أسامة عبد الرحيم*
لو أبصر شاعرنا العربي أبو تمام مشهد الحذاء الطائر صوب رئيس أكثر الإدارات الأمريكية دموية وإرهاباً في التاريخ؛ لأدهشه الموقف ولبدل كلمات رائعته لتوافق ما أرساه البطل منتظر الزيدي من علاقة جديدة بحذائه بين الطاغية والمقاومة، ولأصبحت كلماته هكذا:” الحذاء أصـدق أنـباء من الكتب…فـي نعله الـحد بين الجد واللعبِ” .
المفارقة عجيبة عزيزي القارئ بين وقوف بوش منتشياً كالديك المحشو بالأوهام فوق سفح حاملة الطائرات إيزنهاور منذ سنوات قائلاً بعبط سياسي واضح:” المهمة انتهت”، وبين وقوفه كالجرذ المبتل بجوار “كرزاي” العراق يتناول في وجهه نعلين عراقيين من الوزن الثقيل، مع تقليده وسام بدرجة “كلب” أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح، ومزق ستار الخداع الذي يواري به الاحتلال الأمريكي خسائره المستترة في العراق.
الحدث في حد ذاته رغم عفويته وبساطته تتضح فيه معالم العمق السياسي ، حيث أنه يعد واحد من علامات موت الاحتلال سياسياً وعسكرياً وتجلى بأنصع صوره في تلك اللحظة التي تلقى بوش فيها النعلين وهو ممتقع الوجه ويكاد لا يصدق.
ولا يخفى على من تابع الصلف والإجرام الأمريكي في العراق، الصدمة التي تلقتها الإدارة الأمريكية الشيطانية علناً ومن حيث لا تحتسب ورمزها يصفع بالحذاء في مؤتمر داخل المنطقة الخضراء الأشد تحصيناً من البيت الأبيض.
هذه الإدارة التي ضمت السفاح رامسفيلد مرتكب مجزرة ابوغريب والسفاح تشيني وغيرهما، وضعت الآلة العسكرية الأمريكية بلحمها وحديدها في مطحنة المقاومة العراقية والأفغانية معاً، ثم هي تحاول جاهدة الآن أن تنتزع أقدامها من رمال المقاومة ببضعة اتفاقيات وهمية مع عملاء لا يملكون السيطرة على سراويلهم الداخلية، تحاول بذلك أن تخفي خسارتها كما يقول المثل الشعبي المغربي “أصبح يغطي الشمس بالغربال”.
قذيفة الزيدي المباركة جاءت رفضاً طبيعياً غير مطبوع في بيان ولا تختلف عليه فصائل المقاومة، على الاتفاقية الأمنية التي سمح الاحتلال لقواته من خلالها بالبقاء في العراق لثلاث سنوات أخرى بعد انتهاء التفويض الممنوح لها من قبل الأمم المتحدة نهاية العام الحالي.
قذيفة الزيدي مزقت أوراق الاتفاقية معدومة الشرعية وبنودها التي تعطي من لا يملك ما لا يستحق، ومن بين هذه البنود البند المتعلق بالحصانة التي يتمتع بها جنود الاحتلال الأمريكي في العراق والتي تمنع ملاحقتهم قضائيًا من قبل سلطات كرزاي العراق، هذا لو كان في مقدوره أن يفعل ذلك أصلاً.
قذيفة الزيدي فضحت الاتفاق الذي يحل سياسات الاحتلال الأمريكي وحكومة الكرزاي محل قرارات الأمم المتحدة التي تنظم عمل قوات الاحتلال في العراق والتي ينتهي مفعولها بنهاية العام الجاري.
مهمة بوش انتهت حقيقة بصفعة حذاء سياسي سبقتها انتصارات سجلتها المقاومة عسكرياً، وبات جلياً لكل منصف ذو عينين أن تبدلاً عاصفاً حدث على مستوى موازين القوى ميدانياً لا زال معتماً عليه عمداً، وهو ما سيقلب رأسا على عقب كل التوقعات ذات النبرة الإحباطية السائدة والرائجة في الشارع العربي الإسلامي.
هذا الذي نسوقه ليس رجماً بالغيب أو قراءة في فنجان أو حتى محاولة لبث الأمل، فلسنا بحاجة لكل هذا والبيانات تتوالي كل يوم عن خسائر الاحتلال في أكثر من جبهة وخسارة عملائه كل يوم في عمليات نوعية وأخرى استشهادية تشارك فيها النساء أحرار العراق.
فالمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي اشتد ساعدها وتعمق حسها السياسي، بحيث رأينا تنسيقاً بين عشرة من فصائل المقاومة دفعة واحدة اتفقت على تصعيد هجماتها ضد قوات الاحتلال الأمريكية والعراقية الموالية لها؛ لتعطيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين الاحتلال وعملائه.
تلك هي المقاومة التي ابتدأت بعد أيام قلائل من احتلال بغداد في التاسع من نيسان/ ابريل عام 2003، حيث قتلت المقاومة أول جنود المارينز بعد ثلاثة أيام من الاحتلال، وشنت بعدها هجوما واسعا
ضد دورية أمريكية في الجانب الغربي من بغداد في منطقة نفق الشرطة في18/4/2003، ثم توالت هجماتها وتصاعدت حتى صارت أكثر تنظيماً ونوعية.
ضد دورية أمريكية في الجانب الغربي من بغداد في منطقة نفق الشرطة في18/4/2003، ثم توالت هجماتها وتصاعدت حتى صارت أكثر تنظيماً ونوعية.
تدرجت المقاومة في عملياتها وأدخلت الضربات الإستراتيجية الموجعة حساباتها فأسقطت الطائرات العمودية وغيرها، وهذا يعني أن المقاومة العراقية حيدت طيران العدو خلال القتال، وهو ما يعنى تبديل في موازين القوى العسكرية لصالح المقاومة.
هل سمع أحد بأن مقاتلي المقاومة يقومون بسرعة خارقة بتفكيك طائرات الاحتلال التي يتم إسقاطها وانتزاع قطع ذات أسرار تكنولوجية عالية منها، ويغادرون من المكان مكللين بالنجاح دون أن يتمكن قطعان الاحتلال من ملاحقتهم..؟!
وهل سمع أحد بأن الدمية الأمريكية جلال الطالباني طلب صراحة من إيران العدو التقليدي ذو المطامع الجغرافية والأيدلوجية في العراق المساعدة لوأد المقاومة، لتيقنه الكامل بأن الاحتلال الأمريكي بات مشتتاً ومهلهلاً بين ضربات المقاومة في العراق وشقيقتها في أفغانستان .
الإيرانيون بالطبع رحبوا بطلب الدمية التي يوجهها عدوهم الأمريكي الضاغط على رقابهم بالملف النووي، وهو ما جعل الرئيس الإيراني نجاد يهتبل الفرصة قائلاً:”قل لأصدقائك الأمريكيين إذا ما فكرتم جديا في الانسحاب، فإن إيران تستطيع مساعدتكم هناك”، لا لشئ إلا ليغنم الإيرانيون بلداً عربياً سنياً يُساقط نفطاً جنياً بدون خسائر تذكر..!
حذاء الزيدي أسقط ورقة التوت عن عورة الاحتلال وأظهر وزنه الحقيقي في كفة الشارع العراقي الذي لا يعرف تنظيماً أو مذهباً غير المقاومة، ولم يتزحزح قيد أنملة عن الهدف الأسمى المتمثل بتطهير العراق من الاحتلال، وإفشال مشروعه الذي يخدم الصهيونية والمحافظة على وحدة العراق أرضا وشعبا.
وأخيراً أقول للرئيس الأمريكي جورج دبليو شوز مهمتك قد انتهت والرابح هي المقاومة وحذائها ذي المقاس 44 لازال يرتسم على وجهك وطعمه المالح في حلقك، ولربما تصل هذه الأبيات إلي الأسد منتظر الزيدي في محبسه، وأنا أتخيله الآن يزأر ويرددها في وجه كرزايات واشنطن وسياط جلادي الاحتلال تأكل من جسده…
أرْفضكمْ …
أرْفضكمْ …
أرْفضُ كلَّ مَا ترَوِّجُونهُ مِنَ الدَّعارَهْ ..
أرْفضُ أنْ أعيرَكمْ يدي لتذبحُوا العرَاقْ ..
أنا غير قابل ٍللبَيع ِوَالإعِارَهْ ..
وَلا أُفلسفُ الخيانة َالتي تفلسِفونْ ..
وَلا أُحوِّرُ الأسْمَاءَ مثلمَا تُحَوِّرُونْ ..
فالاحتلال لا يكونْ ..
غيرَ احتلال ٍأيُّها المُنافقونْ ..
ضعوا حذاءَهُ على رؤوسِكُم ..
وَمَجِّدُوهُ أيُّها المُمَجِّدِونْ ..
توضؤوا ببوْلهِ ..
فإنهُ الربُ الذي إليهِ تسْجدُونْ ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب وصحفي مصري