الشخصية التي لا يختلف اثنان في الدور الهام الذي لعبته مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مدينة قسنطينة ،في تكوينها،فكانت أولى خطوات مساره رفضه {خدمة العلم الفرنسي” لدى بلوغه سن الثامنة عشر وفر إلى تونس سنة 1949 ،حيث التحق بجامع الزيتونة، ومنه انتقل إلى القاهر ليلج الأزهر الشريف عام 1950،درس وتفوق، ما جعل منه مثالا للوطنية الأصيلة وجندي للدفاع عن العروبة والاسلام، ووجها للحركة والمعركة والعمل،في مساره من مواطن صالح،إلى عسكري مجاهد شجاع،فقائد محترم و ليختم مسار حياته سياسي ديمقراطي متعلم.
قال عنه السيد: عبد العزيز بوتفليقة وهو يؤبنه ” بأرواحنا نفيد لو كان يقبل منا الفداء،أنت تفارقنا على عجل ونحن في حاجة إليك والشعب في حاجة إليك،إلى روحك الموظفة بعزم الشباب، وحكمة المخلقين إلى قلبك الكبير السمح ورأيك السديد…”
أنضم بومدين إلى جيش التحرير الوطني في المنطقة الغربية فور اندلاع الثورة الجزائرية في 01 نوفمبر 1954 وتطورت حياته العسكرية بسرعة، تلقى تدريبا عسكريا في مصر واختير مع عدد من رفاقه الوطنيين لمهمة حمل السلاح،وفي سنة1956 اشرف على تدريب وتشكيل خلايا عسكرية،وحمل السلاح، ومنذ سنة 1957 تخلى عن اسمه – بوخروبة محمد إبراهيم- وتقلد اسم شهرة – هزاري بومدين- ،تقلد مسؤوليات إلى أن أصبح قائد الأركان الناحية الغربية، ثم تولى تنظيم جبهة التحرير عسكريا ليصبح قائد الاركان1960، ووزير الدفاع في حكومة الاستقلال عام 1962م مع الرئيس أحمد بن بلة.
وموازاة مع المسار العسكري كان لبومدين خط سياسي واضح،ومواقف ثابتة سجل أولهاها إثناء اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية بطرابلس لدراسة نص اتفاقيات أيفيان في كل جزئياتها،وتم التصويت على مشروع نص الاتفاقيات بالإجماع ما عدا أربعة (4) هم هواري بومدين و قائد أحمد وعلي منجلي و الرائد مختار بوعيزم.واعتبروها تكريسا لاستعمار جديد تحت شعار التعاون مع فرنسا.
الاتفاقية التي وقعت يوم 18 مارس 1962 بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير الوطني، ونصت على استقلال الجزائر عبر استفتاء جرى فعلا يوم 1 جويلية 1962، وصوتت أغلبية لصالح الاستقلال.
واتفاقية أيفيان كأي اتفاقية تضمنت على الصعيد الاقتصادي والعسكري والسياسي إيجابيات وسلبيات، بالنسبة للشعب الجزائري، من الايجابيات:
– تحقيق وقف إطلاق النار في الجزائر.
– الاعتراف الفرنسي باستقلال الجزائر.
– تحقيق الوحدة الترابية للجزائر.
– المحافظة على وحدة الأمة الجزائرية.
ومن السلبيات المسجلة:
أ- سكريا
– قاء 80 آلف جندي من الجيش الفرنسي في الجزائر مدة 24شهرا.
– الاحتفاظ بقواعد عسكرية فرنسية بالجزائر أهمها:” المرسى الكبير, قاعدة بوفاريك , قاعدة رقان”
ب- اقتصاديا
المحافظة على الامتيازات الفرنسية في الجزائر
إعطاء الأولوية للشركات الفرنسية لكل المشاريع في الجزائر
المحافظة على أملاك المعمرين ومنحهم ضمانات على ذلك.
ج- سياسيا وثقافيا:
ضمان البقاء الفرنسي في الجزائر .
