المشاركة أو المقاطعة نتيجة واحدة..!!
*كتب/ رداد السلامي
المهتمون أوالمعنيون بشؤون التحولات الديمقراطية في المنطقة يصوبون اهتماماتهم نحو رصد حجم تأثير القوى السياسية ودورها في عملية التطور السياسي في كل دولة على حدة، سواء عن طريق الضغط على النظام ومخاصمته أم عبر التفاهم مع الحكم ومشاركته. مع التأكيد على أن مشاركة السلطة أو معارضتها هو اختيار سياسي لا يجوز الاستهانة به في مسار دعم الديمقراطية وتطويرها، ولا ينبغي مقاربته بطريقة تعميمية وبمواقف مسبقة، وإنما عبر قراءة متأنية وهادئة.
غير أن المشكلة العويصة في اليمن ، هي ضعف قوى التوازن السياسي الواعية، وحضور خفي لقوى مختلة لا تلعب دورا إيجابيا، بقدر ما تلعب دورا سلبيا ذو مردود متأزم ومثير للفوضى، والمزيد من الإرباكات، التي ترتد بالضد على السلطة ذاتها كونها جزء فاعلا فيها ،وتلعب دورا محوريا في صنع سلوكها السياسي.
ففي ظل أزمات داخلية يعيشها نظام صالح ،الذي يتصارع مع ذاته ويخوض تصفيات ذاتية لجزء من قواه المتموضعة فيه ، وتلك الشابة التي تعمل على نفي القديم كلا من جهته للفوز بنصيب وافر من تأسيس قوى نفوذ جديدة ،تمهيدا لأحكام القبضة على مقاليد الأمور، أو بالأصح تقاسم ميراث الحكم بكامل منظومته الكئيبة التي قتلت بهجة اليمنيين، وجعلت البلاد اليوم على كف مستقبل مجهول معالمه تتبدى من خلال ملامح حاصلة ومخاضات سلبية تهدد وحدة اليمن ونسيجه الاجتماعي.
فإذا كانت المعارضة اليمنية –تكتل المشترك- قوة ينظر إليها بعين الاعتبار من قبل الشعب والخوف من قبل السلطة ، إلا أنها سرعان ما تصاب بوهن الراحة بعد حركة إيجابية على مستوى الشارع ، إذ انها تفقد فورة حماسها معتقدة أنها بحشد قوي واحد ليوم واحد أو أيام على فترات متقطعة قد لقنت السلطة درسا في فن الإصغاء لها ، وإخراجها من حالة الصمم السياسي الذي تتعمد الرد به على مطالبها ، فالمعارضة لا تبدي جدية في المعارضة بدليل أنها ، تنسى أنها معارضة سياسية يجب أن تكون ذات نضال مستدام لا يهدأ ، و لا يعرف وقتا للراحة ، لا مجرد فورة حماس سرعان ما تتلاشى عند أول رغبة شعبية في التغيير ..!!
ليس المطلوب منها المعارضة على الدوام من أجل المعارضة والصدام الدائم مع السلطة، ولا الموالاة الكاملة للنظام والتنازل عن المطالب السياسية والشعبية دون مبرر، وإنما يقاس نجاح القوى السياسية بقدرتها على الدفع في اتجاه إصلاح حقيقي يعمد إلى توزيع السلطة بين النخب الحاكمة والنخب السياسية، وإحداث توازن بين السلطات الثلاث، وتفعيل أدوات الرقابة والمتابعة، وتحرير السلطة من التمحور في خدمة المصالح الخاصة والمحدودة لنخبة الحكم، وهذا ما تبدو اليوم المعارضة غير قادرة على تحقيقه كحد تغييري أدنى ،فما بالكم بالتغيير الجذري للنظام الذي تردده نخبها السياسية على منابرها الإعلامية عديمة الجدوى والفاعلية ، والتي لم تراكم وعيا سياسيا حتى بين أعضاءها والمنتمين إليها بأهمية الإصلاح وخطورة استمرار النظام في إنتاج ذاته على البلاد ووحدتها وأمنها واستقراها وتقدمها.
