احمد النعيمي
انطلقت فردة الحذاء من يد البطل ، الزيدي .. وهو ينهال بالشتائم الكلبية التي تليق بتصرفات هذا الحيوان اللإنساني الذي انتهك كل الحريات والحقوق وأزهق الأرواح وسجن النفوس ، فانطلقت فردة الحذاء تزأر صادحة نحو هدفها ، لينحني هذا الوحش الذي فاجأته تلك الفردة لتتجاوزه إلى العلم الأمريكي خلفه .
ولما أيقن هذا البطل أن فريسته قد أفلتت من يديه ، خلع الفردة الثانية من حذائه وأطلقه مجدداً على تلك الفريسة التي تراخت على وقع ضربته الأولى فأغمض للثانية عينيه مستسلماً لها بكل خضوع ، لولا يد الخائن العلقمي التي حمت وجه سيده من التهشم تحت ضرب أحذية هذا البطل .
هذا المشهد المصور تلفزيونياً جميعنا رأيناه وكان من الصعب بمكان إخفاء هذه المشاهد لأنها كانت في بث حي ومباشر ، فشفى صدرونا وأروى غليل نفوسنا واذهب بعضاً من غيظ قلوبنا . وهذا أن دلل على شيء فإنما يدلل على أكاذيب هذا الوحش اللأخلاقي الذي بلغت أكاذيبه عنان السماء فقد أعلن أن الشعب العراقي سيستقبل قواته المحتلة بالزهور والورود ، ولكن يا لها من نهاية أن اختتم هذا الأكاذيب بفردتي حذاء كادتا تهشمان جمجمته النتنة . وإن دلل كذلك فإنما يدلل على أكاذيب أبناء العلقمي الذين باعوا العراق لمحتلها من أيام في اتفاقية العار والهوان ، وأن الشعب العراقي مثله مثل موقف هذا الهمام البطل .
وما أسرنا كذلك الأصوات التي رافقت هذا المشهد من دول وشعوب وكتاب وقراء من مختلف الأجناس مما تعرضوا لنيران هذا السفاح وتفاعلهم مع هذا الحدث الشريف .. ورغم كل هذا الشعور بالفرح والسعادة فإننا سرعان ما نتذكر وللأسف أن هذا ما تعودت عليه شعوبنا منذ قرن مضى من الزمن ، فوران وثورة وقتية وتنفيس ، ثم بعدها تخمد الأصوات وتختفي المشاهد جميعها وتطويها ستائر النسيان، وتنتهي القضية بالنسبة لنا ونعود لنومنا من جديد .. بينما يبقى عدونا وحكوماته العفنة – التي لا هم لها سوى خدمة محتلنا والركوع تحت أقدامه والتمرغ والتمسح بأرجله – على ما هي عليه من السير في ذل الشعوب وقهرها .. فلا نلبث بعدها إلا ونسمع بمقتل هذا البطل كما قتلت من قبله الرسامة العراقية التي رسمت صورة هذا الأمريكي الوحش على الأرض أمام مدخل فندق الرشيد يدوسها كلما دخل إنسان من هناك أو خرج . ومرت الأيام ولم ينس العدو هذا العمل ، حتى تمكن من إسقاط صاروخ على بيت هذه البطلة وتم مقتلها ومقتل جميعا أفراد عائلتها ، فهؤلاء الأبطال لا يُنسون من أعدائنا وحكوماتهم القذرة ، بخلاف ردود أفعالنا التي سرعان ما تثور للحيظات ثم تعود بعدها إلى نوم يشابه نوم أهل الكهف وأسوء حالاً ..
نعم هذه التفاعلات كلها جميلة ولكنها وقتية سرعان ما تنطفئ جذوتها ، بينما نحن بحاجة إلى أفعال تكون أشد زلزلة من ردود أفعالنا بعد ضربة حذاء ، نحن بحاجة إلا أن نترك الخوف من العباد ، وان يكون خوفنا من الله وحده .. نحن بحاجة إلا أن نوقن أن كل شيء بيد رب العباد فنخافه ولا نخاف أحداً سواه ، نحن بحاجة إلا أن نوقف كل الموظفين الخونة والمرتشين الذين يبيعون قضية شعوبهم بأبخس الأثمان ، نحن بحاجة إلا أن نتشرب وصايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي أوصى بها معاذ بن جبل – رضي الله عنه – فقال :
” يا غلام ! إني أعلمك كلمات أحفظ الله يحفظك أحفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام و رفعت الصحف ” .
عندما نترك خوفنا من العباد ، ونعلم أن أمورنا جميعها بيد رب العباد وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، عندها فقط لن يبقى لأي عبد سلطة ً علينا ، وبهذا نكون قد عدنا إلى سلاح مزلزل – طالما غفلنا عنه – مبيدٍ لكل محتل وظالم ، وبهذا السلاح نستطيع أن نقف بوجه كل ظالم بدلا من خوفنا من عباد لا يؤخرون ولا يقدمون شيئا أمام إرادة الله الذي بيده كل شيء ، ولكننا فقط بحاجة إلى الوصول إلى هذه القناعة .
يقول عز وجل : (( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )) الرعد 11 . (( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )) محمد 38 . والعاقبة للمتقين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
احمد النعيمي