مسامير وأزاهير ( 37 ) … مفترق طرق بعد إنهاء التهدئة وصدور القرار 1850!!!.
حسناً فعلت الفصائل الوطنية الفلسطينية في غزة ( حماس والجهاد الاسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية ) حين أعلنت عن رفضها تمديد التهدئة لفترة أخرى، تلك التهدئة التي كشفت عن حقيقة نوايا العدو الصهيوني وزيف ما ينادي به فيما لم يظهر من تلك التهدئة التي انتهت اليوم إلا انخفاضاً لمنسوب النيران ليس إلا حسب التعبير الذي استخدمه الدكتور أسامة الأشقر ( محلل سياسي ) في مقابلة معه أجرته الجزيرة الفضائية ليوم أمس!!!.
ولم نقل ما قلناه من ترحيب منا لقرار عدم تجديد التهدئة في مستهل مقالنا هذا إلا على ضوء ما تلمسناه من نتائج ومعطيات وانعكاسات تنفيذ بنود تلك التهدئة ، وليس خافياً على اللبيب وصاحب الضمير والوجدان حالة ازدياد الوضع المأساوي لأبناء غزة وترد عما كان عليه الحال قبل دخول ذلك الاتفاق حيز التنفيذ ، ولعل ذاك هو السبب الحقيقي الذي دفع الفصائل الوطنية الأربعة لاتخاذ قرارهم الجريء والشجاع بعدم التجديد له بعد أن أنعمت النظر تلك الفصائل الوطنية في المشهد الغزاوي وفاضلت بين معطيات ما تحقق لأبناء غزة للأشهر الستة المنصرمة من جانب وما تحقق للعدو مقابله من جانب آخر فأدركت ببصيرتها أن لا مناص من عدم التجديد لفترة لاحقة وإلا فإنها ستجرم بحق القضية أولاً وبحق أنفسها ثانية!!!.
ولا أخفيكم حقيقة سعادتي لقرار الفصائل الأربعة بعدم التجديد لاسيما وأنني كنت قد ناشدت قادة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية الأخرى بمقالتي بتاريخ 22/11/2008 والتي كانت بعنوان (( مسامير وأزاهير ( 27 ) … يا قادة حماس لي توجساتي وهواجسي )) بضرورة دراسة الأمر من كافة جوانبه كما وبينت فيها توجساتي وهواجسي من احتمال تجديد التهدئة ومخاوفي إن كانت معطيات تجديد التهدئة ستكون على نفس وتيرة ما جرى للأشهر الستة المنصرمة!!!.
آن لنا جميعاً أن نحترم أنفسنا … آن لنا أن نتحلى بطرحنا وتحليلنا بالمصداقية والموضوعية بخصوص معطيات وتداعيات التهدئة وصولاً لخدمة الحقيقة المجردة التي نتمنى في أن تصب في صالح القضية عموماً وأبناء غزة تحديداً، من منا من لم يدرك أن التهدئة كانت منهارة بكل المقاييس طيلة الأشهر الستة المنصرمة !!، من منا مـَنْ لم يع حقيقة أن تلك التهدئة قد كانت ضحكاً على ذقون أبناء غزة ليس إلا !!، لا أعتقد أننا سنختلف في الإجابة لاسيما في ضوء معطيات ونتائج أثبتت أن أي بند من بنود اتفاق التهدئة لم يطبق باستثناء ما يتعلق بوقف إطلاق نار هش بسبب خرقه المستمر من جانب الكيان الصهيوني بحجة أو بأخرى ، فكما يعلم الجميع بأن الاتفاق كان ينص على تطبيق جملة نقاط ( حزمة واحدة وبشكل تدريجي ) منها وقف العمليات العسكرية بين الجانبين وفتح المعابر بين القطاع والكيان الصهيوني مع بدء دخول الهدنة حيز التنفيذ ومن ثم تطبيق التهدئة لاحقاً في مدن الضفة الغربية ، كما وتنص أيضاً على أن يتم عقد اجتماعات تستضيفها مصر ( راعية الاتفاق ) في الأسبوع التالي للتهدئة لمناقشة فتح معبر رفح تضم ممثلين عن السلطة الفلسطينية وحماس والاتحاد الأوربي … فأي من هذه البنود قد جرى تطبيقه!!؟، لن نكون مجافين للحقيقة أن نقلنا واقع ما رأينا وتلمسنا ، فلا المعابر فتحت ، وما دامت المعابر لم تفتح فهذا يعني أن المؤن والحاجيات الإنسانية التي يحتاج إليها أبناء غزة قد منعت من الوصول إليهم ، حصار مستمر ، تجويع مستمر ، والأنكى من ذلك كله أن التهدئة ما انتقلت لتطبق في الضفة الغربية ودليلنا في ذلك استمرار الاجتياحات الصهيونية لمدن الضفة وما يرافقها من اعتقال أبنائها من جانب وتصاعد وتائر الاستيطان الصهيوني وارتفاع وتيرة تهويد مدينة القدس من جانب آخر ، أما الحديث عن دور مصر كما جاء بنص الاتفاق فهذا لعمري ما تسكن عنده العبرات وقد كتبنا عنه كثيرا!!!.