إن انتفاضة 27نوفمبر الماضية بصنعاء أوجدت كما- أخمن- حالة من الخوف لدى الصغار الطامحين بوراثة الحكم والمتصارعين خفية علية ، مما جعلهم يضبطون إيقاع صراعهم بحيث لا تؤثر عليه تدخلات أخرى-حتى ولو كانت من الداخل- أي أن يبقون مسار الصراع في إطار لا يخرج عن جعل العوامل الخارجية تعمل على حرف مساره لتستفيد منه فالكعكة يجب أن يقتسمها في النهاية الأبناء ، وإن تفاوتت القوة فيما بينهم ، لكن موقفهم من المعارضة واحد ، وإضعافها أمرا ضروري لعملية نقل ذلك الميراث الملغوم بأسوأ الأزمات.
مع ما يبدو أنه يحدث الآن ، استطيع أن أقول أن القوى السياسية تبدو فاقدة لعنوان المعارضة ،وأصبح الانجاز الوحيد في أجندتها السياسية هو الخطاب الحماسي والحشد الانفعالي الآني الذي يفتقر إلى إستراتجية منظمة حتى على مستوى الشعار والمطالب المرفوعة فيه ،
كل مجتمع لديه جملة من المطالب ينتظر من الدولة العمل على تحقيقها، ودور القوى السياسية في جوهره يستهدف إيجاد مناخ يقبل بتنظيم تلك المطالب وتحقيقها ، وفرزها ضمن عناوين واضحة تندرج في إطار أعم هو إصلاح ما يفترض أنها دولة ، وخلق وسائل عمل تنسجم مع ظروف هذه الدولة الموضو
عية، والتي عادة ما تتمظهر في صيغة المعارضة من داخل النظام-وهو ما لايوجد ولن يوجد ، وإن بدأ يتخذ صيغة استقالات وتصريحات لشخصيات مؤثرة إلا انها وجدت ذاتها منفية ومشكوك بولائها وتهمة بنت الصحن ورسالة الوزير عبد القادر هلال دليل على ذلك- أو من خارجه.
عية، والتي عادة ما تتمظهر في صيغة المعارضة من داخل النظام-وهو ما لايوجد ولن يوجد ، وإن بدأ يتخذ صيغة استقالات وتصريحات لشخصيات مؤثرة إلا انها وجدت ذاتها منفية ومشكوك بولائها وتهمة بنت الصحن ورسالة الوزير عبد القادر هلال دليل على ذلك- أو من خارجه.
سيتهم البعض كاتب هذه السطور بأنه قد دفع له مبلغ مالي لقاء حديثه عن هزال المعارضة ، وأنه لم يذم السلطة إلا كنوع من محاولة إيهام القاريء بحياديته وموضوعيته ..ولكنني متشبث برأيي هذا مؤكدا للقارئ العزيز أني البارحة كنت أتململ جوعا وبردا ، ولم يسعفني إلا أخ صحفي بألف ريال منتصف الليل .
وإذا كانت الانتخابات تمثل إحدى الأدوات الهامة الراقية في تصعيد القوى السياسية لتصبح قوى توازن وطني فاعل قد عطلت تماما -كمنظومة متكاملة- لترتد بالضد على هذه القوى بحيث أن تزويرها من قبل النظام جعلها تتدحرج نحو المزيد من الضعف واللافاعلية ، واليأس الشعبي من قدرتها على تشكيل ضغط على السلطة لدفها باتجاه إصلاح حقيقي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.
ختاما في ظل هكذا معارضة لن تجدي المقاطعة أو المشاركة ، وفي كلا الحالتين يتنامى الأسوء..!!
*كاتب وصحفي يمني