اعترف ضابطا مخابرات في الولايات المتحدة، كانا على صلة بـقضية ((منشق عراقي)) هرب الى ألمانيا سنة 1999، وزعم أنه عالم بايولوجي عراقي، اعترفا أنه لم يكن إلا (سائق تكسي) و(أفاقاً) ووصفوه نقلاً عن أصدقاء له بأنه ((كذاب بالولادة)). وتساءل الجاسوسان الأميركيان عمن سيصدق الولايات المتحدة –بعد تجربة العراق- في حربها المفترضة ضد إيران بسبب برنامجها النووي
ويقول (جورج ويل) المحلل السياسي في صحيفة (صن ستار) وهو أحد كتاب مجموعة الواشنطن بوست: في أواخر سنة 2002، كان هناك ضابطان في المخابرات المركزية الأميركية CIA –يُعرفان باسم بيث ومارغريت- قويّي الرغبة في كشف أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي قيل إنّ الرئيس السابق (صدام حسين) يمتلكها.
لقد كانا معارضين بشكل كبير لوجهات النظر التي تتحدّث عن “صحة” تقارير هارب من العراق تتعلق ببرنامج الأسلحة البايولوجية لـ(صدام حسين)، وبشكل خاص (المختبرات المتنقلة) سيئة السمعة لهذه الأسلحة، والتي لم تُشاهد حتى الآن، ولم يعثر على شيء يدل على وجودها!.
وفي حديثه لـ (جورج ويل) يقول (بيث) بتحدّ: ((أنظر؛ يمكن أن نصدّق الكثير مما يقوله هذا الشخص الهارب من صدام حسين)).. فتنهره زميلته (مارغريت) ضابطة المخابرات بغضب وارتياب قائلة: ((بأي كلام ستثق أو تصدّق؟))..أجابها (بيث): ((بالكلام الموجود على الإنترنت))!.
وردّت (مارغريت): ((بالضبط، إنه على الإنترنت. وهو أيضا حصل على المعلومات من المكان نفسه))!. ويقول المحلل السياسي لصحيفة (صن ستار): كانت (مارغريت) على حق في تلك الواقعة، لأنها استعادت بعض المعلومات التي قرأتها في كتاب (Curveball) لمؤلفه (بوب دروجين) والذي نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز. وعنوان الكتاب (كيرفبول) هو الاسم الرمزي أو السري للمنشق الهارب العراقي كما كان يذيّل تقاريره للمخابرات الأميركية التي اعتمدتها إدارة (بوش) بشكل كبير كـ (حجة أو دليل) على حيازة نظام الرئيس السابق (صدام حسين) لأسلحة الدمار الشامل، وبالتالي تبرير قرار غزو العراق!.
وفي سنة 1999، كان المنشق العراقي (كيرفبول) قد هرب الى ألمانيا التي كانت تضم جزءاً مهماً من الشتات العراقي. وهم إما يبحثون عن الحياة الرضية في أوروبا، أو عن وظيفة رفيعة المستوى أو الحصول على سيارة مرسيدس، بحسب تعبير الصحيفة.وكان (كيرفبول) قد أثار انتباه وكالة المخابرات الألمانية بكلمة (بايووفين) أي الأسلحة الجرثومية. لقد زعم أنه مشترك بشكل مكثف في (علوم) نظام (صدام) القاتلة والمعقدة، وبشكل خاص تلك المختبرات المتنقلة سيئة السمعة، والتي يقول عنها المحلل السياسي (جورج ويل): ((إنها سيئة السمعة ولكننا نعرف الآن أنها غير موجودة))!.
ولقد رفض مسؤولو المخابرات الألمانية –الذين لامتهم الولايات المتحدة بسبب كيرفبول من جانب، ومن جانب آخر لأنهم لم يكتشفوا خلية همبرغر التي ينتسب إليها 3 من 4 طيارين نفذوا هجمات 11 سبتمبر الإرهابية- السماح للولايات المتحدة بإجراء مقابلة مع الهارب العراقي (كيرفبول). وبرغم ذلك، وحتى شهر آذار 2001، كان الألمان يعبّرون عن شكوكهم بما يزعمه (كيرفبول) بشأن الأسلحة العراقية الجرثومية، وفي نيسان 2002 كانت الاستخبارات البريطانية قد توصلت الى الرأي نفسه!.
وكان بعض المسؤولين الأميركان على هذا الرأي أيضاً، مثل (مارغريت) الضابطة في الـ CIA. لكنّ آخرين تورّطوا في استغلال (مصداقية كيرفبول) المفبركة، لكنهم لم يستطيعوا التراجع عنها سريعاً لأنهم بذلك سيغامرون بمواقعهم، وسيتعرضون لخزي مؤسساتي، فضلاً عن الإهانة الشخصية!. ولكل ذلك طبعاً تكشفت حقائقه بعد احتلال العراق سنة 2003. وفيما بعد كان أصدقاء أو معارف عراقيين لـ (كيرفبول) قد عرفوا مكانه، ووصفوه بأنه ((كذاب بالولادة)) وهو ليس عالماً، ولم يكن سوى (سائق تكسي)!.
