التهدئة والانتخابات الإسرائيلية…..
بقلم :- راسم عبيدات
………في كل مرة يقترب فيها موعد الانتخابات الإسرائيلية،فإن الطيف السياسي الإسرائيلي بمختلف ألوانه وانتماءاته،يرى أن الطريق الأسهل والأسرع لكي يزيد من شعبيته وجماهيريته،ويحسن من مواقعه ومقاعده في البرلمان والحكومة، فلا مناص من زيادة وتيرة قمع وذبح الشعب الفلسطيني،وتسريع وتائر الاستيطان وشرعنة ما يسمى بالبؤر الاستيطانية غير الشرعية، وباختصار هناك اجماع عند ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي،أنه مزيداً من القتل والقمع للفلسطينيين،يعني مزيداً من المقاعد في الكنيست والحكومة.
واليوم مع وصول التهدئة في غزة الى نهايتها،هذه التهدئة التي واصلت إسرائيل خرقها ولم تفي ولم تنفذ اشتراطاتها حيث زادت من وتائر حصارها وقمعها للشعب الفلسطيني وأبقت على إغلاق المعابر،كما أن هذه التهدئة شكلت قيداً على المقاومة وأصبح كأن المطلوب وقف المقاومة مقابل فتح المعابر وإدخال مستلزمات الحياة الأساسية والمساعدات الإنسانية.
وفي إطار تحليلنا للتهدئة نقول بأن هناك من يدافع عن استمرار هذه التهدئة إسرائيليا،مستنداً إلى أن هذه التهدئة حسنت العلاقات ورفعت درجة التنسيق مع مصر وطورت إلى حد كبير العلاقات مع عدد من البلدان العربية المعتدلة،وليس أدل على ذلك من عقد مؤتمر حوار الأديان في نيويورك، والذي حضره أغلب زعماء الاعتدال العربي،كما أن التهدئة أفشلت المصالحة الوطنية الفلسطينية ومنعت انهيار السلطة الفلسطينية وتمدد سلطة حماس الى الضفة الغربية،ناهيك عن أنها زادت من الضغط العربي الرسمي على حماس،حتى أن الصحافة الإسرائيلية قالت بورود عدة رسائل من دول عربية،تطالب في حال رفض حماس وفصائل المقاومة تجديد التهدئة،بقطع رؤوس واغتيال قيادات عسكرية وسياسية في حماس،والفريق الإسرائيلي هذا في محاججته يقول،أن استمرار التهدئة والحاجة الى تجديدها مرتبط بعدد من المسائل وهي تعاظم قوة وقدرة وجهوزية فصائل المقاومة الفلسطينية وقدرتها على ضرب معظم تجمعات إسرائيل السكنية الجنوبية،وأيضاً الوضع الداخلي الإسرائيلي والانشغال في الانتخابات قد يشكل قيداً أخر على القيام بشن عملية عسكرية شاملة على القطاع،تفضي إلى إعادة الوجود العسكري الإسرائيلي هناك وما يترتب عليه من ثمن باهظ.
وهناك سبب أخر هو وجود الجندي الإسرائيلي”جلعاد شاليط” في الأسر،والذي قضيته أخذت بعداً شعبياً وجماهيرياً،وبالتالي يجب العمل على إعادته سالماً قبل القيام بأي عمل عسكري.
