خادمة مسلسلة الرقبة في قفص للكلاب.. سائق ملجوم الفم كحصان الجر.. عاملة تلتهم طعامها أسفل حذاء سيدتها.. هذه الصور، التي وصفت بـ”الصادمة”، احتوت عليها ملصقات حملة الرحمة للرفق بالإنسان “من لا يرحم لا يرحم”، التي تعرضها هذه الأيام بعض القنوات الفضائية السعودية الخاصة؛ مما أثار جدلا واسعا داخل المجتمع السعودي.
فبينما يطالب كتاب وصحفيون سعوديون بإيقاف الحملة؛ معتبرين أنها تسيء للشعب السعودي، بإظهاره “منزوع الرحمة” في تعامله مع الآخر، تقول الشركة المنفذة للحملة إنها ترمي إلى التنبيه بما تعتبرها “معاملة لا إنسانية” للعمالة الوافدة من جانب بعض السعوديين.
وتعرض قنوات، من بينها شبكة “إم. بي. سي” و”روتانا” منذ أسبوعين، مجموعة إعلانات مصورة قصيرة، تظهر من يفترض أنهم سعوديون وهم يتعاملون بشكل سيء مع عمال وافدين، وتتضمن الحملة صور وملصقات، اعتذرت الصحف السعودية عن نشرها كإعلان، وفقا لشركة “فول ستوب” الإعلانية، منفذة الحملة.
وسبق لهذه القنوات عرض إعلانات مصورة قصيرة “كليبات” من إنتاج ذات الشركة، عن أهمية الصلاة وبر الوالدين وكفالة اليتيم وأخطار التدخين، وبعض السلوكيات المذمومة، كالنميمة.
إلا أن صحيفة “الحياة” اللندنية، ذات التمويل السعودي، نشرت صور وملصقات حملة الرفق بالإنسان، وأيد إعلاميون وحقوقيون سعوديون الحملة، ووصفوها بأنها إيجابية تتطرق إلى مشاكل لا يمكن علاجها إلا بإبرازها في وسائل الإعلام، وتعبر عن قدرة المجتمع السعودي على توصيف وعرض مشاكله، ومن ثم علاجها.
وتقول جماعات حقوقية إن معاملة العمال الوافدين إلى منطقة الخليج لا تتوافق في بعض الأحيان مع حقوق الإنسان؛ حيث يتعرض البعضلممارسات مهينة، منها العمل ساعات أطول دون الحصول على أجر أو إجازات، والإقامة في ظروف غير إنسانية.
“من لا يَرْحَم لا يُرْحَم”
حملة الرحمة تتكون من ثلاث فقرات إعلانية مصورة، وثلاثة ملصقات دعائية، تظهر الشعارات الرئيسية للحملة، ومن بينها “من لا يَرْحَم لا يُرْحَم”، و”لا تجردني إنسانيتي”.
ويظهر الإعلان المصور الرئيسي، المؤلف من أربعة مشاهد، رجل أعمال سعودي وهو يكيل سيلا من الإساءات لعاملة وافدة في منزله لعدم كيها ملابسه على الوجه الأمثل، وفي مشهد آخر يرفض ذات الرجل طلبا من خادمه لدفع راتبه المتأخر ثلاثة أشهر، وفي مشهد ثالث يحرم موظفا من الذهاب خلال العمل لزيارة ابنته المريضة في المستشفى.
ثم يختم الإعلان بمشهد يظهر فيه رجل الأعمال وهو يصلي مناشدا ربه أن يرحمه، ثم تتلاشى الصورة تدريجيا لتظهر عبارة: “من لا يرحم لا يرحم”.
أما ملصقات الحملة الثلاثة، فيصور الأول خادمة تطل من خارج قفص للكلاب مع سلسلة حول رقبتها، في حين يصور الثاني خادمة جاثية على ركبتيها أمام وعاء للطعام مخصص للكلاب قبالة حذاء سيدتها، بينما يصور الملصق الأخير سائق خاص يرتدي لجاما في فمه تمسك بطرفه سيدة سعودية.
“إساءة”
ومنذ بداية الحملة، تتصاعد وتتسع وتيرة الهجوم عليها في الصحف السعودية؛ إذ اعتبر عدد من الكتاب والصحفيين السعوديين أن الحملة تسئ إلى السعوديين؛ بقصرها تلك الممارسات على المجتمع السعودي دون غيره.
وقال الصحفي طراد الأسمري، أحد أبرز منتقدي الحملة، في تصريح لشبكة “إسلام أون لاين. نت”، إن “هذه الحملة تسيء إلى صورة المجتمع السعودي، وتتجاهل واقع مشكلة سوء معاملة العمالة الوافدة، خاصة المنزلية في مجتمعات أخرى”.
