علي دراغمة / نابلس
احد أهم معالم مدينة نابلس دوارها الشهيرالذي يحتفظ بذاكرة غنية اشبه ما تكون بالموسوعة ، ولكل مدينة فلسطينية لها دوار وله حكايه مشابه كما تتشابه حكايات الجدات” في كان يا ما كان” و جمال هذا الدوار كان دائما يختفي خلف رصاص المسدسات وقعقعة السلاح والفوضى والفلتان،الا انه دائما كان يدور و يعود من جديد وكأنه الشاهد الوحيد على ذاكرة المكان.
من هنا مر الاحتلال البغيظ بالدبابات” وقتل الأبرياء وهدم دوارهم”ومن هنا مر الزعماء وهتفوا للنصر والتحرير وجيشوا الثوار للحروب وغادروا قبل اكتمال الحلم وتحرير الدار و الدوار ، وهنا ولد ابراهيم طوقان وفدوى طوقان وهنا “ولدت أشعارهم “المحفورة كالايات في الذاكرة.
وعلى هذا الدوار لا تزال ساعة الجوفيال شامخة منذ عقود تراقب المكان بعد ان توقفت عن حساب الزمن،اثر اصابتها برصاص الموت في الخاصرة وهى تنتظر عودة من غابوا ومن هاجروا.
وعلى هذا الدوار الذي اكتسب اسمه من الشهداء ، نقشت اسماء الاحبة وصورهم واعدادهم ،وعلى رصيفة الذي اخذ القدسية من شرف الشهادة، صلى المؤمنون بحتمية النصر والتحرير والأنعتاق من ظلم الاحتلال وذوي القربه، و مسلحي القبائل، والمنعمين باسم الحفاظ على البلاد والعباد واقصى ما يذهب اليه خيالهم.
وعلى هذا الدوار مر من تمرسوا على لعبة الفلتان وامتشاق السلاح وقد تعددت اسمائهم واشكالهم ولم تتغير اطباعهم ،فكلما هب الريح على هذا الدوار، تعود رصاصات الفلتان والشتائم باسم الوطن و الحفاظ على القبيلة والتعصب الأعمى وما اكثر اسبابهم واتباعهم.
لست بصدد المناشدة لأحد ،ولكن لماذا يسمح بعودة العسكرة والفلتان والفوضى التي ادت الى الأنقسام بأشكال جديدة محمية بأسم القانون والطبطبة على الاكتاف ؟ وهل يسمح بنفي وجود مجتمع مدني كان فاعلاً حتى مع وجود الأحتلال؟ولماذا يسمح بوضع جدران في وجه الوفاق والمصالحة،ام ان للبعض مصلحة في استمرار الوضع الشاذ بين حركتي فتح وحماس، وفرض العسكرة والحكم بالكرباج على الناس على دوارنا ودوارهم ؟.
اذن لن يفقد هذا الدوار شيء من الذاكرة، ولن ينسى من اساء باسم الانتماء وروع البشر على خلفية نفي الأخر والحكم بالعصا، ومنع التعددية و مارس القمع على الفصائل الصغيرة ومؤسسات المجتمع المدني ،وكأنهم اصبحوا غرباء في دارهم ،وما اصعب ان يشعر الأنسان بالغربة وهو وسط اهلة وداره.
صناديق الأنتخاب ستكون هى الفيصل وفيها سيكون الحساب،وان صدق ظني لم يتعلم بعض الفلسطينيين درس الانتخابات التي كشفت عوراتهم، الا اذا اضمروا ان لا انتخابات بعد اليوم الا على مقاسهم .
وإذا شيخوخة المكان لم تتمكن من فرض احترامها على زوار الدوار وسكانه ، فما هو المنتظر وماذا سيحل بالديمقراطية الفلسطينية التي اعتاد عليها المواطنين بكل انتماءاتهم الحزبية؟ بعد أن تحولت البلد الى معسكرات يتصرفوا فيها دون مسائلة بأسم الحفاظ على امن البلد.
وهكذا تدور الدوائر على هذا الدوار للتتمكن رصاصة واحدة من مسلح واحد ان تجعل الفلتان يعود على دوارالشهداء في نابلس او رام الله والخليل ورفح وخان يونس وطولكرم وجينين، ام انهم لا يعرفون ان الزمن دوار وربما لن يكون دوارهم ؟.