فما الفائدة المرجوة إذن من تجديد تلك التهدئة إذن!!!.
لم تكن اسرائيل جادة في تطبيق والالتزام ببنود الاتفاقية بل حاولت استثمارها لخلق حالة من الراحة والاطمئنان لدى قطعانها في مدن محيط غزة ( سديروت وغيرها ) من جانب ومن جانب آخر تعطيل لغة المقاومة تمهيداً لإنهائها فيما بعد، كما وازدادت انتهاكات “إسرائيل” خلال فترة التهدئة في غزة حيث تمثلت بـ ( 195 ) خرق اسرائيلي ، 22 شهيد معظمهم من رجال المقاومة ، 62 جريح ، 38 معتقل معظمهم من المزارعين والصيادين ، يضاف لذلك غلق المعابر وفرض حصار ومنع تدفق للمؤن الإنسانية حتى الدولية منها كما أعلنت الأونوروا مراراً وتكراراً عن نفاد خزينها من مواد الإغاثة والتي جاء آخرها يوم الخميس 18/12/ 2008 ، قد تكون فترة التهدئة السابقة قد حققت شيئاً لقيادة الفصائل الوطنية الفلسطينية في غزة حيث اعتبرت فترة استراحة محارب وتجهيز عدته وتهيئة وتجميع طاقته استعدادا لجولة أخرى من مواجهات مع العدو ، لكنها في الطرف المقابل كانت أيضاً قد حققت للعدو الصهيوني مكاسب لا تقدر بثمن ، بل إنه قد حصل عليها دونما ثمن يدفعه من خلال إصراره على عدم تحقيق بنود الاتفاق والتي أهمها عدم فتح المعابر المتفق عليها علاوة على ما حققه العدو ( إقليمياً ودولياً ) من جانب آخر وهذا ما أكده ” اليكس فيشمان ” المحلل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت العبرية بتاريخ 18/12/2008 حيث قال وأقتبس منه
نصاً ما جاء بالفقرتين التاليتين :
نصاً ما جاء بالفقرتين التاليتين :
1- “التهدئة شكلت أيضاً رافعة لتحسين التنسيق بين (إسرائيل) ومصر, والأزمة في غزة لم تتسلل إلى داخل مصر، والمصريون لم يتنازلوا لحماس في مواضيع مهمة لـ(إسرائيل) مثل فتح معبر رفح, وتحرير سجناء حماس المحتجزين في مصر, كما سمحت بتقدم المبادرة السعودية والحفاظ على العلاقات السليمة بين (إسرائيل) والعالم العربي المعتدل”, على حد قوله!!!.
2- ” بفضل التهدئة أيضا نزلنا قليلا عن شاشات التلفزيون في أوروبا والولايات المتحدة، الأمر الذي سمح للرباعية بمواصلة التمسك بسياسة مقاطعة حماس ومنحت الإدارة الأميركية بعض الهدوء كي تتمكن من التركيز في شؤونها في العراق وفي أفغانستان”، على حد قوله أيضاً!!!.