التأكيد على منح المعمرين ألفرنسيين الجنسية الجزائرية
التأكيد على التعاون الثقافي وضمان المصالح الثقافية الفرنسية في الجزائر.
بقدر ما كانت اتفاقية أيفيان انتصارا للشعب الجزائري وتحقيقا لآماله ،كانت في الوقت ذاته قيدا كبل الجزائر بشكل رسمي مع الاستعمار الفرنسي لسنوات غير محدودة، وهو ما رآه بومدين.
وثاني موقف الرجل هو: مناهضة الاستعمار مساندة الحركات التحررية – فلسطين- جنوب إفريقيا- الصحراء الغربية التي قال في شأنها( المغرب يطالب بالصحراء وموريتانيا تطالب بالصحراء والجزائر لا تطالب بالصحراء في رده على دعوة الجارين لتقاسم الصحراء الغربية.وما الى ذلك من المواقف الدولية ختمها بالدعوة إلى نظام اقتصادي علمي جديد.
إن شخصية بومدين المتميزة هي التي جعلته ينجز مشاريع وطنية كبرى:
الأمن الذي افقد في عهد بن بلة – استرجاع الثروات الطبيعية
وتأميم البنوك ووسائل النقل والإنتاج التي كان يستحوذ عليها المعمرون- وللإشارة فإن الجزائر من أغنى مناطق الحضارة. وأهم وسط لمختلف التفاعلات ،فسواحلها المطلة على البحر المتوسط، تربطها بعلاقات وثيقة مع أوروبا، التي لا تبعد عنها سوى 700كم، وهي قلب المغرب العربي، والجناح الغربي للوطن العربي، كما أنّها منطقة اتصال طبيعي بين أوروبا وإفريقيا.
تفرغ بومدين تدريجية لترتيب البيت الجزائري،والاهتمام أثناء فترة حكمه”19جوان1965،27ديسمبر1978.”التي تميزت بالازدهار في جميع المجالات خاصة منه الزراعي،قيام الثورة الزراعية التي أعادت للريف أهليته وأقام قواعد صناعية كبرى شكلت الدرع الواقي للجزائر أيام محنتها ومازالت تعمل إلى حد الساعة.ودشن ثورة ثقافية بهدف ترميم ما أفسده الاستدمار الفرنسي، وقام بتأميم المحروقات الجزائرية، وإنشاء مؤسسات استغلالها.
وتماشيا مع سياسة التنمية قام هواري بومدين بوضع أسس الدولة الجزائرية الحديثة من خلال ميثاق للدولة ساهمت الجماهير في إثرائه والمصادقة علي
ه وعلى دستور الدولة الجزائرية المنبثق عنه في اقتراعين منفصلين ، وثيقتين رغم ما يمكن أن يقال عنهما إلا أنهما ساهمتا في ترتيب البيت لجزائري و وضع ركائز لقيام الدولة الجزائرية الحديثة
حكم أول الأمر بصفة رئيس لمجلس التصحيح الثوري وتم انتخابه رئيسا للجمهورية الجزائرية عام 1975.لم يستأثر بالمنصب ، وجعل التداول على السلطة ميدأ يقره الدستور.
بعد ست وعشرين سنة عن رحيل بومدين في السابع والعشرين من ديسمبر سنة1978،صرحت أنيسة بومدين يوم الأحد 2جانفي 2005 لصحيفة لوسوار دالجيري الناطقة بالفرنسية، علي هامش الملتقي الوطني حول حياة الرئيس الراحل والذي اقيمت دورته الرابعة عشرة بولاية الجلفة، لكنها لم تعط أية تفاصيل عن فرضية الاغتيال ولا الجهة التي تكون قد دبرته، ولم تذكر من أين استقت قناعتها هذه وفي سياق حديثها قالت لو بقي علي قيد الحياة لما دخلت الجزائر دوامة العنف المسلح الذي عرفته طيلة الاثني عشرة سنة الأخيرة .
محمد بوكحيل