عبد اللطيف المنيّر
لا أعرف لماذ عادت ذاكرتي للوراء Flash Backإلى قصة “حذاء الطنبوري” التي كانت أول قصة قرأتها حين تعلمتُ القراءة. ولها في نفسي شىء، وأذكرها تماما وكأنها بالأمس، وزادت فرحتي عندما وجدتها حديثا في محرك البحث “غوغل” على الإنترنت. كان حجمها بحجم الجريدة، وورقها المثقول وصورها الزاهية الألوان، وكلماتها الكبيرة، التي كان تليق بطفل بدأ الف باء القراءة. وربطها بحادثة منتظر الزيدي الصحافي العراقي، الذي أثبت إلى شعبنا العربي، أن الأحذية أقوى تعبيرا من القلم، ويمكن أن تكون الحياة برأيه موقف وشهرة!
ولمن لم يعرف أو قرأ الطنبوري – ذلك الكوفي الثري، الذي ذاع صيته بشحّه، وعرفه الناس واقترن اسمه بحذائه الشهير، الذي لم يبدله بحياته بسبب بُخله الشديد. وفي يوم شعَر الرجل الطنبوري، ان حذائه هو سبب سوء طالعه وحظه القليل، أراد أن يتخلص منه ويرميه، ويبعد شبح سوء حظه التعيس عنه – وبإختصار القصه، أنه كلما رمى حذائه، التقطه أحدهم، واعاده إليه خدمة له، وظنن منهم أنه افتقده لسبب ما، وكانت القصه تدور على ذلك، وسميت بحذاء الطنبوري، ولازم الحذاء والحظ الطنبوري بقية حياته.
بيد أن القصة، قد اختلفت بوقتنا هذا، عندما أعاد صياغتها الزيدي بطريقته، لتبقى تؤدي نفس المعنى وعلى مدى التاريخ القادم. كلامهما الطنبوري والزيدي، اشتهرا بحذائهما، وكلاهما من العراق (الكوفة)، وكلاهما كُرما أفضل تكريم من جمهورنا العظيم، وكتابنا الأفاضل. لكن بعض من النخُب الإعلامية، قد غالت في المديح للزيدي، بل زاد العامة عليهم بالكرم والجود، بل وتقديم بناتهم زوجات له. وأصبح الزيدي بطل قومي، وأختصر هزائم العرب، التي أصبحت انتصارا ولو لحين، بقذف حذاءه بوجه الرئيس الأميركي، وربما اعتقد البعض منهم، أن هذه الفعلة هي “…أضعف الإيمان” !
الزيدي، والمحسوب على جماعة متطرفة، التي هتفت مرددة وقت هبوط صدام من المشنقة ” مقتدى مقتدى” هم نفسهم ومن والاهم، الذين خدمهم جورج بوش الإبن بإزاحة صدام حسين من طريقهم، وبسط سيطرتهم السياسية على المنطقة التي أصبحت ملك ايمانهم، فكانت هديتهم وتكريمهم له، حذائين قذفا بوجهه. !
كان يقول الأمريكان أنهم عندما يدخلون العراق فاتحين، سوف يرشقهم، الأهالي بالرز والورد، ولم يخطر ببالهم يوما، أن بعضا من شعوبنا، متغيرة بتغيّر مصالحها، وتكون الأحذية هي البديل، لا – بل أصدق أنباء من الكتب.
يبقى أن نسأل، هل أحدا منا قد سأل حذاء الزيدي، بأي ذنب قذفت أيها الحذاء؟ وهل أحدا منا سجل احتجاج الحذاء رسميا؟ وهل لعنة سوء الطالع في الكوفة وأهلها، من الطنبوري إلى منتظر الزيدي مرورا بالحجاج ابن الثقفي، مازالت مستمرة؟
كاتب سوري من أميركا
[email protected]