ماذا سيفعل الناس إذا طُلب منهم إطاعة الأوامر، والضغط على زر معيّن سيتسبب بصدمة كهربائية بقوة 450 فولت، تترك آلاما وأوجاعا مبرحة لإنسان بريء؟
الإجابة هي أن معظمهم سيختار الضغط على هذا الزر، حتى وإن ظهرت آثار الألم على الضحية، أو قام بالصراخ، وطلب النجدة.
هذا ما خرجت به دراسة ستنشر في يناير/ كانون الثاني المقبل حول “سيكولوجيا الشر” وميل معظم البشر إلى إطاعة الأوامر دون نقاش، حتى وإن تركت آثاراً مدمرة على الآخرين.
وقال القيمون على الدراسة، إنهم تمكنوا بذلك من تحديد اللحظات التي تجعل بعض الأشخاص “وحوشا مفترسة،” وتجعل من آخرين أبطال.
ومن المقرر أن تُنشر الدراسة في مجلة “طبيب النفس الأمريكي،” وهي تعيد تأكيد صحة تجربة مماثلة أجراها عالم النفس المعروف، ستانلي ميلغرام، قبل عقود طويلة، حول كيفية تصرف البشر تحت ضغط الأوامر المباشرة.
واعتمدت تجربة ميلغرام، صاحب النظرية التي تساءل من خلالها ذات يوم حول إمكانية اعتبار النازيين المشاركين في مجازر اليهود خلال الحرب العالمية الثانية مجرد شركاء، تدخلوا في الجريمة بعد تلقيهم الأوامر.
وتقوم التجربة على فكرة “الأستاذ” و”التلميذ”، حيث يتوجب على الأول أن يلقّن الثاني بعض الكلمات، مع خيار معاقبته إذا ما فشل في حفظها عبر صدمات كهربائية من آلة تتيح توجيه 30 مستوى من الصدمات، تزيد كل منها عن الأخرى بـ15 فولتاً.
ولم تكن الآلة موصولة بالفعل إلى “ضحية”، بل كانت تحمل تسجيلاً صوتياً لصرخات ناجمة عن ألم ونداءات استغاثة، لكن الذين يلعبون دور “الأستاذ” في التجربة كانوا يجهلون ذلك، علماً أن الآلة كانت تواظب على توجيه الأوامر لهم بمتابعة التجربة، رغم مظاهر الألم الصادرة عن “التلميذ” المزعوم.
وكان المذهل في التجربة هو أن 65 في المائة من الأشخاص الذين شاركوا فيها وصلوا إلى مرحلة توجيه الصدمة الكهربائية بكامل طاقتها (450 فولت) للتلميذ، دون الاكتراث لصراخه، الأمر الذي شرحه طبيب النفس، توماس بلاس، بالقول إنه يثبت ميل البشر لإطاعة أوامر الأشخاص الذين يكنون الاحترام لهم.
أما بالنسبة للدراسة الجديدة، فقد اعتمدت بعض التغييرات لأسباب قانونية تتعلق بنظام إجراء التجارب في الولايات المتحدة، مما اضطرها لخفض الحد الأقصى لقوة الصدمة الكهربائية إلى 150 فولت، ومع ذلك فقد ارتفعت نسبة الذين بلغوا الحد الأقصى إلى 79 في المائة.