قد ينبري من يتخوف من نتائج قرار إلغاء التهدئة فيتحدث عن احتمال اجتياح صهيوني لغزة وما يعنيه ذلك من سفك لدماء أبناء غزة ووو إلى آخره من قائمة التخوفات والهواجس … فأقول … وهل لدينا خيار آخر غير الصمود والتحمل !؟، وهل لدينا خيار آخر يحمل بين طياته الكرامة والعزة !؟، وهل يضر الشاة أمر سلخها بعد قتلها ومماتها … فأي مآل أتعس مما وصله حال أبناء غزة بعد كل ما جرى ويجري وأمام أعين العالم أجمع ، فلقد امتهنت كرامة أبناء غزة وهم أحياء فمنع عنهم الغذاء والدواء وغيرها من مستلزمات المعيشة الكريمة وبحدها الأدنى بفعل ما طبق بحقهم من حصار صهيوني – عربي ( رسمي ) – دولي ، لقد أمتهنت حقوقهم الإنسانية التي كفلها لهم القانون الدولي والشرع السماوي ، وهذا ما بينه واستنكره السيد ريتشارد فولك ( مقرر حقوق الانسان بالامم المتحدة ) حين وصف ذاك الحصار الاسرائيلي لغزة بانه انتهاك صارخ للقانون الانساني الدولي فيما رفضت “إسرائيل” ما جاء بذاك الاتهام وفي الوقت الذي لم تتحرك دولنا العربية لالتقاط ما جرى على لسان السيد ريتشارد فيبادروا بتفعيل ذاك والضغط على الأمم المتحدة من أجل إنهاء الحصار ، بل والقيام بواجب الإخوة القومية والدينية الاسلامية بكسر ذاك الحصار من جانبهم ودونما استحصال لقرار أممي!!!.
ولتداعيات حدثين هامين قد تعاقبا لليومين المنصرمين أولهما صدور القرار الأممي 1850 وما اكتنفه من ملابسات واشتراطات رافقت إصداره ، وثانيهما قرار عدم تجديد التهدئة … فإنني أرى ضرورة الدعوة والحث والمناداة بإنجاح الحوار والمصالحة الوطنية من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية وتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية لنكون بعدها أهلاً للتصدي والسير في المرحلة القادمة لاسيما وأننا أصبحنا ( شئنا أم أبينا ) في مفترق طرق خطير يتوجب على القيادات الفلسطينية جميعاً بمختلف مشاربهم أن يترفعوا عن كل ما كان يمنع اللقاء وأن يمدوا الأيادي لبعضهم كي يتمكنوا من وضع استراتيجية وطنية موحدة نتمكن من خلالها من مقارعة ومجابهة العدو ومن يؤازره ويسانده في المحافل الدولية … فلا يجوز بعد اليوم أن يبقى الانقسام في المشهد الفلسطيني لاسيما وأن تغييرات جوهرية عميقة ستجري في البيتين ( الصهيوني والأمريكي ) مطلع العام القادم مما يضعنا في مجابهة مواجهات وتداعيات خطيرة نكون بعدها أو لا نكون!!!، مواجهة معركة جديدة هي استحقاق طبيعي لقرار عدم تجديد التهدئة من جانب واحتمال دخول المفاوضات مع العدو من جانب آخر ، وفي كلا الحالتين علينا أن ندير المعركة بفطنة وحذر وأن نستعد جيداً ونحتاط لنكون مؤهلين لإجبار العدو على أن يدفع ثمناً كبيراً وباهضاًُ إن حاول مجدداً التسويف والمماطلة من جانب ، ومن جانب آخر نعيد القضية إلى مسارها القديم حين كانت قضية شعب سلبت منه أرضه وشرد وشتت بدلاً من أن تصبح قضية حاجات إنسانية لأقلية محاصرة في الضفة والقطاع.
لقد ذقنا مراراً نيران العدو وبطشه … فما أحرانا اليوم أن نذيقهم بعض ما أذاقونا.
آن لنا أن نرد الاعتبار لقضيتنا والكرامة لشعبنا من خلال وحدتنا والتمسك بثوابتنا وأرضنا.
سماك برهان الدين العبوشي