جهاد نصره
لما مرض ـ معاوية ـ مرضه الذي هلك فيه وكان ذلك في سنة ستين، دعا ابنه ـ يزيد ـ وكان قد نصَّبه
ولياً للعهد وقال له: يا بنيِّ، إني قد كفيتك الرجال والترحال، ووطأت لك الأشياء، وذللّت لك الأعداء، وأخضعت لك أعناق العرب، وجمعت لك من جميع واحد، وإني لا أتخوَّف أن ينازعك هذا الأمر الذي استتبّ لك إلا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي، وعبد اللـه بن عمر، وعبد اللـه بن الزّبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فأما عبد اللـه بن عمر فرجلٌ قد وقَذتَه العبادة، وإذا لم يبق أحدٌ غيره بايعك، وأما الحسين بن عليّ فإنه رجلٌ خفيف وأرجو أن يكفيكه اللـه بمن قتل أباه، وخذل أخاه، وإنّ أهل العراق لن يدعوه حتى يُخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإنّ له رَحِماً ماسّة، وحقاً عظيماً، وأما ابن أبى بكر فرجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم، ليس له همّة إلا في النساء واللـهو، وأما الذي يجثم لك جثومَ الأسد، ويراوغك روغان الثعلب، فإذا أمكنتْه فرصةٌ وثب، فذاك ابن الزبير فهو خبٌ ضبٌ، فإن هو فعَلَها بك فقَدَرت عليه فقطَّعه إرباً إرباً..! من كتاب المعمرين لأبي حاتم.
وقد هلك ـ معاوية ـ في دمشق بعد أن دشَّن مبدأ التوريث الذي سيصير عرفاً سياسياً في بلدان العرب وكان ذلك يوم الخميس للنصف من رجب من سنة ستين وهو ابن خمسٍ وسبعين سنة وكان ـ الحسن بن علي ـ قد بايعه في جُمادَى الأولى سنة إحدى وأربعين فكانت مدة خلافته تسع عشرة سنةً وثلاثة أشهر وسبعة وعشرين يوماً.. وقد ترك وراءه من النساء:
1- ميسون بنت بحدل التي ولدت له يزيد.
2- فاختة ابنة قرظة.
3- نائلة بنت عمارة.
4- كتوة بنت قرظة أخت فاختة.
لقد حاول ـ معاوية ـ خلال فترة خلافته نقل منبر الرسول من مسجد المدينة إلى الشام.. وجرى خلال ولايته حرق الكعبة بعد رميها بالمنجنيق حتى مالت جدرانها وقد هدمها ابن الزبير حتى سواها بالأرض وأعاد بناءها..!؟
أما وريثه ـ يزيد ـ فقد عمل على تثبيت خلافته بحدِّ السيف وجزِّ الرقاب إلى أن هلك وعمره تسع وثلاثين سنة فلم تستمر ولايته سوى ثلاث سنين وثمانية أشهر وبويع لابنه ـ معاوية ـ وكان عمره ثلاث عشرة سنةً وثمانية عشر يوماً لكنه مات بعد أربعين يوماً فقط..! فآلت الخلافة بعد صراع دامٍ.. ومناورات عائلية إلى ـ مروان بن الحكم ـ ذلك لأن معاوية ابن يزيد أبى عند وفاته أن يستخلف أحداً من إخوته لصغر سنهم لكن حسان بن مالك خال يزيد أراد أن يجعل الأمر بعد معاوية بن يزيد لأخيه الصغير خالد بن يزيد بن معاوية ولصغر سنه قرر أن يبايع لمروان على أن يجعل الأمر بعده لخالد وليضمن ذلك قال لمروان: تزوج أمّ خالد فأبايعك وأهل الشام معي..! فتزوج ـ مروان ـ من فوره أم خالد لكنه خان العهد حين أمر بالبيعة من بعده لابنيه عبد الملك وعبد العزيز وجعلهما وليِّ العهد.. وكان قبل ذلك يوجه الإهانات لخالد أمام الناس كي يحطّ من شأنه فيبعده عن الخلافة بالتي هي أحسن..! وحدث أن دخل ـ خالد ـ يوماً على ـ مروان ـ وعنده صفوة القوم فخاطبه مروان قائلاً: تعالَ يا بن الرَّطبة الإست فرجع إلى أمه ذليلاً فأخبرها فقالت له أمه: لا يعرفنّ ذلك منك واسكت فإني أكفيكه فدخل عليها ـ مروان ـ فقال لها : هل قال لكِ خالد فيّ شيئاً ؟. فقالت: وخالد يقول فيك شيئاً..! ثم مكثت أياماً ثم إنّ ـ مروان ـ نام عندها فغطته بالوسادة حتى قتلته فراح ضحية ـ الإست ـ بعد أن بويع له بالخلافة بتسعة أشهر وكان عمره ثلاث وستين سنة بالتمام.. والإست…!؟
اليوم، لا يزال العرب في معظم بلدانهم أسرى العرف الذي دشَّنه ـ معاوية ـ..! وما لم يتحرروا من هذا العرف المشين فإن مستقبلهم سيكون من كل بد مثل راهنهم هذا اللهم إذا كان لهم مستقبل…!؟
1- تاريخ الطبري.
2- ابن الأثير.
3- ابن الجوزى- تلبيس إبليس.
4- كتاب المسالك والممالك لـ أبو عبيد البكري.