ولكنْ قبل الغزو، كان (سائق التكسي) هذا، قد جهـّز الإدارة الأميركية بما أسمته وقتها (السبب الجوهري) لشن الحرب ضد العراق. ويقول المحلل السياسي في صحيفة (صن ستار) كان الهارب العراقي والكذاب بالولادة (كيرفبول) والذي يعمل سائق سيارة أجرة المصدر الأكثر أهمية لـ (كولن باول) وزير الخارجية السابق في خطابه الذي استغرق 80 دقيقة أمام مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، يعرض التفاصيل الكثيرة المفبركة عن برامج WMD العراقية للتدمير الشامل، وهو الخطاب الذي قوّى الدعم الدولي لشن الحرب ضد نظام الرئيس السابق (صدام حسين).
لقد قال (باول) يومها: ((لدينا تفاصيل من المصدر الأصلي عن مصانع الأسلحة البايولوجية المتنقلة أو في المنشآت الثابتة)). لقد استخدم (باول) كلمات (كيرفبول) كما استخدمها ضباط المخابرات في تقاريرهم. وكان (بيث) قد اعترف أن المنشق العراقي شخص غريب الأطوار بين الهاربين العراقيين الى ألمانيا. وتقارير
(كيرفبول) كانت كثيرة التفصيلات المفبركة، وفي الوقت نفسه معقدة وتقنية جداً بحيث لا يمكن أن لـ(مارغريت) مثلاً أن تختبرها أو تعطي رأيها بها. ولهذا فهي تقول بهذا الخصوص: ((لم أكن لأفهم شيئا منها))..لكن رحى الحرب قد دارت، وانتهى الأمر!.
(كيرفبول) كانت كثيرة التفصيلات المفبركة، وفي الوقت نفسه معقدة وتقنية جداً بحيث لا يمكن أن لـ(مارغريت) مثلاً أن تختبرها أو تعطي رأيها بها. ولهذا فهي تقول بهذا الخصوص: ((لم أكن لأفهم شيئا منها))..لكن رحى الحرب قد دارت، وانتهى الأمر!.
وأوضح (جورج ويل) قوله: إن (دروجين) مؤلف كتاب (كيرفبول) في البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية –بعد سقوط بغداد- كان جذلاً لأن (الوقائع) التي عرضها ليست فضائحية أو مخزية.تلك الصواريخ التي شخصها محللو صور الأقمار الصناعية؟ ولم تكن إلا صحوناً فولاذية لتجفيف الذرة. وفي صور أخرى للصواريخ الباليستية المصورة عبر الأقمار الصناعية، لم تكن هي الأخرى، إلا مواقع لمزارع تربية الدجاج كما أثبت ذلك مفتشو الأمم المتحدة.
وفي منتصف ليلة في بغداد-يقول جورج ويل- رأيتُ (سكوتر ليبي) كبير موظفي مكتب (ديك تشيني) يتحدث مع خبراء التنسيق الجغرافي المحترفين لقيادة البحث عن أسلحة الدمار الشامل ((الخفية)) أو ((المخبأة)) في العراق. والمضحك أن المكان المفترض لتخبئتها هو في لبنان.
ويدحض كتاب (دروجين) نفسه ما جاء في عنوانه الثانوي الذي كان (جواسيس..أكاذيب، ورجل محتال تسبب في الحرب)). وفي الحقيقة –يقول جورج ويل- إنّ (كيرفبول) لم يتسبب في الحرب، لكنه بالأحرى مهد الطريق إليها، بتغذية يقين الناس الذين أعمتهم اللامعقولية!.
ويضيف: من المحتمل أن يكون (دروجين) مبالغاً في اتهامه مسؤولي الولايات المتحدة، عندما قال إن الـ CIA بعد أن أخفقت في اكتشاف الخلايا الإرهابية التي نفذت هجمات 11 سبتمبر، اختلقت (أكذوبة الأسلحة الفتاكة) للعراق لتغطي بها (خيبتها)!. وفي جزء من الكتاب يحاول الكاتب أن يظهر المخابرات الأميركية بأنها أقل (شراً) لكنها أكثر تحذيراً. وأكثر تحذيراً –كما يقول الكاتب- لأن المشكلة كانت ناجمة عن (طبيعة إنسانية) وهناك دائماً الكثير من هذه (الآثام) التي ترتكبها الحكومات!. وسم الهارب العراقي (كيرفبول) أفاقاً ومحتالاً.
كما كتب (دروجين) يقول: ((إن المخابرات الأميركية سقطت عند أقدام كذبة ذكية، لأن الحقيقة كانت أكثر إزعاجاً. والمنشق العراقي الهارب لم يخدع الجواسيس الأميركان، بقدر ما خدعوا أنفسهم))!.
ولهذا –يؤكد المحلل السياسي جورج ويل- ترتفع الكثير من أصوات المسؤولين ممن كانوا على صلة بحرب العراق وبملف (أكذوبة الأسلحة العراقية) التي جعلت (بوش) نفسه يعترف بها مؤخراً، يثيرون الكثير من التساؤلات عمار يبرّر التهيئة لعمل عسكري ضد برنامج المفاعل النووي الإيراني. أما هل ستُحترم هذه الأصوات، فإن كتاب (دروجين) يوضح وبسبب واحد لماذا لن يكون الأمر كذلك!. ويتساءل ضابطا المخابرات (بيث) و(مارغريت) قائلين: ((ترى من سيصدق واشنطن في حرب ضد أسلحة دمار إيرانية، بعد التجربة العراقية؟)).