شر البلية ما يبكي (2) : مرضانا في الشتات
بقلم : زياد ابوشاويش
كنت قد بدأت الكتابة في قضايا وأحزان الناس في الخارج تحت هذا العنوان متناولاً وقائع فردية وربما خاصة أو نادرة مع يقيني أن معظمها ربما يمثل حالات متكررة وفي بعض مناطق الشتات حلة عامة، وقد وجدت العنوان أعلاه مناسباً لأن ما تسمعه من جميع أصحاب الحالات التي نتناولها تبكيك لو كان قلبك قد قد من حجر أو من صخر كما يقال.
الأنكى من هذا على نفسي وروحي وهذا ربما عيبي أني أتصور نفسي في ذات مكان صاحب الشكوى وتبدأ معاناتي الشخصية وأفشل في التخلص من حالة التلبس التي تعتريني لعدة أيام، ومع ذلك فلا أجد مناصاً من السماع ومن الكتابة وكأن واقع حالي يقول شاركوني الحزن والبكاء إن رغبتم من قسوة الحياة على أهلنا ومن نحب فربما يخفف ذلك من حزني ومن غضبي… وليعذرني كل من يقرأ مقالي هذا، فوالله ما يدفعني في الكتابة حول هذه الحالات سوى إيماني الكامل بمظلومية شعبنا وبحقه في أكرم حياة وأعز وضع، لأنه يستحق ذلك وسدد أثمانه وتكاليفه من دم بنيه. وعذراً لعدم ذكر اسم ولقب صاحب الرواية لأنه طلب ذلك.
حمل صديقي أوراقه متوجهاً لمكتب الشتات في حركة حماس بسوريا بعد أن وصل الأمر حد الإفلاس لأسرته المناضلة رغم يسر حالها قياساً بباقي العائلات الفلسطينية من قطاع غزة اللاجئة للقطر العربي السوري ولغيرها من العائلات الفلسطينية المقيمة به، وكان الهدف من ذلك عرض حال والدته التي ابتلاها رب العباد بفشل كلوي احتاجت بسببه لغسيل مستمر لكليتيها وهو الأمر المكلف جداً كما يعرف الجميع، وإلى هنا الأمر منطقي وطبيعي والناس مهما بلغ يسر حالهم فإن هذا المرض بالتحديد كما السرطان تكاليف العلاج منه مكلفة جداً وتلجأ معظم الحالات للمساعدة إما من الحكومة ومشافي الدولة أو للجمعيات الخيرية الموجودة في البلد المعني وهو هنا سورية العربية.
استقبله المسؤول في مكتب الحركة وزوده بكتاب لجمعية خيرية تسمى ” صندوق العافية ” وهي جمعية سورية دمشقية شامية أو هكذا بدا الأمر لي من خلال السيناريو الذي جرى مع صديقنا وحال والدته الصعب. كان كل شيء يبدو طبيعياً وأن الإخوة في مكتب الشتات يقوموا بأداء واجبهم على خير ما يرام كما قاموا بالترحيب بصديقنا قبل وبعد تزويده بالكتاب المذكور.
ذهب الصديق حاملاً أوراق التشخيص وكتاب الحركة لمسؤول الجمعية المذكورة وسلمه الكتاب، تمعنه الرجل بعد قراءته ثم نظر لصاحبنا وأخبره برفض الطلب، وكان وقع الكلام غريباً على الصديق الذي لم يتوقع ذلك بحكم الحديث الذي سمعه من حماس وبحكم الواقع الذي يقول بأن هذه الجمعية ذات موازنة جيدة وتتحمل كثير من الحالات الشبيهة، ويعود سبب غرابة الحديث والمفاجأة غير السارة للكلام الذي برر به الرجل هذا الرفض حين قال : نحن جمعية تقتصر خدماتنا ومساعدتنا على الدمشقيين أو الشوام فقط ولا نقدم المساعدة لغير هؤلاء لأن والدتك ليست مسجلة على قيود الشام أي دمشق ومحافظتها فما كان من صديقنا سوى القول : وهل كان البر في الإسلام لهؤلاء أم أوصى بهم رسول الله “صلى الله عليه وسلم”؟ فرد المسؤول : نحن هكذا وهذا نهجنا.
عاد الصديق وهو يجر أذيال الخيبة والإحباط والكثير من الألم ليس لحال والدته التي ازدادت سوءاً بعد ذلك ولكن للكلام الجارح الذي سمعه من مسؤول الجمعية وكذلك من ذلك المسؤول في مكتب الشتات الذي زوده بالكتاب وهو يعلم طريقة تلك الجمعية في التعامل قبولاً ورفضاً وحيث بقي السؤال معلقاً دون جواب: لماذا زودوه بالكتاب؟ وهل كانوا لا يعرفون طريقة هذه الجمعية ونهجها؟ ولماذا يعرضون محتاج من أبناء شعبهم لموقف من هذا القبيل؟.
وحتى تكتمل الصورة ولماذا يشعر المرء بالحزن والألم حين يستمع ويرى الحالة لابد من أن أذكر بأن زوج هذه السيدة مريض ويحتاج لعلاج طبيعي مستمر لأنه أصيب بجلطة أدت لشبه شلل في بعض أطرافه وهو من الإخوة الذين ناضلوا على مر سنوات طويلة في صفوف الثورة الفلسطينية ويمثل قدوة طيبة للشباب الفلسطيني ولا يستحق نهاية مؤلمة كهذه.
إن مستوصفات وكالة الغوث في الخارج وفي سورية تقدم خدمات كثيرة للناس لكنها لا تشمل كثير من الأمراض والحالات، ولا تشمل أولاد غزة في الخارج خدمة العمل الجراحي وغيرها من الخدمات الشبيهة، ومن هنا يحتاج الأمر لخدمات أخرى يقدم الهلال الأحمر الفلسطيني قسماً منها بأسعار معقولة والباقي وهو من العيار الثقيل يستحق تحديد أسلوب ومرجعية لمعالجته كما الحالة التي تناولناها في هذا المقال الذي يفتح على آلاف الحالات الشبيهة مما لا نعرف، والأمر يعود في النهاية لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، وكذلك للفصائل ذات الموازنات الكبيرة والثقل السياسي والمعنوي في البلد المحدد كحماس وفتح وغيرهما.
سنبقى كما يحتم علينا واجبنا صوتاً وعوناً لكل مظلومي شعبنا في الداخل والخارج ولن نتردد في تبني أي حالة نشعر أنها تستحق المتابعة بالقلم والعمل.. وسيكون مقالنا اللاحق عن أسر الشهداء زوجاتهم وأولادهم ومع نموذج يستحق التنويه، والله والشعب المظلوم من وراء القصد.
زياد ابوشاويش