ورأى أنها “ستتسبب في توليد حالة من الكراهية بين العمالة الأجنبية والمواطن السعودي”، وتساءل مستنكرا: “هل الرحمة محصورة في
التعامل مع العمالة المنزلية فقط؟ وهل الرحمة مطلوبة من السعوديين دون غيرهم؟”، مطالبا القائمين على الحملة بالاعتذار للشعب السعودي.
التعامل مع العمالة المنزلية فقط؟ وهل الرحمة مطلوبة من السعوديين دون غيرهم؟”، مطالبا القائمين على الحملة بالاعتذار للشعب السعودي.
بدوره، وصف الأكاديمي السعودي، الدكتور مطلق سعود المطيري، الحملة بأنها “فضيحة للمملكة”؛ باعتبار أنها تعرض على العالم العربي كله من خلال الفضائيات.
وانتقد د. المطيري في مقال نشرته جريدة “الرياض” السعودية في الأسبوع الأول من هذا الشهر الحملة بصورتها الحالية، معتبرا أن “علاج القضايا المحلية في القنوات الفضائية يعني تحويل الإشكالية إلى فضيحة دون أن ندري”.
إلا أنه اعترف بأن الحملة تتناول مشكلة موجودة بالفعل في المجتمع السعودي، قائلا إن “الحملة وإن تحدثت عن حقيقة كائنة بالفعل، فإنها مصابة بقصور نظر، فالنداء الإنساني ما إن يتجاوز حدود السعودية، حتى يضع من لا يعرفها (المملكة) أمام حقيقة أخرى، مفادها أن المجتمع السعودي مجتمع وحشي ولا إنساني”.
الرسالة “عامة”
على الجانب الآخر، رد قسورة الخطاب، رئيس شركة “فول ستوب”، المنفذة للحملة، قائلا إنها “حملة توعية، وليست اتهام”.
وأضاف الخطاب في تصريح لـ”إسلام أون لاين. نت”: “رسالة الحملة عامة، مفادها أن من لا يَرْحَم لا يُرْحَم، ولكونها أنتجت في السعودية، فمن البديهي أن يكون طابعها سعودي، ولو كانت أنتجت في مصر أو لبنان لكان طابعها كذلك”.
وأوضح أن ما عرض حتى الآن هو المرحلة الأولى من الحملة، والتي تهدف إلى “إحداث نوع من الصدمة للفت الانتباه”، مضيفا أنه ستكون هناك “مرحلتين تاليتين تظهران كيف يمكن التعامل بشكل إيجابي مع العمالة الوافدة”.
واعتبر أن “الحملة أثبتت أن السعوديين لا يدفنون رءوسهم في الرمال، وأن لديهم الجرأة على التحدث بشفافية عن المشاكل الموجودة مقارنة بدول أخرى تعاني من مصائب لا يتم الحديث عنها”.
وقال الخطاب إن إنتاج الحملة تكلف 100 ألف دولار، في حين يكلف عرضها حوالي 1.4 مليون دولار، موضحا أن رجل إعمال سعودي تبرع بتلك التكاليف، مشيرا إلى أنه رفض ذكر اسمه، باعتباره “فاعل خير”.
جرعات حقوقية
وتحظى الحملة بتأييد العديد من الحقوقيين، حيث قال الدكتور زهير الحارثي، عضو هيئة حقوق الإنسان السعودية، (حكومية): “أرى أن الحملة هدفها إنساني؛ لأننا نحتاج لجرعات حقوقية توضح للمواطن والمقيم أهمية حقوق الإنسان وكيفية حمايتها”.
وأضاف الحارثي في تصريح لـ”إسلام أون لاين. نت”: “هذا هو رأيي الشخصي، وليس رأي الهيئة”، وشدد على أن “أي محاولة لتشويه الحملة تعتبر تحايلا على الواقع؛ لأن مشكلة إساءة العمالة الوافدة موجودة، والاعتراف بها يعتبر نصف الحل”.
وفيما يتعلق باعتذار بعض الصحف عن عدم نشر ملصقات الحملة، أوضح الحارثي أن: “بعض وسائل الإعلام تخشى المساس بأمور تعتقدها مقدسة، في حين أن هذه الأمور يجب التحدث عنها علنا؛ لأنها لن تحل ما لم تظهر في وسائل الإعلام وتناقش بحرية وبشفافية”.
——————————————————————————–
صحفي ومراسل شبكة إسلام أون لاين في المملكة العربية السعودية.