أما الفريق الأخر والذي تقف على رأسه قيادات من حزب “كاديما”(ليفني وموفاز)،فهي ترى أن استمرار التهدئة،لم يؤدي إلى وقف إطلاق نار متوتر كما هو الحال مع حزب الله في الجنوب اللبناني،والتهدئة استفادت منها فصائل المقاومة في زيادة قدراتها وقوتها وجهوزيتها العسكرية،وهي تدخل أنواع جديدة من الأسلحة من شأنها الإخلال بعوامل الردع،والتهدئة لم تؤدي لا إلى هدوء في المستوطنات الجنوبية ولا إلى إضعاف قوة حماس أو إلى إسقاطها،وبالتالي لا مناص من مغامرة عسكرية،إن لم تقضي على حماس وباقي قوى المقاومة تضعفها الى أقصى حد ممكن،وبما يمكن من تمرير الحل الإسرائيلي- الأمريكي،وبهذا الصدد ومن أجل تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لعملية عسكرية واسعة،ترى وزيرة الخارجية الإسرائيلية(ليفني)،أن الجيش الإسرائيلي في عملياته العسكرية غير ملزم بإعادة جنوده أحياء دائماً،وهي إشارة واضحة إلى أنه حتى لو قتل”شاليط” في العملية العسكرية فهناك ما يبرر ذلك،و(ليفني) ليست وحدها هي وقادة “كاديما” وعدد من قيادات حزب “العمل” من يستعجلون هذه العملية العسكرية،فرسول” السلام والمحبة” وبعد أن أتخم بقتل أطفال وشيوخ ونساء العراق،وعين مندوباً للرباعية”توني بلير”،فهو قلق من استمرار إطلاق الصواريخ على “سديروت”،ويتخوف من سقوط إحداها على مدرسة إسرائيلية وما يجلبه ذلك من كوارث،أما ما تقوم به إسرائيل من حصار وقتل يومي للشعب الفلسطيني فهو لا يقلق “بلير” ويرى ذلك عملاً مشروعاً،كيف لا وحكومته و
الحكومات الأوروبية الأخرى رفعت من سقف تعاونها مع إسرائيل مكافأة لها على استمرار حصارها وتجويعها واحتلالها للشعب والأرض الفلسطينية.
إن ما يحدث من تطورات إقليمية ودولية،له تأثير مباشر على أن يكون هناك تهدئة أم تصعيد عسكري،فمصر تبذل جهداً كبيراً من أجل العمل على تجديد واستمرار التهدئة،وهي ترى أن انهيار التهدئة وتدحرج الأمور نحو المواجهة العسكرية،والتي قد تأخذ بعداً اقليمياً ،من شأن ذلك أن يزيد الاحتقان والغليان الشعبي المصري الداخلي،وقد يطيح بأنظمة اعتدال عربية أخرى،ويبدو أن أي مواجهة عسكرية شاملة في القطاع ،ستجد لها تداعيات على جبهات أخرى وخصوصاً مع خطاب السيد حسن نصرالله ودعوته لنصرة الشعب الفلسطيني وقطاع غزة المحاصر،حيث شارك عشرات ألاف من أبناء الشعبين اللبناني والفلسطيني في المظاهرات التي دعا إليها سماحة الشيخ حسن نصرالله لهذا الغرض في الجنوب والبقاع وصيدا.
وربما نرى أن الأمور قد تذهب الى حد توغلات واجتياحات عسكرية محدودة،ينتج عنها هدنة طويلة الأمد،محكومة بعوامل وحسابات داخلية حمساوية- إسرائيلية،فحماس تريد أن تعزز سلطتها وسيطرتها على القطاع،بانتظار تبدلات وتطورات إقليمية ودولية وهي لا تستعجل الأمور،وإسرائيل تريد هدنة طويلة،وبما يبقي الوضع الداخلي الفلسطيني ضعيفاً،وبما يعمق من حالة الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة والقطاع،وبما يمكنها من مواصلة إجراءاتها على الأرض في مواصلة الاستيطان وإجراءات التهويد والأسرلة،وبانتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية وبداية تشكل الحكومة الإسرائيلية وبدء عمل الحكومة الأمريكية الجديدة حتى أوائل نيسان القادم،تبقى التطورات والمتغيرات قائمة صعوداً وهبوطاً نحو المزيد من التصعيد أو الانفراج المؤقت.
وفي اللحظة الراهنة ما نحن متيقنين منه أن التهدئة بصورتها وصيغتها الحالية،أصبحت مرفوضة جماهيرياً وفصائلياً،وخصوصاً أن الفصائل والجماهير لمست أن هذه التهدئة عدا عن أنها شكلت قيداً على المقاومة،فهي لم تحقق لا فتح معابر ولا رفع حصار،كما انها لم توقف أيدي إسرائيل في الضفة الغربية،بل استمرت في عمليات اغتيالها واعتقالاتها لنشطاء المقاومة الفلسطينية.
ومن هنا نقول أن الأمور حتى موعد الانتخابات الإسرائيلية مرشحة لجولة من المواجهات القاسية،والتي قد لا تصل حد مواجهة شاملة،قد ينتج عنها هدنة غير معلنة،أو هدنة طويلة الأمد بشروط جديدة تميلها نتائج المواجهات العسكرية القادمة.
راسم عبيدات
القدس – فلسطين
20/12/2008