د. فايز أبو شمالة
“لا خيار، الجيش الإسرائيلي في طريقة إلى هجوم شامل على قطاع غزة”، بهذه الجملة، وبخط عريض جاء عنوان صحيفة “يديعوت أحرنوت” وهي تنقل عن مصدر أمني كبير في الجيش الإسرائيلي تعليقه على استمرار تساقط قذائف المقاومة، وتضيف الصحيفة، ولكن في الأوساط الأمنية، والجيش الإسرائيلي، يخشون من امتداد المواجهة، وإطالة أمدها، وما قد تسببه من أضرار جسيمة للطرفين، ستؤثر بصورة سلبية على مزاج الشارع الإسرائيلي، وعلى المجتمع الدولي، وما ينجم عن ذلك من ضغط لوقف الهجوم الإسرائيلي دون توقف إطلاق القذائف الفلسطينية، وفي حالة كهذه سيبدو الأمر نصراً لرجال المقاومة، وهزيمة لإسرائيل، إن “حماس” تفهم هذا، وتؤسس عليه، يضيف المصدر الأمني الإسرائيلي: “هم يقرءوننا مثلما كتاب مفتوح، ولهذا هم يتحدوننا، رغم أن حركة حماس مثلنا، غير راغبة في عملية واسعة للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة”.
رغم لغة التهديد والوعيد، فإن المدقق في كلام المصادر الأمنية يكتشف التالي:
1- الاعتراف الإسرائيلي بالواقع الميداني الجديد في قطاع غزة، وصلابة رجال المقاومة، واستحالة تحقيق الأمن لسكان البلدات المحيطة بغزة عن طريق القوة.
2- تبرير مسبق لفشل العملية العسكرية على قطاع غزة في حالة القيام بها، وتبرير للسلوك العسكري العاجز عن فعل شيء إزاء قذائف المقاومة التي انطلقت كتجارب بدائية قبل خمس سنوات، لتصير وجعاً لا يبرح خاصرة الدولة العبرية.
3- الاعتراف الإسرائيلي بقدرة العرب على قراءة الواقع، وفهم العقلية اليهودية، ومن ثم الاستنتاج، والتصرف على هدي القراءة الصحيحة، هو اعتراف بالعقل العربي لأول مرة، واعتراف بالندية في فهم الواقع، وهو ما يبشر بقادم أيام يغاير ما سبق، حين كان رأي اليهود بالعرب يعتمد على مقولة وزير حربهم “موشي ديان”: العرب لا يقرءون، وإن قرءوا لا يفهمون، لقد جاءت مقولة “موشي ديان” نتاج انتصارات سهلة حققها جيشه على الجيوش العربية في أكثر من معركة.
لم يغير اليهودي رأيه بالعربي إلا بعد أن غير العربي من واقعة، ومن سلوكه، لقد خلع العربي رداء الخوف، ولبس ثوب الشهادة، وعشق المواجهة، فصار نداً في الميدان، لتجد الدولة العبرية نفسها عاجزة عن السيطرة على قطاع غزة المحاصر من كل الجهات، وقد تم احتلاله قبل أربعين سنة في عدة ساعات، وظل محتلاً لعشرات السنين، اليوم ورغم التطور العسكري، والتقني الهائل الذي حصلت عليه الدولة العبرية، تقف على بوابات قطاع غزة عاجزة عن فعل شيء.
إن هذا الإقرار الإسرائيلي بالواقع الميداني الجديد في قطاع غزة، وباستحالة تحقيق نصر عسكري سهل كسابق الزمان، لهو مقدمة لإقرار إسرائيلي بجديد الواقع السياسي الفلسطيني القائم على التكافؤ، والندية، والقدرة على التحول من تقبل الإملاء الإسرائيلي إلى فرض الإرادة العربية.