين الجدد باعتبارها الطريقة المناسبة للغاية لتأكيد الاجماع العربي على رفض السياسة الأمريكية وممثلها الذي اعتقد أن زيارته المفاجئة والمهينة لبغداد ستمر بدون رادع فأتى رد الإهانة مزلزلاً وشديد الدلالة رغم أنف بوش ووسائل إعلامه المختلفة ورده المفتعل على الواقعة والذي حاول فيه تجريد هذا الفعل المقاوم من عمقه الجماهيري وإجماع الأمة عليه بالقول أن البطل منتظر الزيدي لم يكن يعبر عن العراقيين، وبوش بهذا لايعلم أن كلامه سيزيد هذا الاجماع وسيجعل الفعل العربي الشجاع لصحفي شاب أكثر شرعية وملاءمة في نظر الناس جميعاً.
ربما يلخص ما أقدم عليه منتظر الزيدي كل مشاعر الحقد التي يكتنزها جمهورنا العربي تجاه احتلال العراق وتدميره وقتل أبنائه، وتجاه ما يجري في فلسطين ولبنان والسودان وغيرها من الأقطار العربية، ويجعل الذاكرة تنتعش لاستعادة شريط الاعتداءات الأمريكية المباشرة أو عبر وكلائها المحليين لتدمير كل فرص التقدم والرفعة لهذه الأمة، كما يؤكد استخدام الحذاء في وجه المعتدي الجبار والمتغطرس تنوع وسائل المقاومة وقدرة الانسان على استنباط الوسيلة المناسبة في الوقت المناسب.. ولا يمكن إنكار قدرة هذا الفعل الكبير على تأجيج روح المقاومة والعزة والفخر في نفوس الناس من المحيط إلى الخليج، وهو يغني عن آلاف الكلمات ومثلها من برامج التعبئة الوطنية والقومية.. ومن هنا تأتي خطورة العمل وقدرته على صناعة رأي عام عربي ضاغط باتجاه تعديل سياسات عربية متساوقة مع الأمريكيين بطريقة مهينة لنا ولا تجدي نفعاً أو تقدم أي خدمة لعودة حقوقنا المهدورة على يد أمريكا وربيبتها إسرائيل.
وفي التعليقات الأجنبية على الحدث فإن الشق المتعلق بالمسلمين في أنحاء المعمورة يشبه إلى حد كبير الموقف العربي منه، أما الآخرين فقد انصبت تعليقاتهم على تفسير الأمر أسباباً ودوافعاً، ويمكننا تلخيص ذلك في أن الأمر يعود بكليته إلى شعور المواطن العربي بالغبن وعدم التوازن في سياسة أمريكا تجاه قضايا المنطقة، وأن بوش الذي لا يحظى في بلده سوى بنسبة هي الأدنى في تاريخ الرئاسات الأمريكية ليس مستغرباً على مواطن عراقي عربي أن يقذفه بالحذاء للتعبير عن رفض سياسته تجاه بلده وتجاه جملة الأكاذيب والتلفيقات التي برر بها بوش عدوانه الوحشي على العراق، وقتله عشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي المظلوم وتشريد ملايين آخرين.
إن تخاذل كثير من حكام العرب أمام الولايات المتحدة ومساندتهم للغزو الأمريكي للعراق كما استمرار الغطرسة الاسرائيلية في ظل تطبيع مخجل معها وتقديم التنازل تلو الآخر يضغط على روح ووجدان وعقل كل إنسان عربي يحمل ولو قليلاً من الحب والشعور بالانتماء لوطنه ويجعل من أي تصرف شجاع في مواجهة أمريكا واسرائيل عملاً بطولياً كما شاهدنا في مباراة كرة قدم بين مصر ودولة إفريقية حين رفع اللاعب المصري محمد أبو تريكه قميصه الرياضي لإظهار شعار تأييد المقاومة الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة، فما بالك والفعل الذي أقدم عليه الصحفي العراقي جرى في مواجهة رأس العدوان وهو بين حرسه وحلفائه وأمام الجميع، وبطريقة خلاقة ومبتكرة ترد على كل إهانة وجهت لشعبه ولأمته، متجاوزاً حالة الخنوع أمام أمريكا واسرائيل والتي يراها المواطن العربي ويلمس مفاعيلها كل يوم فيشعر بالخزي والعار تجاهها.
سيبقى ما قام به الشاب العربي منتظر الزيدي نبراساً لكل نفس أبية تنشد الحق والعدل والكرامة الانسانية، وحبذا لو تحول مثل هذا العمل البطولي الفردي لفعل جماعي بذات نسبة الالتفاف حول معناه وحول من قام به وهذا هو المطلوب في هذه الظروف العصيبة.
زياد ابوشاويش